الخميس، 30 أبريل 2020

جيل أشير.. حاملو النهضات!


جِيِلْ أَشِيرْ.. حاملو النهضات!

الجزء الثالث من سلسلة مقالات "جيل يُخلَق للرب"
بقلم دكتور ثروت ماهر - 
خدمة السماء على الأرض - مصر

وَلأَشِيرَ قَالَ: «مُبَارَكٌ مِنَ الْبَنِينَ أَشِيرُ. لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ، وَيَغْمِسْ فِي الزَّيْتِ رِجْلَهُ. حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ، وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ. (تث ۳۳: ۲٤)

أشير هو آخر سبط باركه موسى! أي بعد أن بَارك موسى جميع أسباط بني إسرائيل، ختم البركة بمباركة أشير؛ لذا، على المستوى النبوي، يُمكن النظر لهذا السبط – من حيث ترتيب البركة – على أنه رمزًا لخدمة الأيام الأخيرة.. لحاملي نهضات الأيام الأخيرة!
ويُمكن رسم سمات عامة لمشيئة الله ودعوته لهذه الفصيلة الروحية، التي أسميها "حاملي نهضات الأيام الأخيرة"، من خلال التأمل في بركة موسى لسبط أشير. مع الأخذ في الاعتبار أن المسحة المُتاحة لتحقُق هذه السمات، والحياة في هذه المواعيد، لحاملي نهضات الأيام الأخيرة تتزايد كثافتها جدًا مع اقتراب مجيء الرب والتقدُم في الأزمنة الأخيرة نحو مجيء العريس ملك الملوك ورب الأرباب – الرب يسوع المسيح.

مشيئة الرب ودعوته لحاملي نهضات الأيام الأخيرة بحسب بركة أشير:

أولاً: مُبَارَكٌ مِنَ الْبَنِينَ أَشِيرُ

مباركين من البنين:
وتأتي بمعنيين:
۱ – أن يكون حاملو نهضات الأيام الأخيرة مباركين "بين بني يعقوب"، أي مباركين بين إخوتهم، أي لهم نعمة خاصة في علاقاتهم مع مختلف العائلات الروحية المختلفة. هذه هي مشيئة الرب لنا، أن يكون لنا نعمة في أعين كثيرين، فمع أن التعليم الذي سيحمله حاملو نهضات الأيام الأخيرة سيُرفَض من البعض؛ لأنه سيفصل الحق من الباطل وسيفضح التدين المزيف، إلا أن مَن يحبون الحق سيُجذَبون بالروح القدس لخدمة ونهضات الأيام الأخيرة، وهذا سيجعل مظلة المسحة النبوية والرسولية تتسع لتشمل علاقات كثيرة عبر تنوعات ثقافية وجغرافية متعددة. وبقوة دم الرب يسوع؛ وبالحكمة النازلة من فوق، ستُبطَل كل شكايات العدو وستتقوى علاقات الجماعات الروحية الحقيقية عبر بلدان العالم.
۲ – كما يُمكن قراءة "مباركين من البنين" بمعنى آخر، وهو أن السبط عنده وفرة من البنين! أي أن يكون حاملو نهضات الأيام الأخيرة أغنياء في ولادة نفوس كثيرة من نفس السبط والجين الروحي، أغنياء في ولادة أبناء وبنات مكرسين ومكرسات، متشفعين ومتشفعات بالصلوات المقتدرة، رجال آية، أقوياء لولادة أمور الروح بقوة وكمال. يريد الرب أن يملأ نهضات الأيام الأخيرة بأبناء كثيرين جدًا مُستَقِرة على حياتهم المسحة النبوية الرسولية، ومظلة روح الصلاة النبوية تُفرَد لتغطي كثيرين ويُمسح كثيرين بالروح القدس – روح النبوة والإرسالية.

ثانيًا: لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ..

أو "يرضى عنه إخوته":
يريد الرب أن يُعلن لحاملي نهضات الأيام الأخيرة أن دعوتهم هي دعوة مُفرحة جدًا لكل جسد المسيح، لكل مَن يحب الرب ويشتاق لمجيئه بالحق. إن الرضى والقبول هما عطية من عطايا الرب لخُدام نهضات الأيام الأخيرة، وكما امتلأت نهضات تقليد القداسة في القرن التاسع عشر بالكثيرين من قادة وأساقفة تقاليد روحية أخرى؛ هكذا ستمتلئ نهضات الأيام الأخيرة بقادة وأساقفة وشعوب تقاليد روحية متنوعة. سيستخدم الرب نساءه الحاملات لجين النهضة بقوة لم تُر من قبل تحت هيمنة الروح ووسط أجواء الأمان في عائلات النهضة وبانضباط كتابي واضح للجميع. كما كانت نهضات فيبي بالمر (كولومبس الروح/ ۱۸۰۷ – ۱۸۷٤) تمتليء بأساقفة من تقاليد روحية مختلفة، سينظر قادة كثيرون نساء الله وهن مُستخدمات تحت مسحة الروح ببأس، وسيُعطِي الجميع المجد للرب! كانت حنة النَبَيَّة، التي استقبلت الرب وهو رضيع في الهيكل مُسبحة ومُتكلمة عن مجده، من سبط أشير! "وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ... فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ".. أجواء الرضى والقبول تفتح أبواب البركة والاستخدام.. مَن يقبل نبي مُدركًا لكونه نبي، ينال من فم الرب كلمات نبوية، ومَن يقبل رسل الخروف في الأيام الأخيرة لكونهم/لكونهن رسل المحبوب، ينال من يد الرب دعائم تأسيس الملكوت في أرضه بلا رجعة!

ثالثًا: وَيَغْمِسْ فِي الزَّيْتِ رِجْلَهُ..

لنا زيت الروح.. مسحة الروح..
بشكل حرفي، الأرض التي امتلكها سبط أشير كانت ممتلئة بأشجار الزيتون، لذا، كان للسبط وفرة عظيمة في الزيت والدهن، وكانت شجرة الزيتون هي رمز سبط أشير وشعار رايته! خُدام نهضات الأيام الأخيرة أرجلهم مغموسة في الزيت أي تحركاتهم وخطواتهم سهلة، وممسوحة، لأن أرجلهم مغموسة في زيت طري.. حاملو نهضات الأيام الأخيرة يتحركون بسلاسة في مساحات واسعة وبتمييز حقيقي للحضور الإلهي الذي يسبقهم إلى هذه الأماكن.. الدهن يسيل من أقدامنا ليغطي الأماكن والأشخاص الذين نتحرك تجاههم! الأبواب تُفتَح سريعًا بسبب قوة الروح والمسحة! صوت الرب لحاملي نهضات الأيام الأخيرة يقول: "قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي!"
الزيت أيضًا يتحدث في الكتاب المقدس عن الشفاء الإلهي.. "صَبَ عَلِيْهِ زَيْت".. أرجلنا مغمُوسة في الزيت.. أي مشفيين من كل جراحات.. يهوه رفا رب الشفاء هو رب النهضات وهو رب حاملي النهضات.. يُفَعِّل في حياة حاملي النهضات نوبات صيانة إلهية دورية، لأجل تجديد الخلايا، وشفاء الروح والنفس والجسد.. حاملو النهضات مشفيون ولا يتعاملون مع الآخرين بانطباعات سابقة.. الزيت يفيض ويغطي الماضي.. كما كان الرب يسوع يضع يده على الأبرص، فلا يتنجس هو، بل يُشفَى الأبرص؛ هكذا، مَن يقترب لحاملي النهضات بإساءات، لا يستطيع أن يضايقهم، إذ أنهم أموات عن المشاعر الطبيعية! لا يتضيق حاملو النهضات في أنفسهم، لكن المسيئين يتم شفاؤهم!! زيت المسحة وفرح الروح يأكل كل إساءات ويحولها لأدوات لشفاء المسيئين! ويشرق نور النهضة الحقيقية! استعلان يسوع القائم من الأموات الذي لم يقدر الموت أن يُمسِكه!! لن يقوَى الشرير على أن يُمسِك مَن تَصَور في حياتهم المسيح المُقام!!

رابعًا: حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ..

حديد ونحاس مزاليجك: تأتي بمعنيين:
۱ - "حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ نِعَالَك" (sandals): أي أن الأقدام المُغطاة بدهن المسحة، يعمل دهن المسحة مثل نِعَال من الحديد والنحاس لها. أقدام حاملي نهضات الأيام الأخيرة هي أقدام قوية، عندما تدوس أراضي، تربح هذه الأراضي للملك، لأن ملكوت الله قادم وبقوة، محمُول عربونيًا على أكتاف حاملي النهضة ويُستعلن في أراضيهم، ويُثبَّت حرفيًا على كل بقاع الأرض في ملك المسيح الألفي، ويليه ملكُه الأبدي، ولمُلكِه لا نهاية! رسل الخروف أقدامُهم قوية! كما أقدام الأسد الثقيلة الخطوة والواثقة، التي لا ترجع من قدام أحد، هكذا؛ أقدام رسل الخروف/الأسد الخارج من سبط يهوذا.
۲ – المعنى الثاني " حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَاليِج أبْوَابِك": أي لا يقوى العدو على اقتحام أراضي أشير! لا يقوى على اقتحام نهضات رجال النهضة في الأيام الأخيرة.. لا يقوى ولا يتجرأ العدو على دخول الأرض ولا المجال الخاص بحاملي النهضات.. واحدة من تكليفات رجال النهضات الأخيرة هي صنع مجالات زمكانية (أي في الزمان والمكان) نقية وحرة من نشاط أرواح الشر، تدخلها النفوس فتتحرر وتُشفى وتختبر حضور الرب المحيي كما لم تختبره من قبل! وفرة الملكوت مُتاحة لتحقيق رؤى رجال ونساء نهضات الأيام الأخيرة فيما يخص تكريس هذه المساحات الزمكانية كأحد أنماط استعلانات النعمة الغنية في الأزمنة الأخيرة لاجتذاب النفوس إلى الرب.

خامسًا: وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ..

حاملو نهضات الأيام الأخيرة يخدمون الرب من الراحة! الراحة أولاً هي معجزة داخلية يُتِمها الروح بداخلنا.. نرتاح فترتاح الأرض! حاملو نهضات الأيام الأخيرة هم راؤوا السبت!! راؤوا الملك الألفي.. وحاملو أجواءه! لذا، يخدمون من الراحة، وتُجتَذَب النفوس للراحة التي يعطيها الرب يسوع وحده.. الراحة مُرتبطة بالترتيب الروحي! مع امتلاء النهضات المحمَولة على أكتاف حاملي نهضات الأيام الأخيرة بإظهارات الروح بشكل غير مسبُوق، إلا أن ترتيب هذه النهضات سيكون آية للجميع! لأن ضابط الكل – البانطوكراتور – يكون مُستعلَن ومُهيمِن في هذه النهضات! الراحة مُرتبطة بالترتيب الروحي، والترتيب الروحي مُرتبط بالتلمذة والخضوع! حاملو نهضات الأيام الأخيرة يأخذون وصية الرب بتلمذة الأمم بجدية كافية، ويحملون النير، فيجدوا راحةً لنفوسهم!
دكتور ثروت ماهر
خدمة السماء على الأرض – مصر
إبريل ۲۰۲۰
لقراءة باقي المقالات التي نُشرت من سلسلة مقالات
"جيل يُخلَق للرب"
اتبع الرابط الآتي:


الخميس، 23 أبريل 2020

سلسلة مقالات مصالحة علم اللاهوت والروحانية - دكتور ثروت ماهر - المقال الثالث - الجزء الثاني - إبريل 2020


الجزء الثاني من مقال علم اللاهوت وأبحدية العبادة في الكنيسة - من سلسلة مصالحة علم اللاهوت والروحانية
بقلم الدكتور ثروت ماهر - دكتوراة في فلسفة اللاهوت والتاريخ من جامعة ريجينت فيرجينيا


علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة (۲)

الأحباء المُهتَمين بهذه النوعية من المقالات اللاهوتية؛
هذا هو المقال الشهري للدكتور ثروت ماهر في جريدة الطريق والحق. وهو الجزء الثاني من المقال الثالث من سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية"، ويأتي بعنوان: علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة (۲).

لقراءة المقال كامل؛ اتبع الرابط:

كلمات من المقال:
والحقيقة فإن الدراسة المتأنية للعوامل التي شكلَّت لاهوت الأخوين وسلي، تشير بشكل مباشر إلى مركزية تأثير المفردات الآبائية وخاصةً الشرقية في تكوين شخصياتهما اللاهوتية، مما انعكس في صياغة السبيكة الوسلية اللاهوتية التعبدية. فمثلاً؛ جون وسلي التحق بجامعة أوكسفورد في عشرينيات القرن الثامن عشر في وقت اندلعت فيه نهضة لترجمة الكتابات الآبائية في هذه الجامعة العريقة، مما كان له أشد الأثر في تكوين شخصية وسلي اللاهوتية. ومن الجدير بالذكر أيضًا، أن أول مجموعة تلمذة شكلَّها الأخوان وسلي كان أحد أهدافها دراسة كتابات الآباء في اليونانية، واتباع المناهج الآبائية في التلمذة والاجتهاد الروحي، بما في ذلك الدمج بين العبادة والتفكُر اللاهوتي كمنهج آبائي أصيل. وقد أعطى جون وسلي اهتمامًا كبيرًا لآباء الشرق عندما جمعَ ونشرَ ما أُطلِق عليه "المكتبة المسيحية" (وهي مجموعة من خمسين مرجع ضخم، قام وسلي بتجميعها كمختارات من الأدب المسيحي من مختلف الحقب بقصد توفير مصادر مُوحدَّة لإعداد الخدام الوسليين). كما تؤكد كثير من الدراسات المعاصرة، مركزية التعليم اللاهوتي الشرقي في التقليد الوسلي الكلاسيكي كما يظهر من تتبُع الاقتباسات المباشرة من الآباء، أو من خلال تحليل التراكيب اللاهوتية التي ميزت الكتابات الوسلية. ومن هنا يُمكن النظر إلى التقليد الوسلي لاهوتيًا وتاريخيًا على أنه حلقة الوصل بين الشرق والغرب. ويُمكن قراءة الأخوين وسلي على أنهما امتدادّا لأولئك اللاهوتيين الذين اعتمدوا على الأغاني التعبدية والترانيم؛ للتعبير عن الصياغات اللاهوتية مثل: غريغوريوس اللاهوتي، وسمعان اللاهوتي، وإفرايم السرياني.
---------------------------------------------------------
 سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية" هي سلسلة يكتب حلقاتها دكتور ثروت ماهر في جريدة الطريق شهريًا. الجريدة تصدر (الإصدار الورقي) في الأسبوع الأول من كل شهر، ويُمكن شراءها من المكتبات المسيحية المختلفة وتُبَاع أيضًا في الكثير من الكنائس. كما يصدر أيضًا إصدار إلكتروني من الجريدة في الأسبوع الثاني من كل شهر.

بدأت سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية" بالمقال الأول، والذي جاء في ثلاثة أجزاء (أغسطس، وسبتمبر، وأكتوبر/2019) تحت عنوان "العلاقة بين علم اللاهوت والروحانية"؛ ثم المقال الثاني من هذه السلسلة تحت عنوان "الروح القدس وصناعة شخصية اللاهوتي"، وقد جاء في أربعة أجزاء (نوفمبر وديسمبر 2019 ويناير وفبراير 2020)، وها هو المقال الرابع، ويأتي تحت عنوان: "علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة"، وقد بدأه د. ثروت ماهر بالجزء الأول منه في شهر مارس 2020، وها هو الجزء الثاني المنشور في شهر إبريل 2020.

سلسلة مقالات مصالحة علم اللاهوت والروحانية - دكتور ثروت ماهر - المقال الثالث - الجزء الأول - مارس 2020




الجزء الأول من مقال علم اللاهوت وأبحدية العبادة في الكنيسة - من سلسلة مصالحة علم اللاهوت والروحانية
بقلم الدكتور ثروت ماهر - دكتوراة في فلسفة اللاهوت والتاريخ من جامعة ريجينت فيرجينيا

علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة (۱)

الأحباء المُهتَمين بهذه النوعية من المقالات اللاهوتية؛

هذا هو مقال شهر مارس للدكتور ثروت ماهر في جريدة الطريق والحق. وهو الجزء الأول من المقال الثالث من سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية"، ويأتي بعنوان: علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة (۱)

لقراءة المقال بالكامل؛ اتبع الرابط:
http://www.eltareeq.com/tareeq2010/pg_editorpage_ID_r.aspx?ColID=t&ArID=2008

كلمات من المقال:
يُمْكِننا تعريف علم اللاهوت بإيجاز على أنه "الحديث عن الله"، بينما يُمْكِننا تعريف العبادة على أنها "الحديث مع الله". وبالنسبة للكثير من اللاهوتيين عبر تاريخ الكنيسة، لا يستقيم الحديث "عن" إلا في سياق الحديث "مع"؛ أي أن الكلام عن الله (علم اللاهوت) يأخذ مكانه فقط في سياق خبرة الكلام مع الله (العبادة) وليس بمعزلٍ عنه. وهنا يظهر الكلام مع الله كشرط رئيسي للكلام عن الله، وتظهر العبادة ليس كعامل ثانوي في بناء التراكيب اللاهوتية، لكن كأساسٍ لا غنى عنه، وغيابه يتحدى التركيبة الجوهرية لعلم اللاهوت ككلام عن الله. وتأتي مركزية العبادة في الصياغات اللاهوتية من طبيعة العبادة كسياقٍ مفتوح للمقابلة الإلهية؛ حيث المقابلة الإلهية تتضمن إعلان، والإعلان مقابلة (revelation as encounter)، والصياغات اللاهوتية لابد أن تُؤسَس على حقٍ كتابي مُعلَن عنه لقلب اللاهوتي. وبينما تظهر العبادة هكذا كمُفرد تأسيسي للصياغات اللاهوتية، إلا أنه لا يمكن أن نغُض النظر عن الصياغات والتراكيب اللاهوتية في حد ذاتها كمُفرد تكويني للعبادة. فعلم اللاهوت بتراكيبه من المفترض به أن يوفر للعبادة جزءً أساسيًا من أبجديتها؛ تلك الأبجدية التي تُشكِل قوام الأغاني التعبدية! وبينما يتشكل جزء عظيم من أبجدية العبادة من مفردات علم اللاهوت، يُعاد تقديم هذه المفردات أثناء العبادة نفسها كذبيحةٍ قابلةٍ وخاضعةٍ للإنضاج بنيران الروح القدس وبأنواره! وهكذا تَنضُج التراكيب اللاهوتية ويزداد عمقها وتأثيرها. ولعل هذا المنظور يفسر قول عالم اللاهوت والمؤرخ الكنسي الألماني نياندر، في معرض حديثه عن أثناسيوس الرسولي، إن "القلب هو الذي يصنع اللاهوتي". فالعبادة هي نبض القلب المُحب للمسيح، وتُعَد سياقًا من السياقات الأساسية التي يتم فيها نقش التراكيب اللاهوتية على قلب اللاهوتي الحقيقي.
--------------------------------------------
سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية" هي سلسلة يكتب حلقاتها دكتور ثروت ماهر في جريدة الطريق شهريًا. الجريدة تصدر (الإصدار الورقي) في الأسبوع الأول من كل شهر، ويُمكن شراءها من المكتبات المسيحية المختلفة وتُبَاع أيضًا في الكثير من الكنائس. كما يصدر أيضًا إصدار إلكتروني من الجريدة في الأسبوع الثاني من كل شهر.
بدأت سلسلة "مصالحة علم اللاهوت والروحانية" بالمقال الأول، والذي جاء في ثلاثة أجزاء (أغسطس، وسبتمبر، وأكتوبر/2019) تحت عنوان "العلاقة بين علم اللاهوت والروحانية"؛ ثم المقال الثاني من هذه السلسلة تحت عنوان "الروح القدس وصناعة شخصية اللاهوتي"، وقد جاء في أربعة أجزاء (نوفمبر وديسمبر 2019 ويناير وفبراير 2020)، وها هو المقال الثالث، والذي بدأه د. ثروت ماهر في مارس 2020 تحت عنوان: "علم اللاهوت وأبجدية العبادة في الكنيسة".

الأحد، 19 أبريل 2020

عبورنا في المسيح وإتمام دعوة الله العليا!




عبُورَنا في الْمَسِيح وإِتمَامْ دَعْوَةِ الله الْعُلْيَا



مقال لاهوتي – بقلم دكتور ثروت ماهر
دكتوراة في اللاهوت (PhD) - جامعة ريجينت، فرجينيا

بفطنةٍ روحية، تُطلِق الكنيسة على الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة "أسبوع البصخة المقدسة." ويخبرنا دارسي اللغات القديمة أن كلمة "البصخة" معناها "العبور" أو "الاجتياز"، وهي كلمة يونانية تعتبر مساوية للكلمة العبرية التي تترجم "فصح." فالبصخة تعني عبور، واجتياز، وفصح، وهي مُرتبطة في أصلها بخروج شعب الله من أرض مصر، والتعييد لعيد الفصح، ورش الدم على الأعتاب، الذي ارتبط جوهريًا بأكل خروف الفصح، رأسه وجوفه وأكارعه. وتُطلِق الكنيسة على هذا الأسبوع الذي يبدأ بعد الاحتفال بأحد السعف – حيث دخول الرب الانتصاري إلى أورشليم – وينتهي بالجمعة العظيمة، أسبوع "البصخة" – أو بمعنًا آخر، أسبوع العبور والاجتياز – ففي هذا الأسبوع صنع الرب يسوع عبورًا لنا. والحقيقة التي أريد أن أبرزها في هذا المقال، أنّ الرب لم يصنع فقط في هذا الأسبوع "عبورًا لنا،" لكنه صنع أيضًا "عبورًا بنا،" اجتاز "بنا" كل ما اجتازه لأجلنا. الكلمة المُتجسد – الإله المتأنس – هو مَن حزن حتى الموت في بستان جثسيماني، والكلمة المتجسد هو مَن صُلب على صليب الجلجثة، والكلمة المتجسد هو هو مَن قام ساحقًا الموت وأوجاعه في القيامة. صنع كل هذا لأجلنا و"بنا،" ليضمن لنا تدفق الحياة فينا وليسترد لإنسانيتنا إمكانية استقبال قوة العبور والتجلي فوق الطبيعي. فيه عبرنا، إذ عبرت إنسانيتنا من الموت إلى الحياة، من الضعف إلى القوة. فيه أبُطلت قوة الفساد، لكي تملك حياته فينا. اجتاز الرب، الكلمة المتجسد، بكامل طبيعتنا الإنسانية، الصلب والموت والدفن– " عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ" (رو٦: ٦) – وقام من بين الأموات غالبًا، وصعد إلى السماوات بإنسانيتنا المُجدَّدَة وجلس وأجلسنا معه في السماويات- "وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف ٢: ٦). فعبور الرب واجتيازه بنصرةٍ كل ما اجتازه لم يكن فقط لأجلنا، لكنه كان أيضًا "بنا،" إذ كنا فيه، أو كما يقول البابا كيرلس عمود الدين، من القرن الرابع، "لأنه قام من بين الأموات حاملاً الجميع في نفسه." وهذا المعنى هام جدًا لما أريد أن أشارك به في هذا المقال.

ففي هذا الأسبوع، أسبوع الآلام، وما يعقبه من فترة زمنية تمتد من موت الرب ودفنه، وحتى قيامته المجيدة فجر الأحد، صنع الرب "لنا" و"بنا" "اجتيازًا" و"عبورًا" من شأنه أن يقلب، رأسًا على عقب، حياة كل من يقبله إيمانيًا ويتذوقه اختباريًا. فاجتياز الرب لأحداث جثسيماني والمحاكمة والصلب والدفن ونصرته وقيامته، لم يكن فقط اجتيازًا بدليًا (أي بدلاً عنا)، لكنه كان إجتيازًا وعبورًا كيانيًا "بنا،" بإنسانيتنا نحو النصرة والقيامة التي لنا فيه – في يسوع.

ابن الله المُتجسد، يسوع المسيح، الله الظاهر في الجسد، أخذ إنسانيتنا وعبر بها في اتحادٍ كاملٍ بلاهوته، الذي لم يفارق ناسوته، من الموت والفساد، نحو الحياة والنصرة والقيامة وعدم الفساد – لذا يؤكد الكتاب المقدس أنّ "مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ... أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ" (٢تي١: ١٠). إدراكنا أنّ الرب عبر "بنا" وليس فقط "عبر لأجلنا،" وانفتاحنا وتعاوننا مع النعمة العاملة فينا بالروح القدس لتطعيم وتسكين قوة عبور الرب فينا، يمكن أن يُغير كيانيًا جوهر وشكل اختبارنا الإيماني اليومي، فتتشكل أعماقنا وحياتنا وأيامنا بقوة حياة مُتجددة تكفي لعبورنا مختلف اختبارات الحياة وامتحاناتها وأوديتها بمجد ونور ولمعان ونصرة كاملة، بحياة المسيح القائم لأجلنا وبنا، لأجل تحقيق دعوة الله العليا في حياتنا وإتمام القصد والمشيئة الإلهية الكاملة.

اجتياز الرب يسوع لأجلنا وبنا آلام هذا الأسبوع، وصلبه وقيامته ونصرته المجيدة التي حملت انفجار للحياة ابتلع الموت إلى نهاية، أضاف لإنسانيتنا – وجوديًا – إمكانيات لم تكن موجودة من قبل في الإنسانية غير المُجدَدة، والتي إذا انفتحنا عليها (على هذه الإمكانيات) في اختبار ذاتي تحقُقي بالروح القدس، لتغير شكل وجوهر حياتنا اليومية بالتمام. بكلمات أخرى، العبور الذي أتمّه الرب "بنا" يُشكِل تغييرًا وجوديًا في إنسانيتنا وطبيعتنا، ومن شأنه أن يُشكِل، عند قبوله إيمانيًا واستقباله اختباريًا، بناءًا كيانيًا فينا يُمكِّن المؤمنين من عبور مشقات وأودية الحياة بمجد ونور ونصرة يقينية. وعندئذ تتحول أودية الحياة إلى أودية مضيئة بفعل الكيانات النورانية العابرة فيها، والمُتجلِي في خلايا طبيعتها الجديدة كيانيًا قوة عبور وقيامة الرب. ويمكننا القول أنّه إذا كان تجسد الكلمة قد شكَّل الأساس الوجودي الساكن (الاستاتيكي) لخلاصنا، وإذا كان موت المسيح على الصليب وقيامته قد شكَّلا الأساس القانوني لهذا الخلاص، فإن اجتياز المسيح وعبوره للآلام بنصرة يُشكِل الأساس الوجودي المتحرك (الديناميكي) لاستعلان هذا الخلاص في حياتنا اليومية، والروح القدس هو المسؤول عن ترجمة هذه الأسس الخلاصية (الوجودية بنوعيها، والقانونية) لاختبار ذاتي يظهر في حياتنا عندما نتعاون معه – مع الروح القدس – في ثنائية النعمة والاجتهاد لأجل استعلان عبور الرب القائم من الأموات في عبورٍ شخصي يختبره كلٌ منا في حياته الشخصية.

فعبور المسيح "بنا" صار عربون عبورنا الذي يستعلن "فينا" بالروح القدس من خلال اتحادنا بالمسيح القائم. واتحادنا بالمسيح لا يتم إلا بتخلِينا عن الطبيعي وإلتصاقنا بالمسيح في كل تفاصيل صغيرة وكبيرة في حياتنا. عبور المسيح لنا وبنا هو ضمان انسكاب مسحة (قوة) العبور والاجتياز في حياتنا، هو ضمان تشكيلنا جوهريًا لنتحول لتلك الكيانات العابرة، التي يمكنها العبور لامتلاك مواعيد الله في هذه الحياة، لأجل إتمام القصد والدعوة العليا في حياة كلٍ منا. ولأجل الإيضاح، أود أن أُذكِّر القاريء بنماذج كتابية من الكنيسة الأولى؛ بطرس وبولس ويوحنا مرقس، وغيرهم ممن تتجلى في حياتهم قوة العبور. بطرس الذي أنكر ولعن وحلف أنه لا يعرف يسوع (مت٢٦: ٧٤)، صار بطرس الذي "كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ" (أع٥: ١٥) فيُشفى!! بولس الذي كان "قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا" (١تي١: ١٣)، صار بولس الذي يصنع الله على يده "قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ، حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ" (أع١٩: ١١، ١٢). هؤلاء وغيرهم اختبروا كيانيًا استعلان قوة قيامة وعبور الرب، اتحدوا بالرب القائم من الأموات، الذي عبر لأجلنا وبنا، فعبروا أودية حياتهم واجتازوا الجبال والإعاقات بقوة القيامة ومسحة العبور المُنسكبة فيهم، فأتموا مشيئة الرب الكاملة المرضية ودعوته العليا في حياتهم، وفاضت منهم قوة قيامة الرب وتجلت مسحة العبور لتُمكِّن آخرين من تذوق أبعاد الحياة فوق الطبيعية.

لذا عزيزي القاريء، فإن الاختبار الذاتي والتذوق الكياني التقدُمي لقوة ومسحة العبور هذه ليس مجرد موضوعًا للتأمل، لكنه احتياج مُلِح لمواجهة كل جبال وأودية في الحياة الروحية تحتاج إلى عبور واجتياز. وهو احتياج مُلِح لإتمام قصد الرب ودعوته العليا في حياتنا خاصةً في هذه الأيام الأخيرة التي تمتليء بالأزمنة الصعبة. فأحد الأسباب الكامنة وراء توقف الكثير من المؤمنين عند مستوى معين من الحياة الروحية، وعدم قدرتهم على العبور إلى مستويات أعلى أو أعمق، هو عدم استقبالهم كيانيًا أو عدم اختبارهم ذاتيًا لقوة ومسحة عبور المسيح بنا، فصحنا المسيح (عبورنا) الذي ذُبِح لأجلنا، وهو الذي يود بلهفة حقيقية أن يتحد بنا بحياته وقيامته، فينقلنا من الحياة الطبيعية (الطبيعي لا يفهم ما لروح الله) إلى الحياة فوق الطبيعية التي تذهب من مجد إلى مجد وتخترق وتعبر الحدود لتحقيق مشيئات الرب الكاملة المرضية.
لهذا، عزيزي القاريء، في الجزء الباقي من هذا المقال، أود أن أتكلم أكثر عن ماهية ومَقْصِد هذه الحياة العابرة، موضحًا بعض مفردات هذه الحياة المُثَبَّتَة في قوة عبور المسيح، والتي تختبر مسحة العبور والاجتياز، عبور الأودية والامتحانات الحياتية، بنصرة ومجد وقداسة وقوة لتحقيق مشيئة الرب الكاملة المرضية.

ما وراء الحجاب – إنفجار الحياة


"وَتَصْنَعُ حِجَابًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ. وَتَجْعَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ مُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. وَتَجْعَلُ الْحِجَابَ تَحْتَ الأَشِظَّةِ. وَتُدْخِلُ إِلَى هُنَاكَ دَاخِلَ الْحِجَابِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ، فَيَفْصِلُ لَكُمُ الْحِجَابُ بَيْنَ الْقُدْسِ وَقُدْسِ الأَقْدَاسِ." (خر٢٦: ٣١- ٣٣). الحجاب في خيمة الإجتماع هو الفاصل ما بين القدس وقدس الأقداس، الذي يُعلن أن ما وراء القدس منطقة غير مسموح لأي شخص أن يعبر إليها أو يدخلها (فيما عدا رئيس الكهنة في الأوقات المعينة له). وكان الحجاب مرسومًا عليه كاروبيم، إذ كان مساويًا في التقليد لمنع آدم من دخول الجنة وحَجْبْ شجرة الحياة عنه بواسطة الكاروبيم. واستمر الحجاب موجودًا في كل هياكل أورشليم فيما بعد، بدءًا من هيكل سليمان وانتهاءًا بهيكل هيرودس في زمن الرب يسوع. وحجاب هيكل هيرودس هو ذلك الحجاب الذي انشق عندما أسلم الرب الروح.. "فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ.." (مر١٥: ٣٧، ٣٨). فعلى الرغم من خلو قدس الأقداس من مفرادته الطبيعية (تابوت العهد وكل ما يحمله) في هيكل هيرودس هذا، إلا أنّ وجود الحجاب في حد ذاته كان لتذكير الشعب بأنَّ هذا المكان – ما وراء الحجاب – قدس الأقداس – وما يمثله من نموذج حقيقي في السماويات، كان مغلقًا أمام الشعب.

هذا وينقل لنا سفر العدد، والإصحاح السابع عشر، حادثة واقعية تحمل لنا صورة تعبيرية قوية عما وراء الحجاب. ففي هذا الوقت، تذمر الشعب على كهنوت هارون وقيادة موسى، وأراد الرب أن يُثبِت للشعب تأييده لهارون وموسى. فطلب من موسى أن يأتي باثنتي عشرة عصا (مجرد عُصِي لا حياة فيها)، عصا لكل سبط، ويضعها في قدس الأقداس أمام تابوت العهد. والكتاب يخبرنا بأمرٍ مثير جدًا حدث لعصا هارون، إذ يقول: "فَوَضَعَ مُوسَى الْعِصِيَّ أَمَامَ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْغَدِ دَخَلَ مُوسَى إِلَى خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا عَصَا هَارُونَ لِبَيْتِ لاَوِي قَدْ أَفْرَخَتْ. أَخْرَجَتْ فُرُوخًا وَأَزْهَرَتْ زَهْرًا وَأَنْضَجَتْ لَوْزًا" (عد١٧: ٧، ٨). من الواضح أنّ مفردات هذه الحادثة الشيقة، تشير ضمنًا، إلى أنّ ما وراء الحجاب (وهنا أود التركيز على ما وراء الحجاب الحقيقي في السماويات) هو مجال حياة. فالعصا التي لا حياة فيها، دبّت فيها الحياة فيما وراء الحجاب! بل وأخرجت براعم وزهور وثمر – فيما يُمكِن أن يُنظَر إليه على أنه نمو وتغيُر لا يُمكن أن يحدث لنبات طبيعي مُثّبت في تربة خصبة إلا عبر شهور فصل الربيع كله! أي أن النمو والتغيُر الحادث، فيما وراء الحجاب، في عصا في الأصل ميتة، خلال ليلة واحدة، يساوي وقد يفوق التغيُر الحادث في نبات طبيعي ينمو في تربة خصبة لعدة أشهر! فيما وراء الحجاب يوجد انفجار للحياة.. فيما وراء الحجاب، حيث الحياة، هو المكان الطبيعي االذي صُمَّم الإنسان ليحيا فيه، لكنه فقده بالسقوط، وصار في احتياج مُلِح لطريق جديد يحمله ويدخل به إلى ما وراء الحجاب، حيث الحياة.. المسيح صار لنا هذا الطريق. صار "هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ" (عب٦: ١٩)، حيث الحياة. والعجيب أن المسيح صنع لنا هذا الطريق بأحد مفردات إنسانيتنا التي مُجِدت فيه، ألا وهي جسده. "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ." (عب١٠: ١٩، ٢٠). صار جسده، الذي يحملنا فيه لأننا "من لحمه ومن عظامه" (أف٥: ٣٠)، هو الطريق الحديث الحي الذي نختبيء فيه – لذا دُعِيّ "حجاب" – فنوجد في قدس الأقداس السماوي حيث إنفجار الحياة وتثبيت البعد فوق الطبيعي في الحياة المسيحية. فجسد الرب صار لنا حجابًا للوصل، غلبنا به حجاب الفصل العتيق، لذا شُقّ هذا الحجاب القديم عندما أكمل الرب العمل على الصليب! فحجابنا الجديد الذي يدخل بنا لنعاين ونختبر ونتذوق المجد – جسد الرب – قد استُعلِن، وتثبت لنا كحقٍ أصيل يضمن لنا تجلي إنسانيتنا وعبورها الجديد نحو الحياة الفائقة.

الاختبار التَحَقُقِي الذاتي لاستعلان قوة عبور المسيح فينا


مما لا شك فيه أنّ "الإيمان" بالحقائق السابق ذكرها، يُشكل ركيزة أساسية لتَحقُق عبور المسيح فينا، وأساس لا غنى عنه لاختبار هذا العبور بشكل ذاتي، مما يضمن تحقيق دعوة الرب العليا في حياة كلٍ منا. ولكن، ما أود أن ألفت إليه النظر، هو أنّ "الإيمان" هنا لابد أن يُفهَم كإطار متحرك حياتيًا (بشكل ديناميكي) نحو تحقيق الهدف. فالعبور لا يتحقق ذاتيًا، فقط، بترديد أساسيات الإيمان واللهج بها (الذي هو جيد في حد ذاته). لكن"العبور" في جوهره هو حركة ديناميكية تقدمية، مُشبَّعة بهذا الإيمان، تستند على عبور المسيح بنا كنقطة إنطلاق كيانية (أساس وجودي) للعبور الذاتي الشخصي الذي لابد أن يُتَمم بالاتحاد بالمسيح الذي عبر بإنسانيتنا -بنا- في جسده نحو الحياة والخلود. بكلمات أخرى، على الرغم من أنّ عبور المسيح لأجلنا يحمل بداخله بعدًا بدليًا مؤكدًا (أي اجتيازه لأمور بدلاً عنا، كي لا نجتاز نحن فيها)، إلا أنّ أيضًا عبور المسيح "بنا" – وهذا ما أود التركيز عليه هنا – يحمل لنا، كما سبق وأشرت في الجزء الأول من هذا المقال، قوة كامنة لعبورنا الشخصي، لابد أن تُفعَّل في حياتنا من خلال اختبارات واقعية ذاتية نجتاز فيها، وتُستعلَن فينا من خلالها قوة عبوره التي انسكبت فينا، بإيماننا به، واتحادنا معه (هو الحياة) فيما وراء الحجاب. فعبور الرب "بنا،" الذي أتمّه الرب منذ أكثر من ألفي عام، يُشكِل قوة مُذخرة لنا في الروح، ما أن ندركها وننفتح لاستقبالها في أعماقنا، حتى نجد أنفسنا وقد تغيرنا تغييرًا جوهريًا (كالدودة التي تصير فراشة)، من أناسٍ طبيعيين إلى أناسٍ مقدسين، النور الذي يشع منهم يُشكِل طاقة في الروح تمكنهم من اجتياز التحديات، وتجعلهم قادرين على العبور بنصرة حتى أصعب مواقف الحياة لأجل إتمام مشيئات الرب وقصده في الحياة. عدم فهم "عبورنا" بهذا المنظور الذاتي التحقُقِي، أدى بالبعض إلى تلخيص الأمر في بعد قانوني، يركز فقط على ما صنعه المسيح لأجلنا، "كبديل" لما ينبغي ان نجتازه نحن. وهذا السجال يظهر جليًا في بعض حقب تاريخ الكنيسة، ومن أبرزها حقب النهضات التي تخللت تاريخ تقاليد القداسة في الغرب بدءًا من القرن الثامن عشر. فعلى سبيل المثال، بينما فهم جون وسلي ميراث الخلاص بشِقيْه؛ الشِقْ القانوني الموضوعي، والشِقْ الذاتي التحقُقي - سواء تدريجيًا تقدميًا أو فوريًا معجزيًا، فإنّ كثير من أتباعه بعده فضلوا التركيز على الجانب القانوني، الذي يتحقق ذاتيًا من خلال المعجزة الفورية استنادًا إلى البدلية الكفارية، ولم يعطوا إنتباهًا كافيًا لإجتياز المسيح "بنا،" الذي يوفر أساسًا وجوديًا لاختبار التجلي التدريجي والنصرة التقدمية في الاختبار الشخصي. وأود أن أكرر مرة أخرى، أنه على الرغم من أنّ البعد البدلي موجود في عبور المسيح لأجلنا، إلا أنّ هذا البعد لا يُشكِل كل أبعاد عبورنا.

ولإيضاح هذه الحقيقة، سأركز على معركة الرب في بستان جثسيماني، كمثال، وسأتعامل تفسيريًا مع هذه الحادثة على أنها شكّلت تحديًا كان على الرب أن يجتازه – وقد اجتازه بنصرة – لأجل إتمام دعوته بالوصول إلى الصليب والموت والقيامة والصعود. إجتاز الرب في جثسيماني معركة ضارية مع الحزن والمعاناة. قال الرب لتلاميذه واصفًا ما كان يجتازه في تلك الليلة: "نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ" (مر١٤: ٣٤). ويسجل لنا البشير لوقا، واصفًا معركة جثسيماني، أنّ الرب "إِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ." (لو٢٢: ٤٤). والكلمة المُترجمة هنا "جهاد" تأتي في الأصل اليوناني (γωνί)، وتُترجم في الإنجليزية (agony) ومعناها "معاناة شديدة." ويخبرنا دارسي اللغة أن هذه الكلمة، في تركيبتها اليونانية هذه، لم تستخدم في الكتاب المقدس إلا في هذا الموضع فقط، إذ استخدمها لوقا "الطبيب" – بالروح القدس – لوصف معاناة الرب التي عبرت كل حدود طبيعية في بستان جثسيماني، حتى اختلط دمه بعرقه النازل على الأرض. الرب في بستان جثسيماني كان عابرًا بنا في إنسانيته عبورًا نحو تتميم الغرض والقصد. فشل آدم الأول في إتمام قصد خَلقِه عندما هُزِم في الجنة (في بستان)، وجاء آدم الأخير، الرب يسوع، حاملاً إيانا في إنسانيته، ليجتاز آلام جثسيماني -بستانًا آخر- بنصرة، ويُصر على الذهاب إلى الصليب لإتمام دعوته بالصلب والموت والقيامة والصعود.

والآن، أريد أن أوضح فارقًا دقيقًا جدًا بين ما اجتازه الرب في جثسيماني كبديلٍ عنا (أي لكي لا نحمله أو نتحمله نحن فيما بعد)، وما اجتازه الرب في جثسيماني كسابق لأجلنا، لكي يُعِد إنسانيتنا لاستقباله واختباره ذاتيًا في حياتنا. اجتاز الرب المعاناة التي لا توصف، ال (agony أو γωνί)، انسحاق النفسية الذي يصل لدرجة أن عرقه يصير كقطرات دم نازلة على الأرض، كبديل عنا، لكي لا تنسحق نفسياتنا نحن في الأوقات الصعبة والامتحانات الروحية، اجتاز هذه الآلام لأجلنا، لكي لا تأتي علينا وتسحقنا. بينما اتحد في جثسيماني بمشيئة الآب واستقبل معونة الملائكة، وقوة الروح، بإنسانيته كالكلمة المُتجسد، فتمَكَّن من عبور آلام جثسيماني، لكي يفتح لنا طريقًا في الروح لاستقبال نفس نوعية النصرة في اختباراتنا الحياتية، ولكي يُمَكِّن إنسانيتنا من استقبال ما صنعه لنا في جسده من نصرة وعبور. فالمسيح عبر بإنسانيتنا، ليتيح لي ولك استقبال قوة العبور، في كل عبور شخصي لأودية حياتنا، بدون الانسحاق النفسي. ولكن هذا في حد ذاته يشير إلى أنّ اختبارات الأودية، أو امتحانات الإيمان، هي جزء من النمو الروحي في حياة المؤمن. نعم المعجزات الفورية هي أحد أدوات الرب ليُمَكنُنا من اجتياز الأودية، لكن أيضًا "تفعيل قوة العبور في كياناتنا" هي أداة أخرى استخدامها حَتمِي لتنقلنا إلى إدراك ذاتي لقوة ومجد المسيح القائم فينا! فأن تنفتح أبواب السجن بقوة معجزية أمام بولس وسيلا هي معجزة عظيمة، جميعنا يتشوق لها. لكن أيضًا أن يكتب بولس من السجن "افْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوَا" (في٤: ٤)، وأن يعبُر بولس كل إضطهادات وإعاقات وصعوبات في خدمته ممتلئًا بالروح وغير خائرًا، ليُتم سعيه والخدمة التي تسلمها من الرب، هو إعلان عن قوة العبور الإلهية العاملة في بولس، والتي مَكّنَّتْهُ من اختبار حرية مجد أولاد الله حتى في أصعب الظروف.

فهم واستيعاب أن أحد مفردات مشيئة الله هي أن يُشكِل فينا كيانات عابرة بمجد وفرح ونصرة ونور، وأنّ المسيح يريد أن ما صنعه "لنا" يتصور "فينا"، يُمكِن أن يُفسِر لنا مَغزى أن يقضي الإنسان سنوات من عمره يواجه تحديات أكبر من إمكانياته ويتعامل مع ظروف حياة تحتاج لمعجزة دائمة، وهو في نفس الوقت مُوقِن أنه في ملء مشيئة الله!! الذهن الطبيعي يرى في هذه التحديات سببًا كافيًا للفشل، وينظر للظروف الصعبة على كونها فقط تُشكِل تحديًا لما صنعه المسيح لأجلنا وحاجزًا أمام التحقُق القانوني لميراث الفداء.. بينما الذهن المُجدَد يُمكنه أن يرى في أوقات التحديات فرص عظيمة لاستقبال نعمة الرب وقوة العبور المُذخرة لنا فيه كيانيًا لأجل الاجتياز بنصرة. فالتشكيل الكامل في حياة مَن يحيون في ملء المشيئة الإلهية، بالتأكيد لا يريده الرب أن يحدث من خلال خبرات فشل، إنما يريده الرب أن يحدث من خلال استقبالات متتالية مستمرة للنعمة ولقوة العبور الذي أتمَّه الرب بنا في آلامه وموته وقيامته. هذه الاستقبالات المتوالية لقوة العبور تحدث في أوقات عبادة وصلاة يتحقق فيها اتحادًا ذاتيًا مع الرب وتثبيتًا كيانيًا لنا في المسيح الكرمة، حيث تنساب عصارة الكرمة، عمل الروح الذي يشمل قوة العبور المُذخرة لنا في الروح، فنستقبل ونتيقن إختباريًا من القوة المُنسكبة فينا، والتي  تُمكِّنُنَا أن نخرج للتعامُل مع التحديات وتخطيها بنجاح، والإكمال في المشيئة بفهم ونور وقوة. وعندئذ تتحول التحديات إلى محطات لاستقبال قوة العبور وللنمو في استقبال نعمة ربنا يسوع المسيح، وهو الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَنا غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفنا أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ.

Tharwat Maher, PhD
Heaven Upon Earth Ministry 
Cairo, Egypt

الأحد، 12 أبريل 2020

فصح وعبور... استعداد وإيمان!



فصح وعبور... استعداد وإيمان

بقلم الأخت جاكلين عادل – خدمة السماء على الأرض – مصر

وَهَكَذَا تَأْكُلُونَهُ: أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ، وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ، وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ. هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ. (اَلْخُرُوجُ ١٢: ١١)

نعم هذا وقت للعبور!! نعم عبور من كل ضعف للقوة، وعبور من كل عبودية إلى الحرية، ومن كل طفولة روحية إلى رجولة ونضوج ونمو روحي..

نعم على حساب صليب ودم الرب يسوع المسيح.. عبور إلى أرض الموعد..... هلليلويا! 
عزيزي؛ تأمل معي كلمات هذه الآية: "هكذا تأكلون (الفصح/العبور).. أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعصِّيكم في أيديكم، وتأكلونه بعجلة".

نعم نحتاج لأجل إتمام هذا العبور أن نكون مستعدين، وثابتين، وغير مرتخين، ومتأهبين كالجندي الثابت الغير مرتبك بأمور الحياة " لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ ٱلْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ. (تِيمُوثَاوُسَ ٱلثَّانِيةُ ٢: ٤)

نعم لنستعد! استعداد لأجل الامتلاك وللحصاد الكثير...نعم نستعد لأجل الحصاد والاتساع ولكل امتلاك في الأزمنة القادمة.... هلليلويا! 
ولأجل إتمام العبور أيضا؛ نحتاج إلى الإيمان.. مكتوب: "بِٱلْإِيمَانِ صَنَعَ ٱلْفِصْحَ وَرَشَّ ٱلدَّمَ لِئَلَّا يَمَسَّهُمُ ٱلَّذِي أَهْلَكَ ٱلْأَبْكَارَ. بِٱلْإِيمَانِ ٱجْتَازُوا فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْأَحْمَرِ كَمَا فِي ٱلْيَابِسَةِ، ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ ٱلْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا. (عبرانيين ١١: ٢٨، ٢٩)

نعم.. شعب إسرائيل كان عنده إيمان فيما قاله الله لهم أنه سيخرجهم من أرض مصر أرض العبودية بالنسبة لهم في ذلك الوقت إلى أرض الموعد.. أرض ميراثهم.. أرض تفيض لبنًا وعسلاً... بالإيمان خرجوا واجتازوا في البحر الأحمر!!
 في كل بداية جديدة وموسم جديد وكل نقلة جديدة؛ نحتاج إلى رجاء وإيمان جديد..
وَأَمَّا ٱلْإِيمَانُ فَهُوَ ٱلثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَٱلْإِيقَانُ بِأُمُورٍ لَا تُرَى. (الْعِبْرَانِيِّينَ ١١: ١)

بِٱلْإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ.
(ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ١١: ٢٢)
مجدًا مجدًا!
جاكلين عادل - خدمة السماء على الأرض - مصر