دروس في
الحرب الروحية... هي سلسلة جديدة من الدروس هدفها فهم استراتيجيات الحرب الروحية
ومفاتيح الانتصار في المعارك الروحية... يعلمنا الكتاب المقدس أننا، كمؤمنين بالرب
يسوع، ليس لنا أي حروب مع أي كائنٍ سوى إبليس وجنوده.
"فَإِنَّ
مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ
السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ
أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.." أف ٦: ۱٢
في هذه السلسلة من الدروس، سنتناول
بالتأمل بعض الأجزاء الكتابية لنستخلص منها الكثير من الأساسيات والحقائق الهامة
عن الحرب الروحية.. أصلي أن الروح القدس يرافق تأملاتنا حول هذه الحقائق الهامة..
وأصلي أن أذهاننا تتجدد بالروح القدس، فنعرف ونتعلم ولا نجهل أفكار العدو!
والآن قارئي العزيز.. وقبل أن نبدأ
في دراستنا، دعنا نعظم معًا الدم الثمين... دم الرب يسوع المسفوك لأجلنا... ونعلنه
غطاء حماية على هذه الدراسة بكل ما تشمله!
يعظم انتصارنا بمن أحبنا!!
----------------------------------------------------------------
الدرس الثاني:
الانتصار على أَدُونِيَ بَازَق
الشاهد
الأساسي: قضاة ۱: ۱- ۷
"وَكَانَ
بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا الرَّبَّ قَائِلِينَ:
«مَنْ مِنَّا يَصْعَدُ إِلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَوَّلاً لِمُحَارَبَتِهِمْ؟»
فَقَالَ الرَّبُّ: «يَهُوذَا يَصْعَدُ. هُوَذَا قَدْ دَفَعْتُ الأَرْضَ
لِيَدِهِ». فَقَالَ يَهُوذَا لِشِمْعُونَ أَخِيهِ: «اِصْعَدْ مَعِي فِي
قُرْعَتِي لِكَيْ نُحَارِبَ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَأَصْعَدَ أَنَا أَيْضًا مَعَكَ
فِي قُرْعَتِكَ». فَذَهَبَ شِمْعُونُ مَعَهُ. فَصَعِدَ يَهُوذَا، وَدَفَعَ
الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمْ
فِي بَازَقَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل. وَوَجَدُوا أَدُونِيَ بَازَقَ فِي
بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ.
فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، فَتَبِعُوهُ وَأَمْسَكُوهُ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ
يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ أَدُونِي بَازَقَ: «سَبْعُونَ مَلِكًا
مَقْطُوعَةٌ أَبَاهِمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ كَانُوا يَلْتَقِطُونَ تَحْتَ
مَائِدَتِي. كَمَا فَعَلْتُ كَذلِكَ جَازَانِيَ اللهُ». وَأَتَوْا بِهِ
إِلَى أُورُشَلِيمَ فَمَاتَ هُنَاكَ".
-
معنى "أدوني بازق": سيد البرق
"أدوني
بازق" هو رمز لإبليس عندما يحارب المؤمن بنوعية خاصة من الحروب، أود أن أطلق
عليها "حروب سلب القدرة على الإنجاز والحركة"!!.. استراتيجية
أدوني بازق في مهاجمة السبعين ملكًا الذين نجح في إيذائهم ، تشبه استراتيجية إبليس
في هذه النوعية من الحروب المُوَجَّهة لسلب قدرة المؤمن على الإنجاز والحركة (قض۱:
۷).
يمكن
تلخيص استراتيجية العدو في هذه النوعية من المعارك في ثلاثة أمور، سأذكرها على
التوالي، ثم أذكر مفاتيح ثلاثة للغلبة في هذه النوعية من الحروب.
استراتيجيات
العدو في حروب "سلب القدرة على الإنجاز والحركة":
استراتيجية
العدو الأولى: عامل المفاجأة: معنى اسم
"أدوني بازق" كما ذكرت قبلاً هو "سيد البرق".. والاسم يحمل
مدلول مهم لما يريد إبليس أن يفعله عادة في هذه المعارك.. إذ يبدأ العدو معارك سلب
القدرة عادة بأمر مفاجيء يباغت به المؤمن، كأن يرسل كلمات مُحبِطة مفاجئة من شخص
غير مُتوقَع، أو يرسل أخبار سلبية من مصدر قد يكون حتى غير مُنتَبِه لما يقوله..
وقد تكون الأمور المُفاجِئة بسيطة جدًا، كنظرة سلبية من شخص، أو حلم سريع سيء قبل
وقت الاستيقاظ من النوم، أو حتى مشاجرة عابرة في الشارع مُحَمَّلة بأجواء التوتر!!..
عن طريق إرسال هذه الأمور المفاجئة والتي قد تكون بسيطة في أغلب الأحيان، يريد
العدو أن يزرع مشاعر سلبية بداخل المؤمن، كأن يزرع شعور داخلي بالاستياء سرعان ما
يتطور ليصبح تذمر!! أو يزرع قلق عابر، أو اتجاه سلبي سريع تجاه شخص آخر.. هذه
الأمور التي يريد العدو أن يزرعها داخل المؤمن من خلال المواقف المُفاجِئة،
يريدها العدو أن تكون بمثابة قنوات لسلب السلام والفرح من المؤمن وبالتالي سلب
القوة والقدرة، لأن هذه الحروب كما ذكرت من قبل هي حروب هدفها في الأساس سلب
قوة وقدرة المؤمن على الإنجاز!
استراتيجية
العدو الثانية: سلب القوة والقدرة على الانجاز بشكل مباشر:
قطَّع
أدوني بازق أباهم أيادي الملوك!! إلى ماذا يشير هذا الفعل؟ يشير هذا الفعل إلى
رغبة العدو في سلب قدرة المؤمن على الانجاز بشكل مباشر.. فاليد تشير إلى القدرة
على العمل، وإبهام اليد هو المتحكم في قدرة اليد على أن تُمسك بالأشياء.. لذا فقطع
إبهام اليد يَشلَّها عن القدرة على العمل وخصوصًا العمل اليدوي الذي يحتاج قوة،
وهذا رمز لرغبة العدو في تعطيل الأمور الهامة في حياة المؤمن والتي تحتاج لتركيز
وإنجاز!! يريد العدو في هذه الحرب إيقاف المؤمن عن التقدم فيما ينجزه في حياته
العملية والروحية!!
والآن
سأشرح أمر هام، يربط الاستراتيجية الأولى للعدو بالاستراتيجية الثانية. في الاستراتيجية
الأولى، إذا نجح العدو في زرع المشاعر السلبية بداخل المؤمن، من خلال المواقف
البسيطة التي أشرنا لها، سيكون قد نجح في استنزاف قوة المؤمن تدريجيًا.. وسيبدأ
المؤمن يشعر بأنه مرهق أو بأن روحه مغلقة، أو بأنه "ثقيل" في الروح
بمعنى إنه غير قادر على التواصل مع الروح القدس، ويبدأ يشعر بأنه غير قادر على عمل
أي شيء في هذا الوقت لشعوره بالوهن والضعف .. وهنا يدخل العدو بالاسترتيجية
الثانية، وهي محاولة إقناع المؤمن بأفكار مباشرة في الذهن بأنه غير قادر على
فعل أي شيء يحتاج لإنجاز الآن!! أو بلغة الرمز، إقناع المؤمن أن إبهام يده مقطوع!!
فمثلاً يحاول العدو أن يقنعك بأنك غير قادر على إكمال عملك اليوم!! أو أنك لن
تستطيع أن تذاكر الآن.. أو أنك لن تستطيع أن تذهب إلى الاجتماع وأنت في هذه
الحالة!! وأن كل ما تستطيع عمله الآن هو أن تنام!! ويبدأ العدو يُضخم الأمور... لأن
هدفه الأساسي في هذه الحرب، كما أشرنا، هو تعطيل المؤمن عن ما يفعله، وإيقاف ما
ينجزه عمليًا سواء في حياته العملية أو في علاقته مع الرب!!
استراتيجية
العدو الثالثة: سلب اتزان المؤمن:
ماذا
فعل أدوني بازق أيضًا؟ قطع أباهم أقدام الملوك!! قطع الإبهام يُفقِد الإنسان
القدرة على الاتزان أثناء الوقوف!! في هذه الحروب يريد العدو أن يُفقِد المؤمن
اتزانه، حتي يجعله يترنح كالسكران!! وبهذا يضمن العدو أن المؤمن بالتأكيد لن يجد
القدرة على الانجاز في حياته..
وهكذا،
فإن العدو في حالة نجاحه في الأمرين الأولين، ينتقل مباشرة لهذا الأمر الثالث!! فإذا
نجح، اولاً، في هجومه المفاجئ من خلال مواقف صغيرة أن يسلب المؤمن قوته، وإذا نجح،
ثانيًا، في تعطيل المؤمن وإيقافه المؤقت عن الإنجاز، فإنه لا يكتفي بهذا!! بل
مباشرة يتحرك، التحرك الثالث، ليُفقد المؤمن اتزانه من خلال سلب أكثر للقوة!!
إحباط,, حروب في دائرة القداسة.. تعطيلات أخرى مفاجئة تزيد من حنق المؤمن وميله
إلى الانسحاب!! وهكذا!! وإذا لم ينتبه المؤمن، قد تضيع منه أيام وأيام وهو غير
قادر على الانجاز أو الحركة!! يخبرنا سفر أشعياء أن أحد أهداف نشاط العدو في أرض
مصر هو أن تسود حالة يسميها الكتاب "ترنح السكران"!! وعلى الرغم أنها في
هذا الإصحاح مرتبطة بروح الغي، إلا أننا يمكننا أن ننظر إليها على أنها أحد أهداف
الشيطان التي يريد أن يصنعها في مصر!! لذا فإن علينا كمؤمنين مصريين أن ننتبه
لهذا!! ونكون حذريين جدًا من هذه النوعية من الحروب التي تهدف إلى إفقاد المؤمن اتزانه
من خلال الاسترتيجيات التي تكلمنا عنها...
والآن
إلى مفاتيح النصرة!!
المفاتيح
الروحية للغلبة في حروب "سلب القدرة على الإنجاز والحركة":
المفتاح
الأول للغلبة: الصلوات السهمية: أو كما أحب أن
أدعوها "صلوات وإعلانات فلاش"... الصلوات السهمية أو "صلاة
فلاش" هي صلوات سريعة جدًا، كسرعة "السهم" أو كسرعة "الضوء
الناتج عن فلاش كاميرا التصوير"، يطلقها المؤمن في نفس لحظة هجوم العدو
عليه.. وكما يريد العدو أن يجعل هجومه سريعًا مثل البرق، فهكذا يعطي الروح للمؤمن
صلوات سريعة جدًا مُوَجَّهة ضد سهم العدو، وسرعتها تفوق سرعة هجوم العدو!!.. عندما
يأتي العدو بهجوم مفاجيء ليفتح به قناة سلبية بداخلك، رُد عليه بصلاة سهمية إلى
الرب أو بإعلان نبوي سهمي من كلمة الرب... رَد الفعل السريع المُقاد بالروح القدس
يغلق القناة السلبية التي يريد العدو أن يفتحها.. أيضًا الصلاة بالألسنة في هذه
اللحظات تشوش العدو جدًا وتُدخِل المعركة في مستوى آخر العدو لا يقوى عليه فيهرب!!
الصلوات السهمية هي صلوات معركة.. صلوات ميدان قتال.. يمكنك إطلاقها في الشارع أو
في المنزل أو في الجامعة أو في العمل أو في أي مكان.. ليلاً أو نهارًا أو فجرًا أو
في أي وقت!!
المفتاح
الثاني للغلبة: التسبيح بحماس وبصوت مُرتفع!!
هل
لاحظت عزيزي أن الرب هو مَن اختار سبط يهوذا لهذه الحرب؟ نعم الرب اختار
يهوذا، ويهوذا أخذ معه أخيه "شمعون" والسبطين لهما معنى نبوي
فيما نتأمل فيه الآن، ويقدما لنا المفتاحين الثاني والثالث من مفاتيح النصرة في
حروب "سلب القدرة على الإنجاز والحركة"!!
معظمنا
يعرف أن سبط يهوذا هو سبط معناه النبوي هو التسبيح والحمد للرب، وهذا صحيح وهام
لموضوعنا هذا!! ماذا فعل يهوذا؟ قطَّع أباهم أيدي أدوني بازق. في الواقع، سبطا
يهوذا وشمعون قطعا أباهم أيدي وأرجل أدوني بازق!! ولكننا في سياق كلامنا عن سبط يهوذا
سنتأمل في معنى قطع أباهم الأيدي، ونترك معني قطع أباهم الأقدام لسياق كلامنا عن
شمعون في المفتاح الثالث.
يهوذا..
سبط معناه النبوي يتحدث عن التسبيح.. التسبيح في أوقات "حروب سلب القدرة على
الإنجاز" يقلب المعركة بالكامل على العدو!! يعكس التسبيح خط سير المعركة!! ما
يريد العدو أن يصنعه معك، يجده يُصنَع معه هو!! فالعدو يريد أن يوقفك عن الإنجاز..
التسبيح يوقفه هو عما يريد أن يفعله!! التسبيح يَشِّل قدرة العدو على التقدم في
المعركة.. التسبيح يقطع أصبع العدو!! فلا يقوى على قطع إصبعك!! عندما تُسبح يأتي
القدوس الساكن وسط تسبيحات شعبه، فيفنى العدو!! عندما تُسبح تتحرك ملائكة الرب
المُسَّبَح، فتصنع انتصارات، وتفر الأرواح الشريرة، ويُهزم أدوني بازق!!
المفتاح
الثالث للغلبة: الاستماع للرب!
صديقي،
إذا نجح العدو في استنزافك وهزيمتك في الجولة الأولى والثانية... لا تيأس!! أي إذا
طبق العدو استراتيجيات الحرب الأولى والثانية ونجح فيهما معك بالفعل وعطلك جزئيًا
عن أمر كنت تقوم به.. لا تيأس!! لكن المهم أن تهدأ لتستمع لصوت الرب!!
"شمعون"
السبط الثاني الذي استخدمه الرب للانتصار على أدوني بازق، معناه النبوي
"الاستماع"، وأود أن أربطه بحديثي عن الانتصار على رغبة العدو في أن يُفقدك
الاتزان..
يريد
العدو أن يفقدك الاتزان (قطع أباهم الأقدام).. ولكن، باستماعك لصوت الرب فأنت تُفوِّت
على العدو هذه الفرصة.. لا يوجد شيء يمكن أن يعيد للمؤمن اتزانه قدر سماع المؤمن
لصوت الرب!!.. استطاع شمعون "الاستماع" أن ينتصر على أدوني بازق!!
استماعك للرب، يضعك في المكان الصحيح، فتنهزم روح الغي، والترنح المرتبط بها!!
عزيزي،
إذا أفقدك العدو إنجازك في شيء ما... لا تحاول محاولات بالجسد لاستعادة هذا
الإنجاز.. اذهب للرب.. استشره ماذا تفعل.. في هذه الأوقات نحتاج جميعًا إلى كلمات
تشجيع، والرب وحده هو القادر على تشجيعنا بحق.. تشجيعات الرب في قلوبنا تملأنا
بالحماس.. وتعوضنا عن الطاقة المفقودة.. تشجيعات الرب تملأنا بالروح من جديد!! فتُجدد
قوتنا وقدرتنا على الحركة والعودة للإنجاز.. كما أن كلمات الرب قد تحمل لنا توجيه
للمكان الذي فقدنا فيه القوة، أين سقطت الفأس، وفي بعض الأوقات الأمر يحتاج للتوبة!!
كما أن كلمات الرب قد تحمل لك توجيهًا عمليًا خاص باستعادة واسترجاع ما كنت تفعله
وتوقفت عنه بسبب الحرب!!
عزيزي..
الرب معك، ونلتقي
في الدرس القادم من دروس في الحرب الروحية.. يعظم انتصارنا بمن أحبنا!
----------------------------------------------------------------
الدرس الأول: الانتصار على عماليق
الشاهد
الأساسي: خروج ۱۷: ٨- ۱٦
"وَأَتَى
عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ:
«انْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً وَاخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ. وَغَدًا أَقِفُ أَنَا عَلَى
رَأْسِ التَّلَّةِ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى
لِيُحَارِبَ عَمَالِيقَ. وَأَمَّا مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ فَصَعِدُوا عَلَى رَأْسِ
التَّلَّةِ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُ، وَإِذَا
خَفَضَ يَدَهُ أَنَّ عَمَالِيقَ يَغْلِبُ. فَلَمَّا صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ،
أَخَذَا حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَدَعَمَ هَارُونُ وَحُورُ
يَدَيْهِ، الْوَاحِدُ مِنْ هُنَا وَالآخَرُ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ
إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ"..
- معنى "عماليق": شعب يكسح أو يلحس كل ما أمامه.
- معنى "رفيديم": راحات أو مُتسعات.
معارك الاستنزاف بصفة عامة: في الحقيقة، يمكننا أن نطلق على حربنا مع إبليس بشكل
عام لفظ "معارك الاستنزاف".. وذلك لأن معارك الاستنزاف هي تلك المعارك
التي يخوضها أحد الأطراف بعد تأكده من هزيمته في موقعة ما! وبالطبع إبليس يعلم أنه
قد تمت هزيمته في الصليب، ولكنه يحاول دائمًا أن يستنزف المؤمن في معارك ليحرمه من
التقدم في حياته الروحية والتمتع بالميراث...
أوقات خاصة لمعارك الاستنزاف: ولكن بالرغم من هذه الحقيقة العامة، فإنه يوجد أوقات
خاصة في الحرب الروحية يمكن أن نطلق عليها "معارك الاستنزاف".. وهي تلك
الأوقات التي يشن فيها العدو حروب روحية، بشكل خاص، بعد أن يكون قد تأكد تمامًا من
هزيمته في موقعة ما، ويكون الهدف من حروب العدو في هذه الأوقات ليس البحث عن نصرة،
ولكن استنزاف المؤمن كي لا يتمتع بالنصرة التي تحققت في الموقعة الأساسية! وأيضًا يريد
العدو في هذه المعارك استنزاف المؤمن ليعطله عن الانتصارات الآتية في المعارك
الأخرى!.. المعركة مع عماليق، كانت بالنسبة لشعب الرب "معركة استنزاف"..
فالشعب كان قد انتصر بالفعل، وخرج بالفعل من تحت يد فرعون، وبدأ مسيرته من الرب..
ولكن أتى عماليق!
+ وعماليق كما يظهر من إسمه هو عدو يريد أن يكتسح
ويلحس كل ما أمامه.. يأتي في أوقات الانتصارات ليُفسِد ما أنجزه المؤمن بالروح
القدس. قد تصلي من أجل أمر ما لأوقات طويلة وتحارب لأجل هذا الأمر في الروح، وإذ
تنال انتصارًا من عند الرب، تجد أن الأمور في مناطق أخرى من حياتك لا تسير بشكل
جيد، وفي بعض الأحيان يحدث هذا بشكل مفاجيء! هذه هي حروب الاستنزاف التي يخوضها
عماليق الذي يريد أن يلحس كل شيء أمامه..
+ وقد أتى عماليق ليحارب في رفيديم.. ومعنى رفيديم هو أرض
راحات ومتسعات.. ورفيديم كانت أرض راحة بالفعل بالنسبة لشعب الرب، فقد كانت أرض
خصبة جدًا، بسبب المياه التي فاضت من الصخرة لشعب الرب. يحكي لنا سفر الخروج
سابقًا في نفس هذا الإصحاح عن هذه المعجزة التي فجر فيها الرب الماء من الصخرة، ويصفها
لنا سفر المزامير قائلاً: " شَقَّ الصَّخْرَةَ
فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا.." مز۱۰٥: ٤۱.
وتخبرنا الدراسات أن التربة في هذه المنطقة بالفعل صارت تربة خصبة جدًا بسبب
المياه التي جرت فيها. بل أن بعض الدارسين يعتقدون اعتقادًا قويًا "بأن السبب
الذي عجَّل بانقضاض عماليق على اسرائيل هو اكتشاف المياه في هذه البرية المقفرة
التي لم يعرف فيها مصدر للماء من قبل" (من شرح سفر الخروج – يوحنا المقاري،۳٨۹)..
إذًا، قد يهجم عماليق، في معارك الاستنزاف،
على مناطق الراحة في حياة المؤمن.. مثل هجمات على أجواء البيت أو مكان المعيشة،
المكان الذي ينبغي أن المؤمن يرتاح فيه، ويتقابل مع الرب. كما قد يهجم على العلاقات
القريبة في حياة المؤمن، مثل علاقة أخ بأخيه، زوجة بزوجها، أم بأبنائها!!
والآن وقبل أن نتكلم عن مفاتيح الانتصار على عماليق، دعنا
نلخص ما قلناه حتى الآن:
في تأملنا في الصراع مع عماليق، نتناول عماليق كنموذج
لحروب الاستنزاف... في هذه الحروب يأتي العدو بعد انتصار معين في حياة المؤمن
ليصنع استنزافًا... وغالبًا ما تكون معارك الاستنزاف مُوجهَة تجاه مناطق الراحة
(رفيديم) في حياة المؤمن.. وقد تكون موجهة نحو منطقة الانتصار نفسها.. في هذه
المعارك يعمل العدو على إعاقة التمتع بالانتصار وعلى تعطيل المؤمن عن التقدم لتملك
أراضي أخرى.
والآن دعونا نتحدث عن مفاتيح الانتصار على عماليق..
والتي يُمكن أن نلخصها في أربعة مفاتيح: "اجلس – انتخب أوقاتًا – ارفع يدك –
اقبل المعونة من الجسد"...
1- "الجلوس": أريد أن أبدأ بهذا المفتاح بشكل
خاص، لأني أشعر بأهميته الخاصة في هذه المعركة! أثناء معركة شعب الله مع عماليق
كان موسى واقفًا رافعًا يده لأجل الشعب.. وإذ تعب موسى من الوقوف، أجلسوه على
حجر... أنا وأنت كمؤمنين في العهد الجديد، لا نحتاج أن نصل لمرحلة التعب والاجهاد
لنجلس!! فنحن بالفعل جالسون!! إذ "َأَقَامَنَا
مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.."
أف ٢: ٦... نحن نحتاج أن ندرك أننا جالسين في المسيح.. قد تكون عزيزي قد لاحظت أن
الهدف الأساسي للعدو من معارك الاستنزاف هو أن يجهدك ويمنع تقدمك... لذا فالمفتاح
الأول للانتصار في هذه المعارك هو أن تحاربه وأنت مُستريح!! جالس!! مُدرك لمكانك
ومكانتك في المسيح.. لقد أجلسوا موسى على حجر في العهد القديم.. والحجر الحقيقي في
العهد الجديد هو الرب يسوع.. فهو الحجر الذي صار رأس الزاوية (أف٢: ٢۰)... وهو
الشخص الوحيد الذي يمكن أن تجد فيه راحتك في وسط المعركة.. لقد قام يسوع من
الأموات وجلس عن يمين الآب في السماويات (أف۱: ٢۰)... وقد أقامك معه وأجلسك في
مكان البطولة والانتصار.. لذا لا تحارب معاركك وأنت مُنهك!! قاوم عماليق وأنت جالس
مُستريح في يسوع!!
2- انتخب
أوقاتًا: انتخب موسى رجالاً للحرب العملية ضد العدو، بينما صعد هو وهارون وحور إلى
رأس التلة لكي يقوموا بالجانب الروحي في الحرب... قسّم موسى العمل ما بين الحرب
العملية والصلوات المؤثرة.. تحتاج عزيزي في أوقات حروب الاستنزاف، أن تنتخب لنفسك،
تحت قيادة الروح القدس بالطبع، أوقاتًا للمواجهات الروحية عن طريق الصلوات والحرب
الروحية، وأوقاتًا أخرى للتحركات العملية لمواجهة ما يريد أبليس أن يفعله في
الواقع العملي... اطلب من الرب أن يعطيك حكمة للأوقات والأزمنة!
3- ارفع
يدك: كان موسى كلما رفع يده ينتصر الشعب وكلما خفض يده ينهزم الشعب!! رفع اليد في
معارك الاستنزاف هام جدًا!! أن تقف بسلطان أمام العدو، وباتضاع أمام الرب في هذه
الأوقات يحسم هذه المعارك بسرعة.. وسأوضح هذا باختصار.
أ- الوقوف باتضاع امام الرب: كان موسى يرفع يده، ولا ننسى أن
نفس هذه اليد هي التي جعله الرب في بداية خدمته يدخلها إلى عبه، ويخرجها وإذا هي
برصاء، ثم يدخلها ويخرجها مرة أخرى، فإذا هي صحيحة... وكأن الرب يقول له أنه بدون
عمل الرب في حياته، فإن يده ضعيفة ومُشوهة، ولا تقوى حتى على الطبيعي!! في معارك
الاستنزاف لابد أن أحتفظ بنفسي في حالة وعي روحي بأن مَن يعطيني النصرة هو الرب،
وأن مَن أعطاني الانتصارات السابقة هو قادر ويريد أن يعطني الانتصارات الحالية
والمستقبلية! هو الرب!!
ب- الوقوف بسلطان أمام العدو: موسى كان يرفع يده ممسكًا
بعصا الله!! بالسلطان!! اتضع أمام الرب.. نعم!! لكن لا اتضاع أمام العدو!! إنما
سلطان!!... العصا تتكلم عن السلطان.. لابد أن تُعلن اسم يسوع وقوة دمه في وجه
العدو بكل قوة وحسم.. كلماتك البسيطة الممسوحة بالروح تُجبر العدو على التراجع..
4- اقبل المعونة من الجسد: كم كان موسى حكيمًا فعلاً حينما
أخذ معه هاورن وحور إلى الجبل، وكم كان مُتضعًا جدًا حينما قَبل منهم المعونة.. هل
تتخيل عزيزي إذا لم يكن موسى قد أخذ معه هاورن وحور؟! عزيزي في حروب الاستنزاف لا
تخجل إذا قادك الروح أن تُخبر آخرين عما تمر به!! حتى وإن كنت موسى!! أقصد حتى إن
كنت قائدًا أو خادمًا كبيرًا!! كن حكيمًا مثل موسى ومُتضعًا.. اقبل المعونة من
الجسد الذي تعبد وتخدم الرب معه... ولا تخش على مظهرك وأنت تطلب الصلاة من الآخرين
مُعلنًا عن احتياجك الحقيقي للتدعيم... هذا لن ينتقص من بطولاتك الروحية!! بل على
العكس سيزيد من لمعانك وبهائك واستعلان سلطانك في الروح!! (ملحوظة:
"حور" اسم معناه "بهاء"..)!!
الرب معكم
ونلتقي في الدرس القادم من دروس في الحرب الروحية..
رقم 2 تحتاج في أوقات حروب الاستنزاف، أن تنتخب لنفسك، تحت قيادة الروح القدس بالطبع، أوقاتًا للمواجهات الروحية عن طريق الصلوات والحرب الروحية. هل يجب ان انتظر حتى يحركني الله ام هو امر طبيعي عندما اشعر بحرب عليّ احارب بطريقة تلقائية بدون الانتظار حتى لا اظل في الحرب لوقت طويل ؟ وهل يؤثر عدم انتظاري على نجاحي في الحرب ؟
ردحذفمن الطبيعي أن يُقاوم المؤمن حروب العدو عندما تأتي عليه، بحسب كلمات الكتاب "قاوموا إبليس فيهرب منكم"... لكن من اللازم أنّ المؤمن يدرك أن مقاومته للعدو لابد أن تكون بالروح وتحت قيادة الروح.. فأفضل شيء عندما يحاربني العدو، وخاصة حروب استنزاف، أن أفعل شيئين:
ردحذف1- أُذَكِر نفسي بأني لابد أن أقاومه
2- أعطي أذني للرب ليرشدني الروح لكيفية المقاومة! فمثلاً يمكن أن يضع في داخلي تسبيحة أطلقها فيُسقط الرب أكمنة على العدو وينهي المعركة، ويمكن أن يقودني الرب لانتهار العدو مباشرة، ويمكن أن يقودني الرب للهدوء ليشحن قوتي!! طرق الروح متنوعة ومتعددة!! ويمكن أن يقودني الروح لأحارب معركة بطريقة وعندما تتكرر نفس المعركة يقودني بطريقة أخرى.. المثال على ذلك نجده في 1أخ14: 9- 17 حيث تتكرر نفس المعركة مع داود، نفس المكان ونفس العدو الذي كان داود قد انتصر عليه للتو (معركة استنزاف)!! والرب يعطي داود استراتيجية مختلفة للنصرة في كل مرة!! يعظم انتصارنا بمن أحبنا!!
امتا وازاى افهم ان الظروف اللى بمر بيها هى حرب حقيقية من ابليس وان ده مش استعباط او كسل منى نتيجة لظروف معينة فقدتنى حياتى الروحية ؟؟ ولما افهم ان دى حرب ازاى اواجهها وانا فى وقت ضعف مش قادرة اقاوم اللى سرقه لاوقات طويلة وانا مش مدركة؟؟ مش قادرة اخد خطوات..
ردحذفالقارئة العزيزة.. شكرًا على سؤالك الذي يعكس رغبة حقيقية في الحياة المُلتزمة مع الرب.
ردحذفالحرب الروحية بصفة عامة والمصراعة مع العدو هي أحد جوانب حياتنا الروحية ورحلتنا للاتحاد مع الرب في كل ما نحياه... وهذا يعني إني كمؤمن أحيا للرب، على أقل تقدير سأكون مدركًا إذا كنت ملتزم في خلوتي اليومية أم لا؟ ملتزم في دراستي للكلمة وحضور اجتماعي أم لا؟ إذا كانت مثل هذه الأساسيات مازالت غير مضبوطة بشكل جيد.. أحتاج أن أعمل على ضبطها بغض النظر عن موضوع الحرب الروحية!! الطريقة الأمثل لكي أضبط هذه الأمور هي أن أكون مُلتزمًا أمام مرشد روحي.. مرشد لي كأخ أو مرشدة لي كأخت.. المرشد الروحي هو شخص متقدم عني في العلاقة مع الرب.. أكون ملتزمًا أمامه بأن يحاسبني ويقومني.. أكون منفتحًا عليه أو عليها.. أشاركه بعمق بصراعاتي وأقبل توجيهاته.. بعد وقت من حياة الالتزام هذه، إذا استمرت بعض المشاكل في حياتي، سأكون أنا والمرشد الذي أخضع له عندنا القدرة على تمييز ما إذا كانت هذه حروب من إبليس أم استسلام لنشاط العتيق أم أمور متوارثة في شخصيتي أحتاج أن أواجهها وهكذا... الرب معك..
شكرا جدا على الرد
ردحذفربنا يباركك.. أصلي أن الرب يقودك لخطوات عملية في اسم يسوع..
ردحذفانا درست المقالة دى بعمق شديد وربنا كلمنى من خلالها كتير بس بعد اذنك انا عندى تكلملة للسؤال ولو ممكن الرد لو انا وصلت لمرحلة الاستسلام .. ايه النتيجة هل بوصل فيها لمرحلة التأديب؟؟؟ ايه الحل؟؟؟ صلى من اجلى
حذفالقارئة العزيزة..
حذفأشكرك على سؤالك المهم..
أولاً: أريد أن أفرق بين الحرب الروحية من جهة، وتعاملات الرب معي (وإن كانت بالتأديب) من جهة أخرى.
في الحرب الروحية، إبليس يحارب المؤمن لأنه يريد أن يُضعف المؤمن ويجعله يعيش في انكسار، بينما الرب يسمح بالحروب لآنه يريد للمؤمن أن يختبر فيها النصرة والغلبة وفرح الانتصار.. لكن ماذا لو كان المؤمن ضعيفــًا؟؟ هل يتركه الرب لإبليس؟ بالطبع لا.. فعلى الرغم من استسلام المؤمن في مرات للضعف، إلا أن الرب لا يتركه أبدًا، بل على العكس يسوع يشفع فينا في وقت الضعف أمام الآب.. وعندنا مثال كتابي على هذا، عندما قال يسوع لبطرس "الشيطان طلبكم لكي يغربلكم، لكن أنا طلبت لأجلك لكي لا يفنى إيمانك"... هنا إبليس يطلب ليُغربل، والتلاميذ ضعفاء، ويسوع ماذا يفعل؟؟ يتشفع لأجل التلاميذ ولأجل بطرس لكي لا يفنى إيمانهم!! هذا هو يسوع الشفيع العظيم لأجلي ولأجلك أمام الآب.. هذه نقطة هامة للفهم وللإيمان!
النقطة الأخرى، الخاصة بالتأديب، الآب السماوي يتعامل معنا في كل حين بالنعمة، وتختلف معاملات نعمته معنا بحسب المراحل التي نجتاز فيها، ففي أوقات يدللنا بالنعمة (يدلعنا باللغة العامية) وفي مرات يعلمنا بالنعمة، وفي مرات يؤدبنا بالنعمة!! وهذا أمر هام جدًا أن نعرف أن حتى تأديبه لنا هو إظهار لنعمته علينا!! في مرات حينما يستسلم المؤمن للضعف يتعامل معه الرب بالتأديب بحسب حكمة الرب.. والتأديب لا يبدأ بالعصا.. لكنه يتدرج، فهناك التأديب من خلال الكلمة وهو أن يوبخ الرب المؤمن من خلال كلمته سواء في الكتاب المقدس أو في عظة.. وهناك التأديب من خلال المُرشد الروحي، أو من خلال كلمة نبوة أو كلمة علم توجه للشخص فيها توبيخ.. وهناك التأديب من خلال الظروف التي يسمح الرب بأن تضغط على المؤمن، وهذه الضغوط تتفاوت في شدتها وفي نوعيتها.. وهكذا يستمر الآب بنعمته يؤدب ابنه، حتى يكره المؤمن الضعف والخطية ويتوب توبة حقيقية.. وهنا ملاحظة هامة، أن الشخص قد يتوقف عن الخطية، لكن لا يقف التأديب مباشرة!! وذلك لأن هدف الرب من التأديب ليس فقط إيقاف فعل الخطية، لكن أيضًا أن يكره المؤمن الخطية بكل قلبه، وأن يصبح للمؤمن نفس نظرة الله إلى الخطية، وإلى أن يبلغ المؤمن هذه المرحلة قد يستمر التأديب بعض الوقت.. الرب معك!
شكرا جدا على الرد وعلى الاجابة المريحة دى ...
ردحذف