سلسلة مقالات جيــل يخلق للرب

تقرأ في هذه السلسلة:

1- الجزء الأول: إيليا والمعمدان

2- الجزء الثاني: أخنوخ.. صداقة وأسرار

3- الجزء الثالث: جيل أشير.. حاملو النهضات

قريبًا:  الجزء الرابع: الشاهدان.
-------------------------------------------------------

جِيِلْ أَشِيرْ.. حاملو النهضات!
وَلأَشِيرَ قَالَ: «مُبَارَكٌ مِنَ الْبَنِينَ أَشِيرُ. لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ، وَيَغْمِسْ فِي الزَّيْتِ رِجْلَهُ. حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ، وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ. (تث ۳۳: ۲٤)
أشير هو آخر سبط باركه موسى! أي بعد أن بَارك موسى جميع أسباط بني إسرائيل، ختم البركة بمباركة أشير؛ لذا، على المستوى النبوي، يُمكن النظر لهذا السبط – من حيث ترتيب البركة – على أنه رمزًا لخدمة الأيام الأخيرة.. لحاملي نهضات الأيام الأخيرة!
ويُمكن رسم سمات عامة لمشيئة الله ودعوته لهذه الفصيلة الروحية، التي أسميها "حاملي نهضات الأيام الأخيرة"، من خلال التأمل في بركة موسى لسبط أشير. مع الأخذ في الاعتبار أن المسحة المُتاحة لتحقُق هذه السمات، والحياة في هذه المواعيد، لحاملي نهضات الأيام الأخيرة تتزايد كثافتها جدًا مع اقتراب مجيء الرب والتقدُم في الأزمنة الأخيرة نحو مجيء العريس ملك الملوك ورب الأرباب – الرب يسوع المسيح.

مشيئة الرب ودعوته لحاملي نهضات الأيام الأخيرة بحسب بركة أشير:

أولاً: مُبَارَكٌ مِنَ الْبَنِينَ أَشِيرُ

مباركين من البنين:
وتأتي بمعنيين:
۱ – أن يكون حاملو نهضات الأيام الأخيرة مباركين "بين بني يعقوب"، أي مباركين بين إخوتهم، أي لهم نعمة خاصة في علاقاتهم مع مختلف العائلات الروحية المختلفة. هذه هي مشيئة الرب لنا، أن يكون لنا نعمة في أعين كثيرين، فمع أن التعليم الذي سيحمله حاملو نهضات الأيام الأخيرة سيُرفَض من البعض؛ لأنه سيفصل الحق من الباطل وسيفضح التدين المزيف، إلا أن مَن يحبون الحق سيُجذَبون بالروح القدس لخدمة ونهضات الأيام الأخيرة، وهذا سيجعل مظلة المسحة النبوية والرسولية تتسع لتشمل علاقات كثيرة عبر تنوعات ثقافية وجغرافية متعددة. وبقوة دم الرب يسوع؛ وبالحكمة النازلة من فوق، ستُبطَل كل شكايات العدو وستتقوى علاقات الجماعات الروحية الحقيقية عبر بلدان العالم.
۲ – كما يُمكن قراءة "مباركين من البنين" بمعنى آخر، وهو أن السبط عنده وفرة من البنين! أي أن يكون حاملو نهضات الأيام الأخيرة أغنياء في ولادة نفوس كثيرة من نفس السبط والجين الروحي، أغنياء في ولادة أبناء وبنات مكرسين ومكرسات، متشفعين ومتشفعات بالصلوات المقتدرة، رجال آية، أقوياء لولادة أمور الروح بقوة وكمال. يريد الرب أن يملأ نهضات الأيام الأخيرة بأبناء كثيرين جدًا مُستَقِرة على حياتهم المسحة النبوية الرسولية، ومظلة روح الصلاة النبوية تُفرَد لتغطي كثيرين ويُمسح كثيرين بالروح القدس – روح النبوة والإرسالية.

ثانيًا: لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ..

أو "يرضى عنه إخوته":
يريد الرب أن يُعلن لحاملي نهضات الأيام الأخيرة أن دعوتهم هي دعوة مُفرحة جدًا لكل جسد المسيح، لكل مَن يحب الرب ويشتاق لمجيئه بالحق. إن الرضى والقبول هما عطية من عطايا الرب لخُدام نهضات الأيام الأخيرة، وكما امتلأت نهضات تقليد القداسة في القرن التاسع عشر بالكثيرين من قادة وأساقفة تقاليد روحية أخرى؛ هكذا ستمتلئ نهضات الأيام الأخيرة بقادة وأساقفة وشعوب تقاليد روحية متنوعة. سيستخدم الرب نساءه الحاملات لجين النهضة بقوة لم تُر من قبل تحت هيمنة الروح ووسط أجواء الأمان في عائلات النهضة وبانضباط كتابي واضح للجميع. كما كانت نهضات فيبي بالمر (كولومبس الروح/ ۱۸۰۷ – ۱۸۷٤) تمتليء بأساقفة من تقاليد روحية مختلفة، سينظر قادة كثيرون نساء الله وهن مُستخدمات تحت مسحة الروح ببأس، وسيُعطِي الجميع المجد للرب! كانت حنة النَبَيَّة، التي استقبلت الرب وهو رضيع في الهيكل مُسبحة ومُتكلمة عن مجده، من سبط أشير! "وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ... فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ".. أجواء الرضى والقبول تفتح أبواب البركة والاستخدام.. مَن يقبل نبي مُدركًا لكونه نبي، ينال من فم الرب كلمات نبوية، ومَن يقبل رسل الخروف في الأيام الأخيرة لكونهم/لكونهن رسل المحبوب، ينال من يد الرب دعائم تأسيس الملكوت في أرضه بلا رجعة!

ثالثًا: وَيَغْمِسْ فِي الزَّيْتِ رِجْلَهُ..

لنا زيت الروح.. مسحة الروح..
بشكل حرفي، الأرض التي امتلكها سبط أشير كانت ممتلئة بأشجار الزيتون، لذا، كان للسبط وفرة عظيمة في الزيت والدهن، وكانت شجرة الزيتون هي رمز سبط أشير وشعار رايته! خُدام نهضات الأيام الأخيرة أرجلهم مغموسة في الزيت أي تحركاتهم وخطواتهم سهلة، وممسوحة، لأن أرجلهم مغموسة في زيت طري.. حاملو نهضات الأيام الأخيرة يتحركون بسلاسة في مساحات واسعة وبتمييز حقيقي للحضور الإلهي الذي يسبقهم إلى هذه الأماكن.. الدهن يسيل من أقدامنا ليغطي الأماكن والأشخاص الذين نتحرك تجاههم! الأبواب تُفتَح سريعًا بسبب قوة الروح والمسحة! صوت الرب لحاملي نهضات الأيام الأخيرة يقول: "قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي!"
الزيت أيضًا يتحدث في الكتاب المقدس عن الشفاء الإلهي.. "صَبَ عَلِيْهِ زَيْت".. أرجلنا مغمُوسة في الزيت.. أي مشفيين من كل جراحات.. يهوه رفا رب الشفاء هو رب النهضات وهو رب حاملي النهضات.. يُفَعِّل في حياة حاملي النهضات نوبات صيانة إلهية دورية، لأجل تجديد الخلايا، وشفاء الروح والنفس والجسد.. حاملو النهضات مشفيون ولا يتعاملون مع الآخرين بانطباعات سابقة.. الزيت يفيض ويغطي الماضي.. كما كان الرب يسوع يضع يده على الأبرص، فلا يتنجس هو، بل يُشفَى الأبرص؛ هكذا، مَن يقترب لحاملي النهضات بإساءات، لا يستطيع أن يضايقهم، إذ أنهم أموات عن المشاعر الطبيعية! لا يتضيق حاملو النهضات في أنفسهم، لكن المسيئين يتم شفاؤهم!! زيت المسحة وفرح الروح يأكل كل إساءات ويحولها لأدوات لشفاء المسيئين! ويشرق نور النهضة الحقيقية! استعلان يسوع القائم من الأموات الذي لم يقدر الموت أن يُمسِكه!! لن يقوَى الشرير على أن يُمسِك مَن تَصَور في حياتهم المسيح المُقام!!

رابعًا: حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ..

حديد ونحاس مزاليجك: تأتي بمعنيين:

۱ - "حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ نِعَالَك" (sandals): أي أن الأقدام المُغطاة بدهن المسحة، يعمل دهن المسحة مثل نِعَال من الحديد والنحاس لها. أقدام حاملي نهضات الأيام الأخيرة هي أقدام قوية، عندما تدوس أراضي، تربح هذه الأراضي للملك، لأن ملكوت الله قادم وبقوة، محمُول عربونيًا على أكتاف حاملي النهضة ويُستعلن في أراضيهم، ويُثبَّت حرفيًا على كل بقاع الأرض في ملك المسيح الألفي، ويليه ملكُه الأبدي، ولمُلكِه لا نهاية! رسل الخروف أقدامُهم قوية! كما أقدام الأسد الثقيلة الخطوة والواثقة، التي لا ترجع من قدام أحد، هكذا؛ أقدام رسل الخروف/الأسد الخارج من سبط يهوذا.
۲ – المعنى الثاني " حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَاليِج أبْوَابِك": أي لا يقوى العدو على اقتحام أراضي أشير! لا يقوى على اقتحام نهضات رجال النهضة في الأيام الأخيرة.. لا يقوى ولا يتجرأ العدو على دخول الأرض ولا المجال الخاص بحاملي النهضات.. واحدة من تكليفات رجال النهضات الأخيرة هي صنع مجالات زمكانية (أي في الزمان والمكان) نقية وحرة من نشاط أرواح الشر، تدخلها النفوس فتتحرر وتُشفى وتختبر حضور الرب المحيي كما لم تختبره من قبل! وفرة الملكوت مُتاحة لتحقيق رؤى رجال ونساء نهضات الأيام الأخيرة فيما يخص تكريس هذه المساحات الزمكانية كأحد أنماط استعلانات النعمة الغنية في الأزمنة الأخيرة لاجتذاب النفوس إلى الرب.

خامسًا: وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ..

حاملو نهضات الأيام الأخيرة يخدمون الرب من الراحة! الراحة أولاً هي معجزة داخلية يُتِمها الروح بداخلنا.. نرتاح فترتاح الأرض! حاملو نهضات الأيام الأخيرة هم راؤوا السبت!! راؤوا الملك الألفي.. وحاملو أجواءه! لذا، يخدمون من الراحة، وتُجتَذَب النفوس للراحة التي يعطيها الرب يسوع وحده.. الراحة مُرتبطة بالترتيب الروحي! مع امتلاء النهضات المحمَولة على أكتاف حاملي نهضات الأيام الأخيرة بإظهارات الروح بشكل غير مسبُوق، إلا أن ترتيب هذه النهضات سيكون آية للجميع! لأن ضابط الكل – البانطوكراتور – يكون مُستعلَن ومُهيمِن في هذه النهضات! الراحة مُرتبطة بالترتيب الروحي، والترتيب الروحي مُرتبط بالتلمذة والخضوع! حاملو نهضات الأيام الأخيرة يأخذون وصية الرب بتلمذة الأمم بجدية كافية، ويحملون النير، فيجدوا راحةً لنفوسهم!
دكتور ثروت ماهر
خدمة السماء على الأرض – مصر
إبريل ۲۰۲۰
----------------------------------------------------


جيل يُخلَق للرب....
     
الجزء الأول : إيليا والمعمدان               

    عزيزي... عزيزتي...
    أريد أن أتحدث معك في هذا المقال عن واحدة من أروع وأعظم مشيئات الله لهذا الزمان الذي نحياه... إنها مشيئة الله أن يخلق له جيلاً مميزًا جدًا... مشيئة الله أن يصنع لنفسه جيلاً مختلفًا... مقدسًا... قويًا... مُحَرَرًا من القيود... مشفيًا من الأمراض الروحية والنفسية والجسدية... مشيئة الله أن يصنع جيلاً مَحلُولاً أيضًا من لعنات الأرض والآباء و الأجداد... قادرًا على مواجهة العدو... متيقنًا من النصرة التي له في  المسيح يسوع...أريد أن أتحدث معك عزيزي عن مشيئة الرب لهذا الجيل... لعلك تكون قد سمعت قبلاً عن هذا الموضوع في اجتماعات روحية أو كلمك الرب بهذه الكلمات قبلاً في قلبك، فالرب يعلن عن مشيئته لأولاده في أماكن متعددة وخدمات متعددة، وهذا هو صوت الرب لأولاده في هذه الأيام.
فإن كنت عزيزي قد عرفت عن مشيئة الرب هذه قبلاً، أريد أن أشجعك بهذه الكلمات التي سوف تقرأها، وأؤكد لك هذه الكلمات التي عندك من الرب. و إن كنت لم تسمع شيئًا عن هذا الأمر قبلاً، أصلي أن الروح القدس يعمل في قلبك بهذه الكلمات، فتتشجع و ترى نفسك واحدًا من أبناء هذا الجيل القوي الذي يُعده الرب، وتصلي معي أن تثبت مشيئة الرب لهذا الجيل.

    قارئي العزيز.. قد تسأل نفسك في البداية قائلاً لماذا يريد الله أن يعد لنفسه جيلاً مميزًا في هذه الأيام؟!
والإجابة تجدها من خلال كلمة الله... فكلمة الله تعلن أنه كلما اقترب المجيء الثاني للمسيح، كلما ازدادت صعوبة الأزمنة "ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة" 2تي 3 : 1
ولكن على الرغم من هذا، فإن لنا أن نهتف هليلويا للرب، فإنه على الرغم من صعوبة الأزمنة الأخيرة فإن الرب يقدم لنا وعده بجيل مختلف حيث تزداد النعمة المُقَدمَة لنا جدًا.. "ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا." أع2: 17
فالرب يريد في الأيام الأخيرة، التي نحيا فيها بلا شك، أن يقيم لنفسه جيلاً يكون قادرًا على إعداد الطريق أمام مجيئه الثاني... وكما أتى يوحنا المعمدان بروح إيليا ليعد الطريق أمام الرب في مجيئه الأول، حيث شهد الرب عنه "ولكن أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به ما أرادوا" مت12:17، فهكذا مشيئة الرب أن يقيم له جيلاً ناريًا، يأتي بمسحة المعمدان وإيليا، لكي يُعِد الطريق أمام مجيئه الثاني الذي اقترب جدًا...

ولأجل هذا فإن كل جيل يأتي، يريد الرب أن يمسحه بقوة أكثر، لأنه الجيل الأقرب لمجيئه الثاني... ولهذا فبالتأكيد إن مشيئة الرب لجيلنا هذا هي أن يكون جيل فيه استعلان لقوة الرب أكثر من كل الماضي... فكلما تقدمت الأجيال وزاد اقترابنا من مجيء الرب الثاني، كلما أصبح الاحتياج إلى إعداد الطريق أمام الرب أكثر وأكثر.... هليلويا، فنحن جيل يريده الرب أقوى وأقوى، ونحن كنيسة يريدها الرب مُرهِبة للعدو أكثر وأكثر... ارفع صوتك معي عزيزي القاريء واطلق كلمة إيمان تُعلن بها أثناء قراءتك لهذه الكلمات أنَّ مشيئة الرب لهذا الجيل لن ولن تفقد بإسم الرب يسوع...

     والآن عزيزي... هيا بنا لكي نتأمل مشيئة الرب لهذا الجيل، هذا الجيل الذي يصنعه الرب ليكون صوت صارخ في البرية يعد الطريق أمام مجيئه... هلم بنا لنذهب للمعمدان ولإيليا، لنسألهما ونتأمل في بعض تفاصيل حياتهما، لنتعلم ماذا يريدنا الرب أن نكون لنعد الطريق أمامه، هيا فتضيء أمامنا الكلمات بقوة، ونفهم الرموز النبوية باستنارة تشعل قلوبنا بالروح القدس..

     الرمز النبوى فى ملابس ايليا والمعمدان :
     المُتأمل للأوصاف التي جاءت في الكتاب المقدس عن يوحنا المعمدان وإيليا، لابد أن يتوقف أمام ما جاء من وصف لملابس كلٍ منهما، فقد اشتركا هما الإثنان في ارتدائهما منطقة من جلد، إذ يذكر لنا الكتاب عن إيليا أنه: "رجل أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه " (2 مل 1 : 8 )، وجاء المعمدان أيضاً "لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد" (مت 3 : 4)
وقد تتسائل عزيزي... هل يمكننا أن نتعلم من هذا أي شيء!!! نعم بكل تأكيد!! فالكتاب المقدس قد كُتِب كله بالروح القدس لأجل تعليمنا... إذًا فإلى ماذا تشير تلك المنطقة من جلد؟؟؟
إن الملابس المصنوعة من الجلد في الكتاب المقدس تتحدث لنا أول ما تتحدث في سفر التكوين، أول أسفار الكتاب المقدس، حيث نقرأ: "وصنع الرب الإله لآدم و امرأته أقمصة من جلد وألبسهما." (تك 3 : 21)... هليلويا... فمنطقة الجلد تتحدث لنا عن نعمة الرب التي تسترنا، ومنطقة الجلد تتحدث لنا عن التدبير الإلهي... فعندما فشلت الأقمصة التي من ورق التين، التي صنعها آدم و حواء ليسترا عريهما، صنع لهما الرب الإله أقمصة من جلد وألبسهما... ويأتي المعمدان بمسحة إيليا لابسًا منطقة من جلد, يعلن بها لنا، ربما بدون أن يدري، اعتماده على نعمة الله التي تستره!! ويعلن بها رفضه الوسائل البشرية ورفضه أعمال الجسد ورفضه للخدمة التي بالجسد، فورق التين الذي صنع منه آدم و حواء مآزر لستر عريهما، كان رمزًا لأعمال الجسد...منطقة الجلد تُعلمنا أن نُعد طريق الرب ونخدمه خدمة الأيام الأخيرة بالطريقة التي يحددها الرب بذاته...والجيل الذي يخلقه الرب لنفسه في هذه الأيام سيتعلم كيف يخدم هذه الخدمة التي بالروح، لن يحاول هذا الجيل أن يصطنع لنفسه خدمات تؤسس بالأفكار البشرية, لن يحاول أن يصنع لنفسه مآزر من ورق التين.... ولن يحاول أن يأتي باسماعيل عندما يتأخر وعد الرب...لكنه سينتظر في محضر الرب حتى يُعطَى الخدمة من يد الرب بنفسه، ستكون خدمته هي "الخدمة التي أخذتها من الرب يسوع" (أع20: 24)...

هلليلويا لأجل جيل يؤمن بمعجزات الإله القدير... هلليلويا لأجل جيل يصدق أن الرب يستطيع أن يؤيد الكلمة بالآيات والعجائب، جيل يعمل.. "والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة" (مر16: 20)... هليلويا لأجل جيل لن يخجل من إعلان إيمانه بأن الله قادر أن يفتح عيني الأعمى اليوم، ويخلق آذان جديدة للأصم اليوم، ويشفي مرضى شلل الأطفال اليوم، ويطيل الأرجل القصيرة، ويخلق الأصابع المفقودة، ويشفي مرضى السرطان والإيدز أيضًا اليوم... هو يهوه رفا... "الرب الشافي"(خر15: 26) وهو إيل شداي..."الله القدير" (تك17: 1)  الذي يخلق جيلاً لنفسه، بمواصفاته الخاصة وبقدرته الإلهية في أيامنا هذه...

عزيزي هل تصلي معي أن يؤيدنا الرب بالإيمان في هذه الأيام لكي نصدق طرقه، ونرفض كل عدم إيمان وكل شكلية وتقليدية في العبادة ؟؟ هل تصلي معي وأنت تقرأ هذه الكلمات لكي يحرر الرب أولاده من أي أفكار عدم إيمان قد يكونوا قد توارثوها من الأسر أو العائلات ولكي يجدد الرب الأذهان بكلمات الكتاب المقدس الذي يعلن أن الله لا يتغير ولا يعتريه ظل دوران.....
والآن هيا عزيزي القاريء لنتأمل معًا في رمز آخر من حياة المعمدان...يعلمنا منه الرب الصورة التي يريدها الرب للجيل الذي يصنعه لنفسه....ولكن قبل أن نذهب معًا، صل معي هذه الصلاة القصيرة:
.................يا رب افتح عيني لأرى عجائب من كلمتك................

الرمز النبوى فى طعام المعمدان:
1- الجراد:
"ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد، وكان طعامه جراداً وعسل برياً"مت4:3    ما أروع طعام المعمدان... جراد و عسل برى !!
فى الواقع أتعجب كثيراً من بعض التفاصيل التى يذكرها الكتاب المقدس. و لكن أتعجب أكثر حينما تضئ أمامي معاني هذه التفاصيل !!!
الجراد.... الجراد فى الكتاب المقدس يتحدث عن التخريب و الخسارة.
ففى يوئيل يتكلم عن التخريب الشامل الذى يحدثه الجراد في أطوار عمره المختلفة حيث يقول "فضلة القمص أكلها الزحاف و فضلة الزحاف أكلها الغوغاء وفضلة الغوغاء أكلها الطيار." (يوئيل1: 4)
كما أن الجراد جاء ذكره في سفر الرؤيا في وصف الأرواح الشريرة[1] الخارجة من بئر الهاوية " ففتح بئر الهاوية فصعد دخان من البئر كدخان أتون عظيم فأظلمت الشمس والجو من دخان البئر. ومن الدخان خرج جراد على الأرض فأعطى سلطاناً كما لعقارب الأرض سلطان." (رؤ 9 : 2 ، 3)
الجراد نوع من الحشرات اختارها الله ليرمز بها للتخريب وليستخدمها فيه والجراد فى الكتاب المقدس يرمز إلى العدو فهو يرمز إلى الأرواح الشريرة . ولكن اقرأ معى هذه الكلمات المشجعة : أعوض لكم عن السنين التى أكلها الجراد والغوغاء والطيار والقمص جيشي العظيم الذى أرسلته عليكم ." (يوئيل 2 : 25)
إن الرب يعد بأن يعوض عن كل ما خربه الجراد.... هلليلويا .
ولكن ماذا عن الجراد نفسه ؟!! هل يعوض الرب عن السنين ويترك الجراد نفسه ليفسد سنين أخرى ؟!
بالطبع لا ....إن يوحنا المعمدان يخبرنا بطعامه الغريب عن مصير الجراد، كما يخبرنا عن مشيئة الرب تجاه الجيل الذي يُعد الطريق أمام مجيئه الثاني... إن هذا الجيل الذى يعده الله، أحد المهام المُوكَلة إليه هى أكل الجراد المُخرب، أي وقف عمله وإبطال تأثيره وتضييق تخومه إلى الفناء، إن هذا الجيل قد أُعطي سلطاناً ليقف فى وجه الأرواح الشريرة بطريقة خاصه جداً . فقد أعطى الله لهذا الجيل عيوناً روحية مفتوحة ترى وتميز نشاط العدو بوضوح، بل وفى بعض الأحيان ترى العدو نفسه بالعين[2]، وقد تنفتح الحواس على عالم الروح فتُعطى القدرة على التمييز مرات بالشعور ومرات بالسمع ومرات باللمس، كما قال أليفاز:
"فمرت روح على وجهي. اقشعر شعر جسدي" (أي4: 15)[3]  نعم إن الله يمسح هذا الجيل لرؤية مختلفة تساعدهم على أداء مهمتهم الخاصة فى مواجهه العدو، صحيح أنها ليس القاعدة العامة أن تعمل موهبة التمييز بهذه الطريقة، ولكن قد يحدث هذا، كما كان يحدث مع كثير من الآباء والقديسين الأوائل.[4]والمؤكد أن الله يعطى تمييزاً مختلفاً لهذا الجيل... بل أن هذا الجيل يتغذى على العدو، فكل ما يصنعه العدو لإضعافه، يتحول إلى خير وقوة وارتفاع هذا الجيل، وكما كان المعمدان يأكل الجراد ويشبع هكذا هذا الجيل يكون العدو خبزه وكما كلم يشوع و كالب بنى اسرئيل قائلين عن العدو"لأنهم خبزنا "(عد41: 9)

يتكلم هذا الجيل ويقول إن العدو خبزنا، الأرواح الشريرة خبزنا، هيا عزيزي القاريء... اعلن إيمانك أنه فى كل مرة يهجم العدو عليه أن يتذكر أنه سيؤكل.... فى كل مرة تهجم أرواح الخوف، عليها أن تتذكر أنها ستؤكل، وأننا سنزداد شجاعة وإيمان.... فى كل مرة تهجم أرواح الفشل، عليها أن تتذكر أنها ستؤكل وأننا سنزداد رجاء وأمل... وفى كل مرة تهجم أرواح الكبرياء والتدين، عليها أن تتذكر أنها ستؤكل وأننا سنزداد اتضاعاً وحرية... هلليلويا...بل أن هجمات الجراد فى حد ذاتها تعلن لنا عن قرب يوم الرب ومجيئه، مما يزيدنا قوة ورجاء، ويشعلنا بالروح فنصبح أكثر رعبًا لأعدائنا...هلليلويا لأجل جيل يعد الطريق أمام الرب وينقي الأجواء الروحية من عمل إبليس وجنوده... هلليلويا لأجل جيل يُخلق للرب يهزم مملكة الظلمة ويأتي بانتصار الرب على الصليب إلى أرض المعركة... هلليلويا لأجل جيل يحتمي بالدم ويواجه العدو بكل شجاعة ويعلن أن الرب المنتصر يقود كنيسته نحو الانتصار، هلليلويا لأجل جيل يفرح قلب الرب، ويقضي على سيطرة الجراد التي لن تدوم طويلاً... فها هو الرب آت وها هو جيل يُخلق للرب يُعد الطريق أمام مجيئه...
والآن... إذا كان هذا ما يخبرنا به المعمدان بأكله للجراد .... فماذا عن أكله للعسل البري؟!!

2- العسل البري:
      " وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً."  متى 3 :4
العسل في الكتاب المقدس يرمز إلى الكلمة والتعليم .  "عن أحكامك لم أمل لأنك أنت علمتنى. ما أحلى قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي"  مز 119 : 102 ، 103
وأيضاً يقول داود : " شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيماً. وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب.أحكام الرب حق عادله كلها .أشهى من الذهب والأبريز الكثير وأحلى من العسل وقطر الشهاد." مز19 :7 – 10
وأما حزقيال ففي مقابلته مع شخص الرب بذاته أمره الرب ." أفتح فمك وكُل ما أنا معطيك .كُل هذا الدرج و اذهب كلم بيت اسرئيل . ففتحت فمى فأطعمنى ذلك الدرج..."  حز 2 : 8  فأكلت فصار في فمي كالعسل حلاوة"  حز 3 : 1 – 3
العسل هو الكلمة والتعليم. ولكن لِمَا عسل بري على وجه الخصوص ؟ ما دخل البرية في نوعية العسل ؟
اقرأ معى تثنية الأصحاح الثاني والثلاثين :
"وجده فى أرض قفر و فى خلاء مستوحش خرب. أحاط به ولاحظه و صانه كحدقة عينه. كما يحرك النسر عشه و على فراخه يرف ..... أركبه على مرتفعات الأرض فأكل ثمار الصحراء. و أرضعه عسلاً من حجرٍ و زيتًا من صوان الصخر." تث 32 : 10 – 13

الكثير من أبناء هذا الجيل هذا هو لسان حالهم "وجدنى فى أرض قفر"، "وأرضعني عسلاً من حجر" إن العسل البري يرمز إلى الكلمة النبوية والتعليم الذي يأتي في البرية. ولنلاحظ أن الجيل الذي دخل أرض الموعد، كان هو نفسه الجيل الذي وُلِد في البرية. فالجيل الذي خرج من أرض مصر و رأى عجائب الرب في مصر لم يدخل أرض الموعد بسبب تمرده وعدم إيمانه، لذا لم يسمح الله لجيل الخروج بدخول أرض الموعد، فيما عدا يشوع وكالب الذين لم يشاركا الجيل القديم في عدم الإيمان.(تثنية 1: 34- 39) بل أن الرب قال للآباء المتمردين عليه والغير واثقين فيه، كلمات واضحة جدًا تقول: "أما أطفالكم الذين ادعيتم أنهم يصبحون غنيمة، وصغاركم الذين لا يميزون بعد الخير والشر، فهم يدخلون إلى هناك ولهم أهب الأرض وهم يرثونها." تث1: 39 ...

هلليلويا... الجيل الصغير الأخير المولود في البرية، الذي تعلم عن عجائب الرب وربما لم يرها، هذا الجيل مدعو للدخول إلى أرض الموعد، مدعو للدخول إلى ملء البركة وتحقيق المواعيد.... يخرج المعمدان متلذذًا بأكل العسل البري، معلنًا أن الجيل الذي تلقى تعليمه الروحي وسط القفر، وبدون أي مشجعات للإيمان من الواقع، بل على العكس وسط واقع يتحدى الإيمان في كل يوم، هذا الجيل نفسه مدعو ليعد الطريق أمام الرب... مدعو ليدخل لأرض الراحة.... هذا الجيل الذي لم ير البحر الأحمر وهو يُشق، لكنه سمع وآمن وانتظر، سيعد الطريق وسيعبر وسيدخل...

وأنت عزيزي القاريء... هل تشعر أنك ولدت في البرية؟ هل تشعر أنك تسمع عن أمور كثيرة صنعها الرب في الماضي، ولكنك لا ترى مثلها الآن؟؟ هل تتسائل لماذا أعبر بهذا الوقت الصعب في حياتي؟ أو لماذا البرية؟ الإجابة إنك مدعو لتكون واحدًا من الجيل الذي يُعد الطريق أمام الرب... إنك مدعو لتأكل من العسل البري... مدعو لتتذوق عسلاً من حجر وزيتًا من صوان الصخر... وإلى ماذا يرمز الحجر أو الصخر في الكتاب المقدس؟! اقرأ معي الكلمات الآتية "والحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية" مر 12 : 10 هلليلويا... إن شخص الرب يسوع بذاته هو الحجر... والرب يسوع بذاته أيضًا هو الصخر " وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح."1 كو 10 : 4 .... إنك مدعو لكي تأكل بالروح القدس من يد الرب شخصيًا عسلاً بريًا...ومن ثَمَ تخرج كالمعمدان منتصرًا وسط البرية... تصرخ بسلطان " أعدوا طريق الرب، واجعلوا سبله مستقيمة..." مت3: 3
   
والآن أريد أن أختم حديثي معك عزيزي القاريء بهذه الصورة النبوية التي أدعوك لأن تتخيلها معي، وتصلي في قلبك أن تصبح حقيقة.... صورة شباب و شبات خارجين من البرية بسلطان... متمنطقين بالجلد!! أي رافضين أعمال الجسد... وجوههم مرعبة للعدو... صلبة كصوان... آكلي جراد!!! العدو خبزهم.... يعدون الطريق أمام الرب.... يرفعون الحجارة... يأمرون العدو أن يرحل عن تخومهم... وجوههم بها نضارة الشبعان بالرب... فهم يتغذون على العسل الذي هو الكلمة والتعليم من يد الرب شخصيًا... وإذ يأكلون من العسل تزداد استنارتهم... ويزداد حبهم للرب و يبوقون بأعلى أصواتهم... أعدوا الطريق للرب.... فالملك آت سريعًا.....سيملك و سنملك معه (2تي2: 12, رؤ5: 10) و الروح و العروس يقولان تعال و مَن يسمع فليقل تعال (رؤ22: 17).... آمين تعال أيها الرب يسوع (رؤ22: 20)....

ثروت ماهر
سبتمبر 2007  


[1] الأب دانيال, الشيطان تحت الأقدام.(القاهرة: جي.سي.سنتر, مارس 2000) ص 229
[2] بيتر واجنر, مَن يغلب.(القاهرة: أوغسطينوس لخدمات الطباعة, 1999) ص 85.
  أيضًا, براين ج. بايلي, المعزي.(القاهرة: P.T.W. ,2002) ص 207
[3] جون إدواردز, تمييز الأرواح.(القاهرة: P.T.W. , 2002)ص 57- 73
[4] راهب ببرية شيهيت, فردوس الاباء- الجزء الأول (الاسكندرية:مركز الدلتا للطباعة, 2005) ص 36-40  

____________________________________________


جيل يُخلَق للرب....

الجزء الثاني: أخنوخ.. صداقة وأسرار..





أخنوخ... رمز آخر من الرموز والشخصيات التي تشير إلى الجيل الذي يصنعه الرب في الأيام الأخيرة..
يتحدث لنا الكتاب المقدس عن أخنوخ في ثلاثة شواهد، اثنين في العهد الجديد، في الرسالة إلى العبرانيين وفي رسالة يهوذا.. وواحد في العهد القديم، في سفر التكوين، ويُمكِن اعتبار هذا الشاهد في سفر التكوين هو الشاهد الأساسي، لأنه يحكي قصة أخنوخ، وإن كان يحكيها باختصار شديد.
في سفر التكوين، والإصحاح الخامس، يكتب موسى بالروح القدس (موسى هو كاتب الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس):
"وَعَاشَ أَخْنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ مَتُوشَالَحَ. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَمَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَمِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. َكَانَتْ كُلّ ُأَيَّامِ أَخْنُوخَ ثَلاَثَمِئَةٍ وَخَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ." (تك٥: ٢١- ٢٤)
يا لها من آيات موجزة جدًا.. ثلاث آيات تحكي لنا قصة حياة هذا الرجل!!.. وعلى الرغم من هذه الكلمات الموجزة عن حياة أخنوخ، إلا أنها تحوي لنا أسرارًا عظيمة!!.. فبالإضافة إلى أن أخنوخ قد أخذه الله وانتهت حياته على الأرض بالاختطاف في إشارة عجيبة إلى جيل الأيام الأخيرة، إلا أن هذا ليس كل شيء، فتفاصيل حياة هذا الرجل تحوي الكثير من الأسرار والدروس التي يعطيها الله لأجيال الأيام الأخيرة، وهذا ما سنراه بالتفصيل في الكلمات الآتية..
الكلمة النبوية والإعلان:
عاش أخنوخ في الخمس وستين عامًا الأولى من حياته رجلاً عاديًا.. لا نعرف عنه معلومات مؤكدة حتى هذه السن، وإن كنت مقتنعًا أنه عاش هذه الخمس والستين عامًا مؤمنًا يتقرب إلى الله، وكان عنده علاقة حقيقية مع الرب.. أعتقد أنه كان يتمتع بحياة فيها مقدار من الشركة مع الله، ولكن بالتأكيد كان الرب مُشتاقًا لأن يدخل مع أخنوخ في مستوى أعمق من الشركة.. مستوى يمتليء بالإعلانات والمفاجآت الإلهية!!..
عند سن الخامسة والستين، هذا الشيخ دخلت علاقته مع الرب بعدًا جديدًا.. إذ أخذ إعلانًا من الله عن الآتيات!! وهذا الإعلان غيّر شكل حياته بالكامل!!.. وهكذا عزيزي، هذا الجيل الذي يصنعه الرب في هذه الأيام.. تحدث لهم تغيرات إلهية عجيبة بسبب مقابلات الروح الذي يملأهم بحكمته وإعلاناته!!.. قد تتقابل مع أشخاص مؤمنين وعلاقاتهم مع الرب حقيقية.. لكنهم يعيشون بعيدًا عن دائرة الإعلان.. بعيدًا عن الريما (الكلمة الإعلانية) اليومية.. ثم تغيب وقت وتقابلهم من جديد، فإذا بنور الحكمة والإعلان يشرق من عيونهم!! ما الذي حدث لهم؟! تقابلوا مع روح الحكمة والإعلان مقابلات حية حقيقية جديدة.. استقبلوا إعلانات الروح، فظهر على وجوههم لمعان الإعلان.. غمرهم الروح بزيته الذهبي الذي يلمع الوجه!!.. تغيرت حياتهم وعوضًا عن الحياة الطبيعية صاروا من الجيل الذي يصنعه الرب للأيام الأخيرة!!
هكذا أخنوخ.. تقابل مع روح الحكمة والإعلان، واستقبل إعلانات الله.. فتغيرت حياته بالكامل!!.. يخبرنا الكتاب أن أخنوخ وهو في الخامسة والستين ولد متوشالح.. وعندما ندرس معنى اسم متوشالح، نكتشف الإعلان الذي أعطاه الرب لأخنوخ في وقت ولادة هذا الابن. تخبرنا الدراسات العبرية الحديثة، أنه عند تقسيم اسم "متوشالح" بطريقة مختلفة عن الطريقة التي كان مُتعارف عليها في الدراسات القديمة، فإن الاسم يعطي معنى "الذي عند موته، يحدث اندفاع"!!
والسؤال الآن، ما الذي أعلنه الله لأخنوخ وجعل أخنوخ يطلق على إبنه هذا الاسم الغير معتاد (متوشالح) الذي يعني (عند موته سيحدث اندفاع)؟!!.. الإجابة نجدها عندما نبحث عما حدث عندما مات متوشالح ابن أخنوخ، ما هو الاندفاع الذي حدث في السنة التي مات فيها متوشالح؟ الإجابة أن هذا الاندفاع ما هو إلا الطوفان!! فبحساب تواريخ سفر التكوين، نجد أن الطوفان أتى في نفس العام الذي مات فيه متوشالح ابن أخنوخ!! عاش متوشالح ٩٦٩ عامًا، وهو أطول عمر لإنسان على الأرض.. وبعد موته مباشرة، أتى الطوفان في نفس العام!!.. وبمعرفة هذه الأمور، نفهم سر الإعلان الذي أعطاه الرب لأخنوخ عند ولادة متوشالح!! لقد أعلن الرب لأخنوخ أنه آتٍ بطوفان على الأرض.. قبل هذا الطوفان بتسعمائة وتسع وستين سنة!! وأن هذا الطوفان لن يأت إلا عند موت متوشالح، ابن أخنوخ حديث الولادة.. الذي عاش ٩٦٩ سنة !! وكأن الرب بكلمات أخرى قال لأخنوخ "انظر يا أخنوخ.. إبنك الذي أعطيته لك سيحيا حياة طويلة، ولكن عندما يموت، سأرسل في نفس العام طوفانًا على الأرض!!"..
وفهم أخنوخ الرسالة الإلهية.. آمن بالإعلان.. بالكلمة النبوية.. والكلمة النبوية صنعت بداخله إرسالية!!.. فقرر أن يُطلِق على إبنه اسم "متوشالح" ليُذَكِر الناس جميعًا بأن الله سيُرسِل طوفانًا على الأرض بسبب الخطية.. ولكي يتذكر كل من يرى متوشالح، أن زمن التوبة موجود طالما متوشالح لم يمت بعد.. ويا للعجب، أطال الله في عمر متوشالح حتى صار أطول الأعمار على الأرض، ليعلن الرب أن زمن التوبة أطول بكثير من زمن الدينونة!!
والآن، وبعد عرض هذه التفاصيل الدراسية، أعود معك مرة أخرى عزيزي، إلى أخنوخ كرمز للجيل الذي يصنعه الرب.. يصنع الرب جيلاً أذانه مفتوحة لاستقبال إشارات الروح.. يصنع جيلاً وديعًا.. قابل أنّ حياته تتشكل بإعلانات الله.. قابل لأن يُنقَل إلى مستويات جديدة من المعرفة الإلهية مثل أخنوخ.. جيلاً لا يتمسك بإنجازاته حتى الروحية منها، ويصنع لها تماثيلاً يدور حولها!! أنه جيل لسان حاله "أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام.. أنا ما أنا بنعمة الله.."!! يصنع الله جيلاً يستقبل الإعلان النبوي يحتضنه بداخله، فهو عنده أغلى من كل كنوز العالم.. ومن هذا الإعلان تولد الإرساليات الحقيقية!! إرساليات الكرازة للخليقة كلها!!
أصدقاء الروح..
أصدقاء الروح!!.. يدعونا الله كجيل من وسط أجيال تحيا الأيام الأخيرة.. يدعونا لنكون أصدقاء له!! نعم أصدقاء.. قال يسوع أنه قد دعانا أحباء (يو١٥:١٥).. كلمة أحباء في الأصل اليوناني تترجم أيضًا أصدقاء مقربين جدًا!! يريدنا الرب أصدقاء مقربين له يبوح لنا بأسراره، أليس سر الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم؟!.. وهكذا كان أخنوخ!!
لم يكتف الله بأنه أعلن عن الطوفان لأخنوخ كما رأينا، لكنه أيضًا وضع على فمه كلمات، يرى الكثير من الدارسين أنها كلمات تشير إلى المجيء الثاني للرب يسوع!! تخبرنا رسالة يهوذا (آخر رسائل العهد الجديد) أن أخنوخ تنبأ قائلاً: "هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه١٤، ١٥).. وعلى الرغم أن هذه الكلمات يمكن أن تُرى على أنها تتكلم عن دينونة الرب للخطاة وقت الطوفان، وهذا صحيح.. إلا أنها أيضًا بالتأكيد تتكلم عن المجيء الثاني للمسيح.. فتح الرب عيني أخنوخ لآلاف السنين في المستقبل ليرى يسوع وهو آت مع ربوات قديسيه، ليصنع دينونة على غير المؤمنين!!
لمِا أعلن الرب لأخنوخ عن كل هذا؟!! الإجابة التي أحبها "لأنهما صديقان"!!.. بالتأكيد كان عند أخنوخ اهتمامات شخصية، فالكتاب يخبرنا أن أخنوخ بعدما ولد متوشالح، ولد بنين وبنات آخرين.. فأخنوخ كان عند عائلة، وبالتأكيد كان يحب أن يشارك الله بما يحياه مع عائلته، وبالمستقبل الذي كان يريده لأبنائه وبأمور أخرى كثيرة!! لكن العجيب أن الله أيضًا كان يحب أن يشارك أخنوخ بأمور مستقبله (إن جاز التعبير، فالله أكبر من الزمن!!).. وكانت أحد أمور المستقبل الإلهية هي المجيء الثاني للرب، فقرر الله أن يشارك أخنوخ به.. أخذ الله أخنوخ إلى البعد الزمني الإلهي.. فرأى أخنوخ ما لم يتم حتى يومنا هذا!! ما أعجب النعمة!!
يبحث الله في هذه الأيام الأخيرة عن أصدقاء!! تحمل الأيام الأخيرة الكثير من الحوادث والأمور الغير معتادة.. ويريد الرب أن يفتح عيوننا على كلمته بإعلان لنفهم ما ينبغي أن يكون سريعًا...
والآن عزيزي القاريء، بعد أن استعرضت معك شاهدين كتابين (تك٥: ٢١- ٢٤، يه١٤، ١٥) من الثلاثة شواهد التي تكلمت عن أخنوخ في الكتاب المقدس.. أريد أن أضع أمامك عزيزي الشاهد الثالث وهو من الرسالة إلى العبرانيين، وسأختم لك قارئي هذا المقال بهذا الشاهد الكتابي بدون تعليق مني عليه، وأتركك للروح القدس الذي يلمعه أمامك ويكلمك من خلاله:
يا روح الله.. يا روح الحكمة والإعلان..
لتُنر عيون أذهاننا.. فنفهم..
كم نحتاجك.. كم نحتاج لمساتك.. همساتك المُحيية..
إجذبنا وراءك فنجري.. إجذبنا فنصير جيلاً بحسب قلبك..
جيل حقيقي.. يمتلك.. يُعلن ملكوتك..
ليس جيل كلمات.. لكن جيل قوة!!.. جيل ينقل الجبال!!
فملكوت الله ليس بكلام... بل بقوة!!
           ثروت ماهر/ إبريل 2012