الاثنين، 29 يوليو 2019

ثبِّت وَجهَك!



ثبِّت وَجهَك!

بقلم الأخ/ ديفيد عاطف

خدمة السماء على الأرض - مصر

۱. مقدمة:
فلو ذكروا ما خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع (عب ١١: ١٥)، ذكر كاتب العبرانيين هذه الكلمات عن أبطال الإيمان.
التفكير فيما نتركه ورائنا يبقينا كما نحن، أو يرجعنا لأراضي قديمة، سبق وخرجنا منها.
لذلك ينبهنا الكتاب؛ "اذكروا إمرأة لوط" (لو ١٧: ٣٢)، التي صارت عمود ملح عندما نظرت للوراء (تك ١٩: ٢٦).

۲. بعض أسباب النظر للوراء/ التفكير فيما تركناه وراءنا:
هذه بعض الأسباب التي قد تدفعنا للنظر / التفكير فيما خرجنا منه؛
أولاً- الفضول؛ كأن نسعى لأن نعرف ما وصلت إليه أرض تركناها، كمنطقة، كخدمة، كأرض روحية. الفضول أحيانًا ينبع من التكبر ومحاولة مقارنة ما وصلنا إليه بما تركناه خلفنا. قد تتمادى في تجربة يدك أو قدمك بعد فترة علاج لتتأكد من أنها قد تعافت تمامًا للدرجة التي تؤدي إلى تجدُّد الإصابة!
ثانيًا- إشتياقات كامنة لم يتم التعامل معها عند الانتقال؛ كحال بني إسرائيل بعد خروجهم من أرض مصر؛ "قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم" (عد ١١ : ٥).
ثالثًا- الخوف من المجهول؛ فأحيانًا نختار البقاء في عبودية نعرف أبعادها وأسبابها ونستطيع أن نتكلم عنها (بحُرِّيَة!!)، ونستحسن أن نقف أمام الرب في مكان المُستعبَد، من أن ننتقل لأرض جديدة من الرحب والإتساع والحرية، نعتمد فيها على المشي على الماء والإستناد على شخص الحكمة في المسير. يتأصل هذا السبب في التمركز حول الذات، والخوف والشفقة عليها!
وعلاج الثلاثة أسباب هو أن نموت عن العالم وعن الذات؛ وأحد معاني الموت هذا، ألا نتحرك بناءًا على ما نشعره بل بناءًا على ما يحركنا هو تجاهه! الإماتة ليست سهلة، لكنها ضرورية للإنتقال من أرض لأرض!
سيأتي العدو - ولابد أن يأتي - عند عنق الزجاجة ونحن نعبر خارجين، فقط ليذكرنا برحب الزجاجة، ليغرينا بالرجوع، ليأخذ عيوننا عن قضية المسيح، واللحظة التي نفقد فيها رؤيتنا لما سنذهب إليه، نفقد قوة الدفع / عزم الموتور الروحي الذي يدفعنا للخروج نحو الرحب والإتساع.

۳. النظر للأمام مُعلن في الكلمة:
هناك آيات كثيرة تتكلم عن النظر للأمام وعدم الرجوع للخلف؛ يمكن أن نتأمل فيها، وندع الروح القدس يحفر بداخلنا هذا المبدأ الروحي:
"
وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبَّت وجهه لينطلق إلى أورشليم. وأرسل أمام وجهه رسلًا فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم" (لو ٩: ٥١-٥٣).
"
فقال له يسوع: 'ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله'" (لو ٩: ٦٢).
"
أيها الإخوة، أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العُليا في المسيح يسوع" (في ٣: ١٣-١٤).
لاحظ في الآيات الآتية إرتباط الحضور الإلهي بالنظر للأمام، ولينير الرب أمامنا أن الإنتقال يتم تحت ثقل حضور الرب، وحضوره هو ما يقطع حتى الروابط الطبيعية التي لا يمكن كسرها بمباديء الطبيعة / الغريزة / الچينات.
"ففعل الرجال كذلك، وأخذوا بقرتين مُرضعتين وربطوهما إلى العَجَلة، وحبسوا ولديهما في البيت، ووضعوا تابوت الرب على العَجَلة مع الصندوق وفيران الذهب وتمثال بواسيرهم. فاستقامت البقرتان في الطريق إلى طريق بيتشمس، وكانتا تسيران في سكة واحدة وتجأران ولم تميلا يمينًا ولا شمالًا، وأقطاب الفلسطينيين يسيرون وراءهما إلى تخم بيتشمس" (١صم ٦: ١٠-١٢).
كما نرى في رؤيا حزقيال لعرش الله وشبه الأربعة حيوانات التي تحمل العرش أنهم:
"... لم تدر عند سيرها. كل واحد يسير إلى جهة وجهه" (حز ١: ٩) وراجع أيضًا (حز ١: ١٢) (حز ١٠: ٢٢).

٤.  إرتباط النظر بالفكر:
إن ما تنظره تفكر فيه، وما تفكر فيه ما هو في الحقيقة إلا صورة ذهنية تنظر إليها بداخلك!
فإن كانت حواسنا (مختونة / مكرسة / مخصصة) للرب سينتج عنها صور ذهنية ومشاعر مقدسة.
وما إرتباط هذا بالموضوع؟ هذه عينها هي الدائرة التي يلقي فيها العدو سمومه وأفكاره ومشاهده عند الإنتقال من أرض لأرض!
قد يريك موقف، ويجعلك ترى الجانب السلبي فقط فيه، لكي ما يستخدمه كبوابة يفتح من خلالها ألبوم صور هزائم سابقة أحتفظ به في أحد الأدراج! فقط ليقول لك بعدها، لن تعبر! هذا أنت! هذه حياتك! لا أمل لك في العبور، ولا خروج لك من عبودية! فتبدأ تنحصر في ذاتك وتكتئب، وهذا يمنع العبور!
وقد يتجاوز العدو بوابة الجسد الحسية، ويلقي بكآبة / ثقل على نفسيتك لا تعرف مصدره الأساسي، فلا يوجد موقف واضح يستدعي كل هذا الحزن والضيق، هذه أحد تأثيرات أرواح الشر، اعلن قوة دم يسوع على حياتك، ودع الروح يقودك في وسيلة النصرة التي يعينها من سجود، تسبيح، إعلان الكلمة... ما يراه مناسبًا!
لا أريد أن أتمادى في شرح وسائل العدو، قدر ما أريد أن أُعلِّق كذبه على لوحة أمامك!
كل مرة يأتي فيها العدو بادعاءاته، نادِ بكل قلبك على يسوع المصلوب الذي سحق الشيطان، لكي لا يكون للعدو حق فيك!
إذا ذكَّرك العدو بماضيك، تغطى بدم يسوع، وذكِّره بمستقبله في بحيرة النار والكبريت، وقل له في وجهه: "آخر مرة تحققت من سفر الرؤيا، وجدت أن يسوع انتصر"!
وكل مرة تشعر أن قنواتك عَلَقَ بها أي سموم من العدو، إلجأ للكلمة فهي تنقي البوابات والوصلات الداخلية. سأتركك مع هذه الآيات ليلمس الحق ذهنك فيتجدد ويستنير، وتذكر ألا تدع أي صورة ذهنية أو مشاعر تعيق تقدمك وعبورك ولا تعود تتذكر ما خرجت منه، دع الرب يمحيه من ذاكرتك!
"
لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته. وليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (عب ٤ : ١٢، ١٣).
"
لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (١كو ٢ : ٢).
"
أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل ٣ : ١).
"
لأنك تنسى المشقة كمياه عبرت تذكرها" (أي ١١ : ١٦).
لاحظ يوحنا وهو يكرس الحواس في بداية رسالته لينقلنا نحن الذين نقرأ رسالته لنفس مستوى التكريس بالروح، وهذه هي أحد أسرار إنتقال الحياة من الرب لنا؛ أن نراه، نلمسه، نسمعه:
"
الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نُخبركم به، لكي يكون لكم أيضًا شركةٌ معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (١يو ١: ١-٣).
لاحظ إرتباط رؤية الأرض بالنظر للرب:
"
الملك ببهائه تنظر عيناك. تريان أرضًا بعيدة" (أش ٣٣: ١٧).

٥. خاتمة:
أخيرًا، أشعر أننا في زمن عبور، وإرتحال. لا تدع العدو يوهمك بأي طريقةٍ كانت أن العتيق أطيب (لو ٥: ٣٩)، أطلب من الرب أن يُصلِّب جبهتك كما فعل مع حزقيال (حز ٣: ٨، ٩). ضع تركيزك على الرب فقط، وما يقوله هو فقط (أش ٤٢: ١٩). إخضع لسلطان الكلمة، فهي قادرة أن تعطيك تمييز وتوجهك للإنتقال من مجد لمجد، ومن قوة لقوة، ومن إيمان لإمتلاك لإيمان أعظم لإمتلاكات أعظم، ومن عبور لعبور، ومن حرية لحرية، ومن أرض لأرض، ومن خدمة لخدمة. تلامس مع شخص الحكمة دائمًا وأطلب تيارات حياته تسري فيك، ويُقودك دائمًا في موكب نصرته (٢كو ٢: ١٤).
هذا الكلام أشعر أنه موجه لي بالأساس، وأشاركك به حتى نعبر معًا عبور الرب، لنفرح معًا بصنيع الرب معنا، ونخدمه ونخدم قضيته في إسترداد النفوس بقية أيام حياتنا!

ديفيد عاطف
يوليو ۲۰۱۹
خدمة السماء على الأرض - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق