الخميس، 3 مارس 2016

أخنوخ... صداقة وأسرار..




جيل يُخلَق للرب....

الجزء الثاني: أخنوخ.. صداقة وأسرار..
 
في الجزء الأول من هذه السلسلة.. سلسلة مقالات "جيل يُخلق للرب".. تحدثنا عن إيليا والمعمدان كرمز نبوي لجيل الأيام الأخيرة (راجع: http://www.khwaterro7ya.blogspot.com.eg/p/blog-page_20.html)
 

في هذا المقال نتحدث عن أخنوخ...

 

أخنوخ... رمز آخر من الرموز والشخصيات التي تشير إلى الجيل الذي يصنعه الرب في الأيام الأخيرة..

يتحدث لنا الكتاب المقدس عن أخنوخ في ثلاثة شواهد، اثنين في العهد الجديد، في الرسالة إلى العبرانيين وفي رسالة يهوذا.. وواحد في العهد القديم، في سفر التكوين، ويُمكِن اعتبار هذا الشاهد في سفر التكوين هو الشاهد الأساسي، لأنه يحكي قصة أخنوخ، وإن كان يحكيها باختصار شديد.

في سفر التكوين، والإصحاح الخامس، يكتب موسى بالروح القدس (موسى هو كاتب الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس):

"وَعَاشَ أَخْنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ مَتُوشَالَحَ. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَمَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَمِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. َكَانَتْ كُلّ ُأَيَّامِ أَخْنُوخَ ثَلاَثَمِئَةٍ وَخَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ." (تك٥: ٢١- ٢٤)

يا لها من آيات موجزة جدًا.. ثلاث آيات تحكي لنا قصة حياة هذا الرجل!!.. وعلى الرغم من هذه الكلمات الموجزة عن حياة أخنوخ، إلا أنها تحوي لنا أسرارًا عظيمة!!.. فبالإضافة إلى أن أخنوخ قد أخذه الله وانتهت حياته على الأرض بالاختطاف في إشارة عجيبة إلى جيل الأيام الأخيرة، إلا أن هذا ليس كل شيء، فتفاصيل حياة هذا الرجل تحوي الكثير من الأسرار والدروس التي يعطيها الله لأجيال الأيام الأخيرة، وهذا ما سنراه بالتفصيل في الكلمات الآتية..

 

الكلمة النبوية والإعلان:

عاش أخنوخ في الخمس وستين عامًا الأولى من حياته رجلاً عاديًا.. لا نعرف عنه معلومات مؤكدة حتى هذه السن، وإن كنت مقتنعًا أنه عاش هذه الخمس والستين عامًا مؤمنًا يتقرب إلى الله، وكان عنده علاقة حقيقية مع الرب.. أعتقد أنه كان يتمتع بحياة فيها مقدار من الشركة مع الله، ولكن بالتأكيد كان الرب مُشتاقًا لأن يدخل مع أخنوخ في مستوى أعمق من الشركة.. مستوى يمتليء بالإعلانات والمفاجآت الإلهية!!..

عند سن الخامسة والستين، هذا الشيخ دخلت علاقته مع الرب بعدًا جديدًا.. إذ أخذ إعلانًا من الله عن الآتيات!! وهذا الإعلان غيّر شكل حياته بالكامل!!.. وهكذا عزيزي، هذا الجيل الذي يصنعه الرب في هذه الأيام.. تحدث لهم تغيرات إلهية عجيبة بسبب مقابلات الروح الذي يملأهم بحكمته وإعلاناته!!.. قد تتقابل مع أشخاص مؤمنين وعلاقاتهم مع الرب حقيقية.. لكنهم يعيشون بعيدًا عن دائرة الإعلان.. بعيدًا عن الريما (الكلمة الإعلانية) اليومية.. ثم تغيب وقت وتقابلهم من جديد، فإذا بنور الحكمة والإعلان يشرق من عيونهم!! ما الذي حدث لهم؟! تقابلوا مع روح الحكمة والإعلان مقابلات حية حقيقية جديدة.. استقبلوا إعلانات الروح، فظهر على وجوههم لمعان الإعلان.. غمرهم الروح بزيته الذهبي الذي يلمع الوجه!!.. تغيرت حياتهم وعوضًا عن الحياة الطبيعية صاروا من الجيل الذي يصنعه الرب للأيام الأخيرة!!

هكذا أخنوخ.. تقابل مع روح الحكمة والإعلان، واستقبل إعلانات الله.. فتغيرت حياته بالكامل!!.. يخبرنا الكتاب أن أخنوخ وهو في الخامسة والستين ولد متوشالح.. وعندما ندرس معنى اسم متوشالح، نكتشف الإعلان الذي أعطاه الرب لأخنوخ في وقت ولادة هذا الابن. تخبرنا الدراسات العبرية الحديثة، أنه عند تقسيم اسم "متوشالح" بطريقة مختلفة عن الطريقة التي كان مُتعارف عليها في الدراسات القديمة، فإن الاسم يعطي معنى "الذي عند موته، يحدث اندفاع"!!

والسؤال الآن، ما الذي أعلنه الله لأخنوخ وجعل أخنوخ يطلق على إبنه هذا الاسم الغير معتاد (متوشالح) الذي يعني (عند موته سيحدث اندفاع)؟!!.. الإجابة نجدها عندما نبحث عما حدث عندما مات متوشالح ابن أخنوخ، ما هو الاندفاع الذي حدث في السنة التي مات فيها متوشالح؟ الإجابة أن هذا الاندفاع ما هو إلا الطوفان!! فبحساب تواريخ سفر التكوين، نجد أن الطوفان أتى في نفس العام الذي مات فيه متوشالح ابن أخنوخ!! عاش متوشالح ٩٦٩ عامًا، وهو أطول عمر لإنسان على الأرض.. وبعد موته مباشرة، أتى الطوفان في نفس العام!!.. وبمعرفة هذه الأمور، نفهم سر الإعلان الذي أعطاه الرب لأخنوخ عند ولادة متوشالح!! لقد أعلن الرب لأخنوخ أنه آتٍ بطوفان على الأرض.. قبل هذا الطوفان بتسعمائة وتسع وستين سنة!! وأن هذا الطوفان لن يأت إلا عند موت متوشالح، ابن أخنوخ حديث الولادة.. الذي عاش ٩٦٩ سنة !! وكأن الرب بكلمات أخرى قال لأخنوخ "انظر يا أخنوخ.. إبنك الذي أعطيته لك سيحيا حياة طويلة، ولكن عندما يموت، سأرسل في نفس العام طوفانًا على الأرض!!"..

وفهم أخنوخ الرسالة الإلهية.. آمن بالإعلان.. بالكلمة النبوية.. والكلمة النبوية صنعت بداخله إرسالية!!.. فقرر أن يُطلِق على إبنه اسم "متوشالح" ليُذَكِر الناس جميعًا بأن الله سيُرسِل طوفانًا على الأرض بسبب الخطية.. ولكي يتذكر كل من يرى متوشالح، أن زمن التوبة موجود طالما متوشالح لم يمت بعد.. ويا للعجب، أطال الله في عمر متوشالح حتى صار أطول الأعمار على الأرض، ليعلن الرب أن زمن التوبة أطول بكثير من زمن الدينونة!!

والآن، وبعد عرض هذه التفاصيل الدراسية، أعود معك مرة أخرى عزيزي، إلى أخنوخ كرمز للجيل الذي يصنعه الرب.. يصنع الرب جيلاً أذانه مفتوحة لاستقبال إشارات الروح.. يصنع جيلاً وديعًا.. قابل أنّ حياته تتشكل بإعلانات الله.. قابل لأن يُنقَل إلى مستويات جديدة من المعرفة الإلهية مثل أخنوخ.. جيلاً لا يتمسك بإنجازاته حتى الروحية منها، ويصنع لها تماثيلاً يدور حولها!! أنه جيل لسان حاله "أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام.. أنا ما أنا بنعمة الله.."!! يصنع الله جيلاً يستقبل الإعلان النبوي يحتضنه بداخله، فهو عنده أغلى من كل كنوز العالم.. ومن هذا الإعلان تولد الإرساليات الحقيقية!! إرساليات الكرازة للخليقة كلها!!

أصدقاء الروح..

أصدقاء الروح!!.. يدعونا الله كجيل من وسط أجيال تحيا الأيام الأخيرة.. يدعونا لنكون أصدقاء له!! نعم أصدقاء.. قال يسوع أنه قد دعانا أحباء (يو١٥:١٥).. كلمة أحباء في الأصل اليوناني تترجم أيضًا أصدقاء مقربين جدًا!! يريدنا الرب أصدقاء مقربين له يبوح لنا بأسراره، أليس سر الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم؟!.. وهكذا كان أخنوخ!!

لم يكتف الله بأنه أعلن عن الطوفان لأخنوخ كما رأينا، لكنه أيضًا وضع على فمه كلمات، يرى الكثير من الدارسين أنها كلمات تشير إلى المجيء الثاني للرب يسوع!! تخبرنا رسالة يهوذا (آخر رسائل العهد الجديد) أن أخنوخ تنبأ قائلاً: "هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه١٤، ١٥).. وعلى الرغم أن هذه الكلمات يمكن أن تُرى على أنها تتكلم عن دينونة الرب للخطاة وقت الطوفان، وهذا صحيح.. إلا أنها أيضًا بالتأكيد تتكلم عن المجيء الثاني للمسيح.. فتح الرب عيني أخنوخ لآلاف السنين في المستقبل ليرى يسوع وهو آت مع ربوات قديسيه، ليصنع دينونة على غير المؤمنين!!

لمِا أعلن الرب لأخنوخ عن كل هذا؟!! الإجابة التي أحبها "لأنهما صديقان"!!.. بالتأكيد كان عند أخنوخ اهتمامات شخصية، فالكتاب يخبرنا أن أخنوخ بعدما ولد متوشالح، ولد بنين وبنات آخرين.. فأخنوخ كان عند عائلة، وبالتأكيد كان يحب أن يشارك الله بما يحياه مع عائلته، وبالمستقبل الذي كان يريده لأبنائه وبأمور أخرى كثيرة!! لكن العجيب أن الله أيضًا كان يحب أن يشارك أخنوخ بأمور مستقبله (إن جاز التعبير، فالله أكبر من الزمن!!).. وكانت أحد أمور المستقبل الإلهية هي المجيء الثاني للرب، فقرر الله أن يشارك أخنوخ به.. أخذ الله أخنوخ إلى البعد الزمني الإلهي.. فرأى أخنوخ ما لم يتم حتى يومنا هذا!! ما أعجب النعمة!!

يبحث الله في هذه الأيام الأخيرة عن أصدقاء!! تحمل الأيام الأخيرة الكثير من الحوادث والأمور الغير معتادة.. ويريد الرب أن يفتح عيوننا على كلمته بإعلان لنفهم ما ينبغي أن يكون سريعًا...

والآن عزيزي القاريء، بعد أن استعرضت معك شاهدين كتابين (تك٥: ٢١- ٢٤، يه١٤، ١٥) من الثلاثة شواهد التي تكلمت عن أخنوخ في الكتاب المقدس.. أريد أن أضع أمامك عزيزي الشاهد الثالث وهو من الرسالة إلى العبرانيين، وسأختم لك قارئي هذا المقال بهذا الشاهد الكتابي بدون تعليق مني عليه، وأتركك للروح القدس الذي يلمعه أمامك ويكلمك من خلاله:


يا روح الله.. يا روح الحكمة والإعلان..

لتُنر عيون أذهاننا.. فنفهم..

كم نحتاجك.. كم نحتاج لمساتك.. همساتك المُحيية..

إجذبنا وراءك فنجري.. إجذبنا فنصير جيلاً بحسب قلبك..

جيل حقيقي.. يمتلك.. يُعلن ملكوتك..

ليس جيل كلمات.. لكن جيل قوة!!.. جيل ينقل الجبال!!

فملكوت الله ليس بكلام... بل بقوة!!

ثروت ماهر/ إبريل 2012
 
 
 

 
 
  • لقراءة الجزء الأول من سلسلة جيل يُخلق للرب "إيليا والمعمدان"... اتبع الرابط الآتي: http://www.khwaterro7ya.blogspot.com/p/blog-page_20.html
  • قريبًا الجزء الثالث من سلسلة جيل يُخلق للرب: جيل أشــير ...
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق