عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ
ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ...!
... وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ
لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ
مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ
بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ». أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ
فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ:«يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى
إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ
الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ
الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي
كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع ١: ٤ – ٨).
تعجبت جدًا، هذه المرة، وأنا أقرأ
هذه الأعداد الأولى من سفر أعمال الرسل. والحقيقة أنني قرأت قبلاً هذه الأعداد مرات
كثيرة، ولم أجد فيها أي شيء غير تقليدي، وطالما مررت عليها مرور
الكرام، شأني شأن كثيرين، وذلك لكي أدخل إلى الأحداث المثيرة التي تليها من حلول
الروح القدس والأعمال المعجزية التي قام بها الروح القدس مُستخدمًا التلاميذ. ولكن،
استوقفني الروح القدس هذه المرة وأنا أقرأ، ووجدت سؤالاً يرن بداخلي بإصرار... ما
هذا الأمر الذي سأل عنه التلاميذ يسوع، لقد سألوه: «يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ
تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟».. ترد الملك لإسرائيل!! للمرة الأولى أجد
سؤال التلاميذ مَبعَث دهشة بالنسبة لي، بل واعتقد أنه كان كذلك بالنسبة لهم هم
شخصيًا بعد الامتلاء بالروح القدس في يوم الخمسين... فالرب يسوع له كل المجد كان
يأمرهم بألا يبرحوا أورشليم حتى يُرسل لهم المعزي الروح القدس، بينما هم يسألونه
هل يمكثون في أورشليم إلى أن يُرَد لهم المُلك!! هو يتكلم إليهم عن حلول الروح
القدس عليهم كألسنة من نار وملئه لهم بالمواهب والثمار وهم يسألونه عن توقيت
المُلك الأرضي!! هو يتكلم عن الروحيات المُزْمَع نوالها، و هم يسألونه عن رد
المُلـك الأرضي!! تعجبت جدًا من هذه المفارَقَة وأدهشني هذا الاختلاف الجوهري بين
ما يقوله المسيح في
هذا الموقف وما فهمه التلاميذ آنذاك، ولكن ما أثار دهشتي أكثر وأكثر كان رد المسيح
عليهم... فالمسيح لم يحاول أن يشرح لهم كيف أنهم يسألونه سؤالاً لا علاقة له بما
يكلمهم فيه!! ولم يحاول مثلاً أن يشرح لهم أنه يتكلم عن معمودية الروح القدس،
بينما هم يسألونه عن المُلك الألفي الذي لم يحن زمانه بعد، ولا يستطيع أي شخص أن
يتوقع توقيت بدايته بدقة حيث أنه مرتبط ارتباطًا مباشرًا بنهاية زمن الكنيسة
والمجيء الثاني للمسيح... لم يحاول المسيح أن يشرح أو يوضح أو يُرسي تعليمًا، مع
أن الفرصة بدت وكأنها فرصة مناسبة لإرساء الكثير من التعاليم عن معمودية الروح
القدس أو عن تعاليم الأخرويات.[1]
ولكن العجيب أن المسيح ردَّ عليهم بقاعدة روحية وقانون روحي مناسب لتوقيت سؤالهم
ألا وهو "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا
الآبُ فِي سُلْطَانِهِ"، كما تنبأ عليهم، له كل المجد، بكلماته الإلهية ذي
السلطان أنهم سينالون قوة متى حلّ عليهم الروح القدس.
لماذا لم يوضح المسيح؟؟ لماذا لم
يشرح؟
بينما أنا مُستغرق في أفكاري،
مُحاولاً استنتاج منطق الرب في إجابته على التلاميذ، فجأةً أشرق سؤال آخر بداخلي،
سؤال طالما سأله كثيرون ولازال يُسأل من كثيرين إلى الآن...إنه استفهام حول الأمور
التي يبدو أنها قد تعرضت للتغيير من العهد القديم إلى العهد الجديد... والتي يبدو
للوهلة الأولى وكأن الله قد غيَّر رأيه فيها... أو كأنَّ الإله الذي كتب الأمور
الأولى غير ذاك الذي كتب الأمور الأخرى!! فمثلاً نجد في العهد القديم، وتحديدًا في
سفر اللاويين: "وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ
كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا
أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ" (لا ٢٤: ٢٠)،
بينما نجد المسيح في العهد الجديد في إنجيل متى يقول لنا: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ
قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا
الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا.
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا..."
(مت٥: ٣٨) ما هذا؟ لماذا هذا الاختلاف ؟ أليس مَن أعطى الوصية الأولى هو نفسه مَن
أعطى الوصية الثانية ؟!... بل ما هذا ؟؟ ما علاقة هذا الموضوع، الاختلاف بين
وصايا العهدين، بالموضوع الأول؛ سؤال التلاميذ حول المُلك وإجابة الرب عليهم؟! ما
العامل المشترك بين الموضوعين؟!
هل هناك إجابة واحدة تفسر عدم مناقشة الرب لسؤال
التلاميذ في أعمال الرسل، وفي نفس الوقت تفسر أيضًا التباينات بين وصايا العهد
القديم ووصايا العهد الجديد؟!
تساءلت متحيرًا ومصليًا....
بهدوء شديد بدأت الإجابة تلمع
بداخلي، وبدأت أدرك المشترك بين الموضوعين... ما الذي جعل المسيح لا يحاول أن
يشرح للتلاميذ معمودية الروح القدس؟ الإجابة نجدها على فم المسيح نفسه في إنجيل
يوحنا، إذ يقول للتلاميذ: "إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ،
وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ
ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ
يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ
بِأُمُورٍ آتِيَةٍ" (يو١٦: ١٢، ١٣).
بحسب كلمات المسيح نفسه، فإن المسيح
لم يحاول أن يتكلم بالتفصيل عن معمودية الروح القدس التي كان التلاميذ مُزمعين أن
يقبلوها لعلمه بأن هذا أمر اختباري، لابد أن يحدث كيانيًا لكي يُفهَم... لم يستطع
أن يشرح لهم، لأنهم ما كانوا ليحتملوا، أو ما كانوا ليفهموا، لأن الاختبار الكياني
لم يكن قد حدث بعد.. لكي يفهم التلاميذ معنى معمودية الروح، كان لابد أن يعتمدوا
بالروح.. سُأِل القديس باسيليوس (من القرن
الرابع الميلادي) ذات
مرة: "كيف عرف التلاميذ أنهم هكذا امتلأوا بالروح يوم الخمسين، على الرغم من
عدم اختبار أي شخص لهذا الأمر قبلاً؟" – أجاب باسيليوس: "لآنهم نظروا
بداخلهم فوجدوا الروح القدس!".. لم يعطي المسيح وصفًا لاختبار الروح، لأن هذا
اختبار، يُقبَل ذاتيًا، فيصنع تغييرًا كيانيًا، وعندئذ يُفهَم ويُعَبَر عنه
شخصيًا..
إن ما فعله المسيح، الكلمة
المُتجسد، في هذا الموقف؛ في اجابته للتلاميذ، هو بالضبط ما فعله بذاته الإلهية
منذ آلاف السنين عندما وضع القوانين الأدبية في العهد القديم، ثم عاد وارتقى بها
في العهد الجديد – وبالتأكيد في هذا إثبات على ألوهية يسوع المسيح – كيف هذا؟!
سؤال أسمعه من قارئي العزيز..!!
لينتبه معي قارئي العزيز.. كما
أن المسيح لم يناقش التلاميذ لأنه كان يعرف حدود خبرتهم آنذاك جيدًا، فالروح
لم يكن قد عمد أيًا منهم بعد، ولم يكونوا قد لبسوا قوته بعد، ولذا فإنهم ما كانوا ليفهموا
ما المقصود بقوة الروح قبل حلوله عليهم، فقد كانوا محتاجين لاختبار معمودية الروح
لكي يفهموا ماهية هذا الاختبار... هكذا
أيضًا فإنه بذاته الإلهية في العهد القديم، قبل التجسد، أي قبل أن يصير الله
الكلمة جسدًا ويحل بيننا، قبل أن تظهر نعمة الله الفائقة ومحبته الغير مشروطة
وغفرانه المُتسع للجميع في شخص الرب يسوع، قبل كل هذا كان من المستحيل أن يطلب
الله من الإنسان أن يحب عدوه ولا يجازي العين بالعين والسن بالسن! فقبل تجسد
الكلمة كان الإنسان، كيانيًا، غير قادر، فناموس الخطية كان هو الناموس المُتَحَكِم
في الإنسان بالكامل، إذ كان الإنسان ميت بالذنوب والخطايا، "وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا
فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ
الْخَطَايَا" (كو٢: ١٣). ولهذا فإن الله كان يتكلم إلى بشر تحت ناموس الخطية،
والذي كان يمكن أن يغير طبيعتهم، أي تجسد الكلمة، لم يكن قد أُعطِيَّ بعد. فالمحبة
لم تكن قد أظهرت بعد بصورة كاملة كما أظهرت في شخص الرب له المجد. كان الله لايزال
يلقن الإنسان دروسه الأولى في أن النفس في الدم و أنه لابد من الدم للتكفير عن
الخطية، وكل هذه الأمور التي كان الإنسان يخطو خطواته الأولى في إدراكها...وعلى
هذا فإن استقبال الإنسانية لوصايا المحبة الغير مشروطة والبذل والعطاء والتسامح
والغفران كان مستحيلاً... فالبشرية لم تكن قد استقبلت إعلان الحب الغير مشروط...إعلان
يسوع المسيح... على هذا لم يكن حتى لديها مجرد القدرة على تخيُل إمكانية هذا النوع
من المحبة... ولهذا فإن الله، من عدله ورحمته على الإنسان، لم يتكلم في العهد
القديم بتلك الكلمات التي تكلمها بعد آلاف السنين في شخص الرب يسوع. فعلى سبيل
المثال لو تكلم الله في العهد القديم بمبدأ مَن لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر،
لم يكن الإنسان قد فهم أصلاً، وحتى لو فهم وحاول التنفيذ كان سيفشل فشلاً
ذريعًا... فمن أين له بالقوة والمسيح لم يسكن بداخله؟! وأين له بهذا
المستوى من التقوى وسر التقوى لم يستعلن بعد... فإن سر تقوانا، وسر كل تقوي،
هو ظهور الله في الجسد.. تجسد الكلمة.. "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى:
اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ..." (١تي٣: ١٦).
وعلى هذا فإن الله، قبل التجسد، قد
اكتفى بوضع تلك القوانين الأدبية التي تقوم على العدل المطلق، والتي ليس بها أي
ظلم أو أي شائبة تعدٍ، وذلك في رأيي لسببين- السبب الأول: أن يفكر الإنسان جيدًا
قبل أن يخطيء ويتذكر أنه كما سيفعل، فهكذا سيُفعَل به أيضًا، وهذا يجعله يختار أن يحيد
عن الشر ويحاول أن يلفظه. والسبب الثاني: أن الإنسان يحتاج إلى الاستعلان الإلهي
لكي يفهم – فمثلاً كما أشرنا قبلاً، لكي يفهم التلاميذ معنى الملء بالروح، كان
لابد من اختبار قوة الروح نفسه – وهكذا أيضًا لكي يفهم الإنسان معنى المحبة
الغافرة الغير مشروطة، كان لابد للإبن يسوع المسيح أن يتجسد، لكي يحل بالإيمان فينا...
هلليلويا... الله في المسيحية لا يعطينا وصايا ويتركنا لنصارع معها بقوتنا، إنه
يعطينا الوصية ويعطي لنا ذاته معها، لنجد الاستنارة لفهم الوصية ونجد أيضًا القوة
على تنفيذ الوصية...
ومن المؤكد، والعجيب، أننا لو تأملنا القوانين
الأدبية التي وضعها الله في العهد القديم، فإننا نلاحظ أمرين:
الأمر الأول:
أن هذه القوانين هي نفس القوانين التي تطبق في يومنا هذا في العالم وبين غير
المؤمنين بكونها العدل المطلق وهذا بالتأكيد ليس بظلم! فمن يقول مثلاً أن إعدام
قاتل هو ظلم؟! لا يوجد.. وكأنه من دون المسيح والإيمان به، وبدون حلوله في القلب
"لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أف٣: ١٧) تصبح
هذه القوانين هي قمة العدل والرقي في نظر العالم المَعمِىّ عن النعمة المسيحية... أما الأمر الثاني فهو: أنه
على الرغم من نظرتنا نحن المؤمنين الآن لهذه القوانين على أنها كانت عنيفة جدًا
وقاسية، وهذه النظرة بالطبع هي نتاج الطبيعة الجديدة التي ملأتنا بمعاني الحب
والغفران والتضحية، على الرغم من هذا الرقي الذي نشأ فينا بفعل ميراث الخلاص، فإن
الإنسان القديم فشل حتى في احترام هذه القوانين؛ إلا نفر قليل من الناس الذين
استطاعوا أن يلتزموا، و إن كان في أحيان كثيرة لم يكن التزامًا كاملاً. مما يثبت
أن هذه القوانين كانت أسمى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان آنذاك، بدون عمل الصليب والولادة
الجديدة. وحتى هذا استخدمه الله بنعمته لصالح الإنسان، فقد استخدم الله فشل
الإنسان في طاعة القوانين الأدبية الناموسية ليُعَرِف الإنسان بواسطة هذا الفشل
أنه يحتاج إلى قوة أعظم من قوته الإنسانية ليصل حتى إلى تحقيق هذا المستوى المبدئي
من الوصايا. وقد عبَّر الرسول بولس عن هذا بالروح القدس، إذ يقول: "فَهَلِ النَّامُوسُ
ضِدُّ مَوَاعِيدِ اللهِ؟ حَاشَا! لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ،
لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ الْبِرُّ بِالنَّامُوسِ. لكِنَّ الْكِتَابَ أَغْلَقَ عَلَى
الْكُلِّ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ، لِيُعْطَى الْمَوْعِدُ مِنْ إِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. وَلكِنْ قَبْلَمَا جَاءَ الإِيمَانُ كُنَّا مَحْرُوسِينَ تَحْتَ
النَّامُوسِ، مُغْلَقًا عَلَيْنَا إِلَى الإِيمَانِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ. إِذًا
قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ"
(غل٣: ٢١ - ٢٤).
وإنها حقًا لنعمة غنية – بالإيمان
بيسوع المسيح يجد الإنسان نفسه قد فاق أيضًا معيار هذه الوصايا الأدبية، ليصبح
معياره هو معيار الرحمة والتسامح والغفران، والتي ملخصها هو استعلان كلمة الله الأزلي
الأبدي بقلب الإنسان. كلمة الله الذي كان في البدء "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ"
(يو١: ١)، والذي صار جسدًا "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو١: ١٤). وعندئذ
نفهم سر هذه التقوى التي نجدها بداخلنا، والتي ينبغي أن يجدها كل مؤمن حقيقي
بداخله، والتي عبر عنها الرسول بولس بالروح القدس لتلميذه تيموثاوس في الرسالة
الأولى، قائلاً: "وَبِالإِجْمَاعِ
عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ..." (١تي٣: ١٦). فإن
سر التقوى يَكمُن في ظهور الله في جسد بشريتنا... والمحرك الذي يجعل التقوى
حقيقة يمكن أن نعيشها هو ظهور الله في الجسد، إذ قبل ظهور الله في الجسد كان هذا
المستوى من التقوى سرًا مستحيلاً على البشرية اكتشافه أو فهمه أو الخوض فيه،
بالضبط كما كانت قوة الروح القدس قبل حلوله يوم الخمسين سرًا لا يمكن للتلاميذ أن
يكتشفونه أو يفهموه إلا بعد أن يقبلوه ويتعمدوا به.
دكتور / ثروت ماهر
كُتِبَت في مارس ٢٠٠١
نُقِحَت وزِيدَت في يناير ٢٠١٦
[1] تعاليم الأخرويات: هي التعاليم
المُختصة بالأحداث الأخيرة مثل المجيء الثاني للمسيح و نهاية العالم و المُلك الألفي..
إلخ...
الرب يباركك يا رجل الله د. ثروت ماهر
ردحذف