الأربعاء، 24 أغسطس 2011

استعلان الهوية.. والامتـــلاك



استعلان الهوية.. والامتلاك...

(كهنوت مقدس... كهنوت ملوكي)

"يُمكنك أن تعيش ملك..." هو عنوان عظة مميزة ومَمسُوحة بالروح القدس، سمعتها منذ حوالي عشرين عامًا... وعلى الرغم من أنني لا أستطيع أن أتذكر معظم ما جاء بهذه العظة المَمسُوحة، إلا أن الروح القدس، وبينما أفكر في كلمات هذا المقال، أضاء أمامي عنوانها بحروف ذهبية...

"يمكنك أن تعيش ملك"... يُعبر هذا العنوان المميز لهذه العظة عن دعوة الله العليا لحياة كل مؤمن حقيقي... كل مَن يُؤمن بالرب يسوع المسيح كمخلص شخصي، كل مَن يحتمي بالدم الثمين، كل مَن يُعلن يسوع ملكًا على حياته بالروح والحق.. تصير هذه الدعوة حقًا له!!... يكتب الرسول بولس بالروح القدس إلى أهل رومية قائلاً: "الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح.." (رو٥׃ ١٧).. كما يكتب الرسول يوحنا في بداية سفر الرؤيا: "ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين، البكرمن الاموات، ورئيس ملوك الأرض. الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين.." (رؤ١׃٦٬٥)

ملوك وكهنة (رؤ١׃٦)... هذه هي الهوية الحقيقية لكل ابن للرب... أو كما يَعبر عنها الرسول بطرس بالروح القدس في رسالته الأولى.. كهنوت مقدس وكهنوت ملوكي.. (١بط١: ٥، ٩)

استعلان هذه الهوية الملوكية الكهنوتية في حياة كل ابن للرب يصنع مرحلة جديدة ويدخلنا إلى أزمنة جديدة، أعدها الرب لنا... أزمنة جديدة تمتليء بامتلاكات جديدة.. أزمنة جديدة تمتليء بانتصارات لملكوت الله في حياتنا.. وتمتليء بانكسارات وانحسارات لأي تأثيرات للعدو في حياة كل ابن حقيقي للرب..

الكثير من أبناء الرب يحيون حياة طبيعية، حياة في البعد الطبيعي.. ينكسرون تحت ضغط الظروف، ويقفون في حيرة أمام الجبال والتحديات التي في حياتهم.. والرب يقول لهم في هذه الأيام.. إنه زمن لاستعلان هويتك الحقيقة كملك وكاهن.. ملك يستطيع أن يقف ويأمر الجبال التي في حياته بسلطان ملوكي، فتطيع الجبال وتنتقل، لأن كلمة الملك دائمًا لها سلطان!!.. لا ليس أمرًا عاديًا أن ينكسر المؤمن أمام الضغوط.. لا ليس أمرًا عاديًا أن يقف المؤمن عاجزًا أمام الجبال التي في حياته!!.. لا ليس أمرًا عاديًا أن يحيا أولاد الرب حياة طبيعية، مثل باقي الناس!!... لا ليس أمرًا عاديًا أن تمر أيامك بلا امتلاء حقيقي بالروح القدس وبلا تعزيات وبلا معجزات!!  يريد الرب أن ينقل أولاده من الحياة في البُعد الطبيعي إلى الحياة في بُعد آخر، بُعد معجزي... نعم يريد الرب لكل ابن له أن يحيا حياة ممتلئة بالمعجزات!! حياة تستعلن فيها هوية أبناء الرب الحقيقية كملوك وكهنة.. فهو الرب ملك الملوك الذي يريد أن ينقل أولاده إلى مستوى حياته الملوكية الممتلئة بالسلطان.. لأن كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه (يو١׃ ١٢)...

 
عزيزي القاريء، هل تشتاق أن تجد حياتك وقد انتقلت لهذا البُعد الجديد من الحياة مع الرب؟.. هل تعرفت على الرب من وقت طويل، لكن حياتك مازالت تجري في مستوى بعيد عن حياة المجد؟؟.. عزيزي، الرب يضع أمامنا في هذه الأيام مفاتيح لتغيير الحياة... مفاتيح للدخول إلى حياة الامتلاك الحقيقي للوعود، والثبات في هذه الحياة التي تمتلك مواعيد الله... تحدثنا في المقال السابق "الكلمة والامتلاك"، عن كلمة الله ودور الإيمان كمفتاح أساسي للامتلاك وللدخول إلى أرض البركات.. (راجع: http://khwaterro7ya.blogspot.com/2011/07/blog-post.html)... ونتحدث في هذا المقال عن مفتاح آخر للامتلاك.. وهو مفتاح استعلان هويتنا كملوك وكهنة.. كهنوت ملوكي وكهنوت مقدس... ولكي نفهم جيدًا رسالة الرب لنا في هذا المقال، سنعود بالوقت إلى الوراء آلاف السنين.. سنعود إلى جنة عدن.. حيث نتقابل مع آدم وحواء، أول ملوك الأرض..!!

 
عدن: بهجة... تواصل... سلطان...


الله هو إله الفرح والبهجة... في سفر الأمثال، يتكلم لنا شخص الحكمة، أقنوم الابن، عن علاقة الفرح واللذة المتبادلة ما بين الآب والابن، فيقول: "كنت كل يوم لذته، فرحة دائمًا قدامه.." (أم٨׃ ٣٠)... نعم الله هو إله الفرح.. الآب يفرح بالابن الأزلي، والابن يفرح بالآب، والروح القدس هو روح الفرح الذي يملأنا بثمرة فرحه عندما نمتليء بشخصه...

وفي البدء عندما خلق الله الأرض (تك١׃١)، خلقها في جو من الفرح والترنم، إذ يخبرنا سفر أيوب  أن الملائكة رنمت وهتفت عندما أسس الرب الأرض، "...حين أسست الأرض... عندما ترنمت كواكب الصبح معًا، وهتف جميع بني الله..." (أي٣٨׃ ٤، ٧)... خلق الرب الأرض أولاً في صورة رائعة، ولم تكن خربة، إذ يخبرنا سفر إشعياء أن الرب "لم يخلقها باطلاً" (إش٤٥׃ ١٨). والكلمة )باطلاً)، في الأصل، هي كلمة عبرية تُنطق (توهو)، وتعني (لا شكل لها، وخاوية)[1]... إذا فقد خلق الرب الأرض في أبهى صورها، ولم يخلقها (توهو)..!! لم يخلقها خربة ولم يخلقها لا شكل لها... لذا تهللت الملائكة وهتفت للرب الخالق المبدع.. كان الفرح يخيم على أجواء الخلق...  أرض ممتلئة بالفرح وملائكة تهتف وترنم..

ولكن ما الذي حدث فغير هذا الواقع الجميل وجعل سفر التكوين يخبرنا بأن الأرض كانت خربة وخالية (بوهو، توهو) (تك١׃ ٢)؟... وهي حالة عكس تلك الحالة التي يصفها لنا إشعياء، إذ يؤكد لنا إشعياء أن الله لم يخلقها (توهو)، لم تكن بلا شكل، إذ يقول "لم يخلقها باطلاً" أي لم تكن الأرض (توهو)، فما الذي صيرها هكذا خربة وخالية كما يخبرنا سفر التكوين..؟!

في الواقع، حدثت مأساة خربت الأرض وشوهت فرحها..!! تكبر أحد الملائكة على الله الخالق، تكبر "زهرة بنت الصبح" على الرب، فسقط، وطُرح إلى الأرض كما يخبرنا سفر إشعياء "كيف سقطت من السماء يا زهرة، بنت الصبح؟ كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟" (إش١٤׃ ١٢).. وبسقوط زهرة بنت الصبح، الذي هو إبليس أو الشيطان، خربت الأرض. وكما يخبرنا سفر التكوين "وكانت الأرض خربة وخالية" (تك١׃ ٢).. والفعل (كانت) في الأصل العبري يمكن ترجمته (صارت)[2].. أي أن الأرض صارت خربة وخالية، بسبب سقوط إبليس إليها.. تحولت الأرض من حالتها الجميلة المفرحة، إلى حالة من الخراب والخواء بسبب إبليس..

ولكن عزيزي... لا، لم تنته القصة عند هذا الحد!! فالرب لا ولن يترك الأرض خربة وخالية!! يرف روح الله على وجه المياه، ليخلق من جديد.. يا لعظمة الرب إلهنا، يعيد مرة أخرى خلق الأرض وتشكيلها.. ونقرأ في كل يوم عن فرح الرب بما يصنعه.. إذ يخبرنا الوحي أن الرب في كل يوم[3] يرى ما يصنعه أنه حسن جدًا... ثم يخبرنا الكتاب أن الله بعدما أكمل الخلق "استراح في اليوم السابع" (تك٢׃٢).. والفعل المترجم (استراح) أحد معانيه في الأصل العبري (احتفل)[4]... نعم احتفل الله في اليوم السابع.. عاد إلى الأرض جو الفرح والاحتفال مرة أخرى.. ولكن في هذه المرة مَن كان مشاركا لله في الاحتفال بالأرض؟!.. هل الملائكة فقط؟! بالتأكيد شاركت الملائكة في الفرح والابتهاج.. لكن هذه المرة كان يوجد أصدقاء لله يشاركانه الفرح... أصدقاء أعزاء على قلب الرب.. إنهم آدم وحواء!!... آدم ، هذا المخلوق الحبيب إلى قلب الرب، أو كما يدعوه القديس غريغوريوس اللاهوتي، من القرن الرابع، "ملك الخليقة"[5]... وحواء زوجته، شريكته في حُكم الخليقة...

عاد الفرح والابتهاج إلى الأرض مرة أخرى.... وصنع الرب جنة عدن، ليسكن فيها آدم وحواء، وليحكما منها الأرض.... وعدن كلمة في الأصل معناها (البهجة، والمسرة، والفرح)[6]. كانت عدن، حيث الفرح والابتهاج، هي مكان آدم وحواء.. حيث يتواصلا مع الرب.. يسمعانه ويتكلمان معه.. يعيشان في فرح حقيقي، وفي شركة وانفتاح على الرب.. كان آدم وحواء يعكسان مجد الله أمام الخليقة.. كانت الخليقة تهابهما وتخضع لهما، إذ عكسا نور الثالوث بكونهما صورة ومرآة الله[7]... كان آدم وحواء يلبسان النور ويكتسيان بالمجد، إذ خلقا على مثال "اللابس النور كثوب" (مز١٠٤׃ ٢)... ولأنهما كانا في تواصل مباشر وشركة حية مع الرب، فقد عكسا نوره ومجده وسلطانه أمام الخليقة... يغني كاتب المزمور بنعمة الرب على الإنسان قائلاً: "مَن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده؟... بمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه." (مز٨: ٤- ٦)... فها آدم يتمشى في الأرض، يعمل الجنة ويحفظها (تك٢׃ ١٥)... يغير البرية ويزرع جنات... يعطي للخليقة هويتها، كما أعطى المخلوقات أسماءها، والاسم يعبر عن هوية في الكتاب المقدس. ها آدم ملك يحكم الخليقة بسلطان، وأيضًا ها آدم كاهن يقدم الخليقة أمام الله. وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي، من القرن الرابع: "الإنسان مدعو لأن يحمل الكون كله في كيانه وأن يضع الخليقة بكاملها في وعيه ويشملها بحبه، حتى ينوب عنها في تقديم صلاة شكره القلبية لله. ولكي يحددها بعبقريته الخاصة ومهاراته معطيًا لكل مخلوق حيّ اسمه.."[8]... ها آدم يحيا في فرح وتمتع بالشركة والتواصل مع الرب.. يتفرس في الرب، فيعكس مجده بسهولة أمام الخليقة.. ويُستَعلن سلطانه الملوكي.. ها آدم يمتليء بمشيئة الرب تجاه الخليقة، ويعلنها بسلطانه الكهنوتي الملوكي.. إذ يقول في هذا القديس الأنبا مقار: "الكلمة (أي ابن الله) نفسه كان معلم آدم... فقد ألهمه أن يعطي أسماء لكل الأشياء... وكما كان آدم يتعلم من الكلمة هكذا سمى الأشياء جميعها"[9]... 

إذًا آدم يحيا في الجنة الخطة الأصلية للرب... ملك وكاهن... ولكن...!!! العدو يتربص بآدم.. لا يطيق أن يراه سيداً على الخليقة... ويشتعل حسد العدو ضد آدم، وكما يقول لنا القديس أمبروسيوس، من القرن الرابع: "كان سبب الحسد هو السعادة التي وُضع فيها آدم في الفردوس، لأن إبليس لم يستطع أن يتحمل ما كان يتمتع به الإنسان من امتيازات.."[10]... ويرتب إبليس ليسقط الإنسان في الخطية، ويسقط آدم وحواء... وتدخل الخطية إلى العالم... ويمرض الجنس البشري، ويصير محكومًا عليه بالموت.. ويفقد آدم نورانيته ويفقد سلطانه، وتخضع الخليقة للبطل، لأن سيدها قد سقط في الخطية وصار مأسورًا لها!! ولكن هل انتهت القصة عند هذا الحد؟!!

يا لمجد غنى النعمة!! لا لم تنتهي القصة!! هل يترك الله أحباءه في الأسر إلى الأبد؟!! كلا.. وكلا.. وألف كلا...

يأتي آدم الأخير... الرب يسوع.. الفادي.. المخلص.. يأخذ ما لآدم.. الخطية.. العار.. الأسر.. ويعطي آدم ما له.. البر.. الكرامة.. الحرية والسلطان مرة أخري!! يموت يسوع، يتحمل الظلمة القاسية، ويقوم من الأموات... ليسترد آدم النور!!.. يسترد آدم الجنة مرة أخري في يسوع.. هل تذكر عزيزي معنى كلمة جنة؟ معنى جنة (مسرة وبهجة وفرح)، وعندما يولد يسوع يدوي إعلان سماوي تذيعه الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.." (لو٢׃ ١٤)... ها هي المسرة مرة أخرى.. ها هي الجنة!! وهذا يعني أن آدم يستطيع أن يسترد هويته الأولى كملك وكاهن.. أو بمعنى أوضح، هذا يعني أن كل مَن آمن بيسوع، أدم الأخير، يستطيع أن يسترد سلطانه كملك وكاهن... أو كما تقول الآية التي بدأنا بها هذا المقال: " الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح.." (رو٥׃ ١٧).. وهي نفس الهوية التي يعلنها أيضًا الرسول بطرس في رسالته الأولى.. كهنوت مقدس وكهنوت ملوكي... هي هويتك وهويتي عزيزي، الهوية التي أعلنت مرة أخري في يسوع، ولنا أن نحياها ونذوق عربونها الآن... يصيغها لنا بطرس الرسول بالروح القدس لكي نستنير ونسلك فيها وبها.. ليستعلن ملكوت الله في حياتنا..
لذا هيا صديقي، هيا لنتعمق أكثر في رؤية العهد الجديد لهذه الهوية الكهنوتية الملوكية، من خلال كلمات الرسول بطرس الذهبية في رسالته الأولى.


كهنوت مقدس: عبــادة.. تواصل وشركة.. فرح = عـدن من جديد

يكتب الرسول بطرس بالروح القدس: "كونوا أنتم أيضًا مبنيين- كحجارة حية- بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح.." (١بط٢׃ ٥)... يوصي الرسول بطرس بهذه الكلمات مؤمنين متغربين عن أوطانهم بسبب الاضطهاد[11]... ورغم ظروفهم الصعبة، إلا أن الروح القدس يعطيهم مفتاح الحياة كملوك!!... في الأصل اليوناني لهذه الآية، يبدأ الرسول بطرس كلماته بذكر هويتهم كحجارة حية. فيقول لهم "وأنتم كحجارة حية.. كونوا مبنيين بيتًا..."[12] . يتكلم بطرس إليهم كحجارة، أو كمؤمنين يحملون حياة الله.. ويوصيهم بطرس أن يكونوا مبنيين معًا، كبيت روحي، وكهنوت مقدس، وذلك لتقديم ذبائح روحية... أي يوصيهم أن يوجدوا معًا كجسد واحد أمام عرش النعمة، في عبادة حية بالروح القدس... يقدموا ذبائح الشكر والتسبيح والتسليم للرب...

قارئي العزيز، هل لاحظت معي أن ما يوصي به بطرس ما هو إلا استردادٌ لما كان آدم وحواء يعيشا بداياته في عدن قبل السقوط؟ بل وأمجد كثيرًا! كان آدم وحواء يعيشا في عدن معًا في تواصل وشركة مع الرب. ويدعو أيضًا الرسول بطرس المؤمنين الممتلئين بحياة الرب أن يقفوا – معًا – في  مكان العبادة الروحي، حيث الشركة والتواصل مع الرب، حيث تنفتح حواسهم الروحية.. يتفرسوا في الرب.. فيتغيروا إلى تلك الصورة عينها. ويبدأ الرسول بطرس هذا الجزء بوصيته للمؤمنين بالروح القدس أن يكونوا مبنيين معًا كحجارة حية بيتًا روحيًا. والحجارة التي تُشكل كيان البيت وبنيانه، بالطبع، لابد أن تكون متماسكة معًا في وحدة حقيقية، وفي شركة – كُينُونِيا – كيانية حقيقية. نعم صديقي، نحن مدعوين أن نحيا معًا في شركة عميقة كحجارة حية – بيت لله/ وبيته نحن (عب ٣: ٦). ومن خلال شركتنا العميقة معًا، نحن مدعوين لنقف معًا في وحدة روحية عميقة أمام عرش النعمة بأرواحٍ منفتحةٍ على الرب، نعبده بالروح والحق، تتواصل أرواحنا مع روحهِ، نختبر شركة الحياة والنور، نسترد الفردوس. لقد فتح يسوع لنا الأقداس، لندخل بثقة على حساب الدم الثمين ونوجد مرة أخرى في عدن، بل وأعظم من عدن!! نأكل من شجرة الحياة.. من المَن المُخفى.. هلليويا! صديقي في هذا المكان، عرش النعمة.. وفي هذا المكان فقط، حيث أرواحنا متواصلة مع روحه، وحواسنا مفتوحة لاستقبال كلماته، ونغماته، وأمواجه؛ في هذا المكان تُستَعَلن لأرواحنا هويته. نراه بوجه مكشوف، نعرفه بالروح وبالحق، أمواج حياته تتدفق فينا، وإذ نراه وتُستَعلن هويته لنا، نجد أنفسنا وقد استُعلِنَت هويته أيضًا فينا، إذ نتغير إلى تلك الصورة عينها، صورة آدم الأخير، صورة يسوع رب المجد. صديقي إعلان هويتنا كملوك وكهنة، لا يحدث إلا باستعلان هويته لنا وفينا!! واستعلان هويته فينا لا يحدث إلا عندما نُفرَز ونُخصَص له، وندخل معه في شركةٍ عميقةٍ؛ تنعكس وتزيد من شركتنا معًا في محبة حقيقية – كُينُونِيا - ويصير هو في هذه الشركة الكلَ في الكلِ، وتُستَعلَن في هذه الشركة وتُفَعَل هويتنا ككهنوتٍ مقدسٍ. وإذ نحيا في شركة حقيقية، ونوجد أمامه معًا في العرش، تنطبع صورته علينا، ويُستعلن بيته فينا، ونبدأ في اللمعــــــــان مرة أخرى!
كهنوت ملوكي: سلطان وإرسالية.. كلمات تغير الواقع = عدن من جديد

آدم في الجنة يلمع بنور الرب.. يعكس صورة الله وشبهه.. تهابه الخليقة وتخضع له.. ويحفظ الأرض بسلطانه!! يُتَمم إرساليته في أن يخضع الأرض ويحفظها ويعملها... وأنا وأنت عزيزي، في العهد الجديد، واقفين أمام العرش.. مستقبلين النعمة.. نستقبل نوره ولمعانه.. نتغير إلى تلك الصورة.. إلى صورته.. نعكس نوره ومجده وسلطانه.. تراه الخليقة فينا، فتخضع..

صديقي.. أننا لسنا فقط مدعويين لأن نقف أمام العرش ونعاين المجد.. إننا مدعويين لأن يصير العرش والمجد داخلنا.. مدعوين لنحمل المجد ونتحرك به.. فنغير الأجواء بسلطان المسحة الملوكية!!

هل تريد صديقي أن تحيا هويتك كملك؟! تخضع ظروفك لمشيئة الرب وتقفز جبالك من أمامك.. اسمح للرب أن يعلن هويته الملوكية فيك.. فتستعلن هويتك الملوكية أمام ظروفك وجبالك وأيامك... ويتغير الواقع بإسم الرب يسوع!!

يتابع الرسول بطرس بالروح القدس إعلان هويتنا، إذ يقول "وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى النور." (١بط٢: ٩)... ها هي الهوية الملوكية وقد عادت مرة أخرى.. ها هي عدن مرة أخرى!!.. الفعل (تخبروا) في الأصل اليوناني يعطي معنى (تقودوا إلى- تحتفلوا- تبشروا- تذيعوا- تعلنوا- تقدموا تقرير).. والكلمة (فضائل) في الأصل اليوناني تعطي معنى (معجزات-  عجائب- مظاهر للقوة الإلهية)[13]... وماذا يعني هذا؟؟... هذا يعني أن الروح القدس يعلن لنا أنه أمام عرش النعمة، حيث نرى الرب بوجه مكشوف، يحدث استعلان لهويتنا ككهنوت ملوكي، ملوك وكهنة، وهذا يعطينا ويضع فينا الامكانية أن نقود الخليقة نحو معجزات وعجائب الرب!! 

في محضره، ونحن نعبده ككهنوت مقدس.. تُستَعلَن هويتنا ككهنوت ملوكي.. وفي جو من الفرح والاحتفال (أجواء عدن)، نستطيع أن نأمر ظروفنا وأيامنا وما حولنا كي تخضع لمعجزات القدير وقدرته الإلهية.. ها هي هويتنا كملوك وكهنة مُتاحة لنا كي نحياها في كل يوم من أيام حياتنا..


صديقي.. هيا.. فالرب يعطيك في هذا المقال مفتاح هام لتُغير ظروفك وتدخُل زمن جديد من الامتلاكات.. هذا المفتاح هو أن تستعلن هويتك الملوكية مرة أخرى!! أن تلبس المجد والنور وأنت واقف أمام الرب، وأن تظهر في الروح في وسط أيامك كملك.. يمكنك أن تعيش ملك!! والمفتاح لتستعلن هويتك كملك هو أن تعبده.. تتواصل معه.. تقضي معه أوقات حب واتحاد... فتضيء بنوره ويتُستعلن فيك.. وتتمشى بين ظروفك كملك.. تتمشى بين جبالك بإيمان ملك.. تأمر الجبال فتقفز.. وتأمر العيان فيتغير... هلليويا للرب..

عزيزي القاريء، هذه ليست فقط دعوة لأفراد متميزيين في وسطنا... هذه ليست دعوة للخدام فقط أو لمن عاشوا سنوات طويلة مع الرب فقط.. إنها دعوة لكل واحد منا!! إنها دعوة لكل طفل في المسيح!! فقط يثق في الرب ويؤمن، ويغلق أذنه وحواسه عن العالم وخداعه... ويدخل ليقضي أوقات في عرش النعمة، كهنوت مقدس، يتفرس في الرب وتنفتح حواسه على الملكوت المُعلَن... يستنير ويلمع كملك، كهنوت ملوكي... فيأمر بسلطان ويغير العيان...

عزيزي، هي دعوةٌ فردية.. ولكنها أيضًا دعوة جماعية.. دعوة للكنيسة.. لكل جماعة روحية أصيلة.. لكل كنيسة حقيقية تحيا كهنوت مقدس في وحدةِ محبةٍ فاعلةٍ – كُينُونِيا – وتقف أمام العرش بالروح والحق. أظنُ أن الرسول بطرس وهو يكتب هذه الكلمات كان أمامه الكنيسةَ ككلٍ، جماعة المؤمنين الحية. الرسول بطرس هو أول مَن تحدث له الرب عن الكنيسة. نقرأ في إنجيل متى أول إعلانٍ للرب عن الكنيسة، إذ يقول الرب لبطرس: "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت١٦׃ ١٨). الكلمة التي استخدمها متى للإشارة إلى الكنيسة هنا -والتي رأى بالروح القدس أنها مطابقة للآرامية التي كان يسوع يتكلمها- هي كلمة يونانية تُنطَق (إكليسيا)، وهي الكلمة التي اُستخدمت فيما بعد في كل العهد الجديد كتعبيرٍ عن الكنيسة. هذه الكلمة كانت معروفة في الامبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، إذ كانت تشير إلى جماعةٍ من مواطني روما الأصليين، يتم اختيارهم وإرسالهم من روما إلى أحد البلاد أو المقاطعات التي غزتها روما واحتلتها. وكانت مهمة هذه الجماعة من المواطنين أن يؤثروا في أجواء المقاطعة المُحتلة ليُغيُّروها ويجعلُوها تشبه روما!! كانت مهمتهم أن يكونوا فاعلين في الدوائر والمجالات المختلفة للتأثير في سكان المقاطعات المُحتلة تاثيرًا قويًا ليصلوا إلى مرحلةٍ يتغيرون فيها تغيرًا جذريًا، فيصيرون كالرومان؛ يتكلمون كالرومان، ويتعاملون كالرومان، ويفكرون كالرومان!![14]... كانت روما تعتمد على مواطنين أصليين في هذه المهمة كي يكونوا مُشبَّعين بروح روما حقًا.. فيستطيعوا أن يغيروا المقاطعات والبلاد المُحتلة ليحولوها إلى ما كانت روما عليه!!

في ضوء هذه الخلفية، نفهم بُعد مهم من نظرة العهد الجديد إلى الكنيسة كجماعةٍ من المؤمنين المولودين ثانيةً الذين خضعوا لمُلك الرب على حياتهم، فصار ملكوته في داخلهم وفي وسطهم. لذا؛ فهؤلاء هم مواطنو الملكوت الأصليون، المُشبَّعون برؤية أجواء الملكوت، المدعوون ليغيروا عالمهم الخاص، وأجواء واقعهم الشخصي، وأرض غربتهم، وظروفهم ومفردات أيامهم، لتصير مُطابِقةً لحقيقة مُلك الرب عليهم. جماعة مدعوة أن تأتي بالسماء على الأرض، لتتشكل الأرض بألوان السماء، ومباديء السماء، لتمتليء الأرض من شفاءات السماء وحريات السماء وفيض السماء.

عزيزي القاريء، إن هذه الخلفية عن كلمة (إكليسيا) جنبًا إلى جنبٍ مع دعوة الرسول بطرس للمؤمنين أن يكونوا مبنيين كحجارة حية معًا في وحدة حقيقية (كُينُونِيا) تعكسان لنا بوضوح الدعوة الكهنوتية الملوكية التي للكنيسة.. فالكنيسة مدعوة أن تحيا  معًا في وحدة كيانية (كُينُونِيا) ككهنوت مقدس، وأن تُفرز وتُخصص، وتتفرس في عرش النعمة، وتصبح أجواء الملكوت هي أجواءها الطبيعية. وكلما اتحد المؤمنون أعضاء الجسد الواحد في شركة حية بالروح وصاروا واحدًا كما طلب الرب يسوع من الآب، وكلما دخلت الكنيسة المُتحِدة في عبادة حية بالروح وتفرست في الرب أكثر وأكثر؛ كلما تشبعت بأجواء النعمة والمعجزات وإظهارات عمل شدة قوته، واستعلنت هوية أعضائها كأهل بيت الله.. ملوك.. وبيت لملك الملوك.. مدعوين لأن يُرسَلوا بسلطان ملوكي، أي كهنوت ملوكي.. ليغيروا عالمهم.. أيامهم.. ظروفهم.. ليجعلوا واقعهم مطابق لما هو في الروح.. لذا فالدعوة الكهنوتية الملوكية هي دعوة جماعية للكنيسة، كما هي دعوة فردية لكل شخصٍ فينا!! دعوة جماعية جوهرها استعلان الشركة العميقة (كُينُونِيا)، وإظهارها استعلان سلطان الكنيسة (إكليسيا)، فالكُينُونِيا (الوحدة) تُشكِل أساس الإكليسيا (سلطان الإرسالية).. وهي نفس دعوة آدم وحواء، أن يعيشا معًا في شركة في جنة عدن، ويمتلئا بأجواء عدن حيث التواصل والشركة العميقة مع الرب.. ثم يُرسلا كملوك ليجعلا  كل الأرض عدن!!

هلليويا.. في يسوع عادت عدن.. عاد الفردوس المفقود.. في يسوع، أنا وأنت عزيزي يمكننا أن نعيش ملوك ونملك في الحياة بالواحد يسوع المسيح.. في يسوع لنا الحق أن نهتف " الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين.."

كم أشكرك أيها الرب.. كم أشكرك لأجل محبتك العظيمة لي.. أحببتني.. مررت بي، وإذ زماني زمن الحب.. وجدتني مطروحًا وسط البرية، لا كرامة لي... أخذتني لك!! رفعتني!! غسلتني!! وقلت لي: وأنا قد أحببتك دعوت باسمك.. أنت لي..!! قلت لي "كن ملكًا.. كن أميرًا معي!!".. سيدي من أنا؟!! كم أشكرك لأجل النعمة الغنية!! كم أشكرك لأجل الحب العجيب الذي أحببتني به!!.. ذبحت من أجلي، كي تلبسني الحُلة الملوكية مرة أخرى.. كي تضع في يدي خاتم السلطان!!.. آه يا سيدي الرب.. افتح ذهني لأفهم صنيعك معي... افتح ذهني وذهن كل مُن يقرأ هذه الكلمات... لندرك مجد غنى النعمة.. لندرك عمل شدة قوتك فينا.. آه يا روح الله.. أيها الروح الناري.. لتأتي علينا.. لتُشعل هوية يسوع فينا.. لتستعلن فينا الهوية الملوكية.. ليستعلن الذهب الحقيقي.. تعال يا روح الله.. يا روح الحكمة والإعلان.. تعال لنفهم... تعال لنُرسل بقوتك ومسحتك.. فنُغير الواقع.. ويتغير شكل الأيام.. تعال لنحقق مشيئتك على الأرض، ولتأت السماء على الأرض.. في إسم يسوع.. آمين...

ثروت ماهر
أغسطس 2011

English prophetic word:

During your working day; while you’re dealing with other people or moving among the different offices, you can stir your spirit, to be awakening, by praying short prayers in tongues. When you pray in tongues; you are speaking mysteries in Spirit (1Cor14: 2), edifying yourself (1Cor14:3), giving a chance to your spirit to pray (1Cor14: 14). Be sure that during these times, when your spirit is in communication with the Spirit of God, as a holy priesthood; your royal identity will be revealed and the surrounding atmosphere will be changed!! It will be changed because of the royal anointing and because of the golden oil which is poured upon your head from the heaven.



[1] Bible Works, 8414, tohuw {to'-hoo}, Meaning: 1) formlessness, confusion, unreality, emptiness… 1a) formlessness (of primeval earth)… 1a1) nothingness, empty space… 1b) that which is empty or unreal (of idols) (fig)… 1c) wasteland, wilderness (of solitary places)… 1d) place of chaos… 1e) vanity.
[2] Bible Works, 1961, hayah {haw-yaw}, Meaning:  1) to be, become, come to pass, exist, happen, fall out.
[3]  ذكر لنا الوحي المقدس "رأى الله أن ذلك حسن" في جميع أيام الخلق، ماعدا اليوم الثاني، الذي خلق فيه الجلد او (الغلاف الهوائي المحيط بالأرض: الأب دانيال، وهم غلبوه، فصل الهواء) ويُرجع بعض الدارسين ذلك إلى وجود الأرواح الشريرة أو قوات الظلمة في الهواء، لذا يدعى إبليس "رئيس سلطان الهواء" (أف٢׃ ٢). كما يلاحظ أنه في اليوم الأول، يذكر الوحي أن الله رأى النور أنه حسن، ولم يذكر هذا بالنسبة للظلمة.
[4] James Strong, Strong’s Exhaustive Concordance of the Bible: 7673.
[5]  مجلة مدرسة الاسكندرية، السنة الثانية ٢٠١٠، العدد الثالث، جورج عوض، الأقمصة الجلدية ولباس عدم الفساد، ١٢١.
[6] Bible Works: 5731.
[7]  مجلة مدرسة الاسكندرية، مرجع سابق، ١٢٣.
[8]  رهبان دير القديس الأنبا مقار، دعوة الإنسان العليا، ٨.
[9]  القديس الأنبا مقار، عظات القديس مقاريوس الكبير، العظة الثانية عشر.
[10]  أحد رهبان دير الأنبا مقار، شرح سفر التكوين سفر البدايات، ١٣٧.
[11]  كتب الرسول بطرس رسالتيه ما بين العامين ٦٣ و٦٧ ميلادية، وهذه السنوات تدخل ضمن اضطهاد نيرون للمسيحيين والتي امتدت ما بين العامين ٥٤ و٦٨... وعلى الرغم من أن فترة اضطهاد نيرون لم تكن محددة بملامح أو قوانين تبيح الاضطهاد، إلا أنها كانت فترة اضطهاد شديدة، ويذكر العلامة ترتليان عن هذه الفترة أن المسيحيين لم يكن القانون حاميًا لهم.. لذا فمن المرجح جدًا أن المتغربيين من شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وأسيا وبسيدية (١بط١׃١) الذين يكتب لهم بطرس، هم متغربون عن أوطانهم ومهاجرين منها بسبب الاضطهاد.
[12] Interlinear Greek Arabic New Testament, 1Pet2:5
[13] Bible Works: 1804, 703.
أيضًا قاموس كلمات العهد الجديد والكتابات المسيحية الأولى، رهبان دير القديس الأنبا مقار.
[14] Dutch Sheets, Authority in Prayer (Minnesota: Bethany House, 2006), 61.