مقالات لاهوتية ٢- عبُورَنا في الْمَسِيح وإِتمَامْ دَعْوَةِ الله الْعُلْيَا


مقالات لاهوتية  (٢)

تقرأ في هذه الصفحة:
1- مقالات لاهوتية: عبورنا في المسيح وإتمام دعوة الله العليا
2- مقالات لاهوتية: هويتنا في المسيح كتلاميذ وكأغصان في الكرمة، والعلاقة بينهما

 

عبُورَنا في الْمَسِيح وإِتمَامْ دَعْوَةِ الله الْعُلْيَا 

مقال لاهوتي –  بقلم دكتور/ ثروت ماهر

دكتوراه في اللاهوت (PhD) - جامعة ريجينت، فرجينيا

بفطنةٍ روحية، تُطلِق الكنيسة على الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة "أسبوع البصخة المقدسة." ويخبرنا دارسي اللغات القديمة أن كلمة "البصخة" معناها "العبور" أو "الاجتياز"، وهي كلمة يونانية تعتبر مساوية للكلمة العبرية التي تترجم "فصح." فالبصخة تعني عبور، واجتياز، وفصح، وهي مُرتبطة في أصلها بخروج شعب الله من أرض مصر، والتعييد لعيد الفصح، ورش الدم على الأعتاب، الذي ارتبط جوهريًا بأكل خروف الفصح، رأسه وجوفه وأكارعه. وتُطلِق الكنيسة على هذا الأسبوع الذي يبدأ بعد الاحتفال بأحد السعف – حيث دخول الرب الانتصاري إلى أورشليم – وينتهي بالجمعة العظيمة، أسبوع "البصخة" – أو بمعنًا آخر، أسبوع العبور والاجتياز – ففي هذا الأسبوع صنع الرب يسوع عبورًا لنا. والحقيقة التي أريد أن أبرزها في هذا المقال، أنّ الرب لم يصنع فقط في هذا الأسبوع "عبورًا لنا،" لكنه صنع أيضًا "عبورًا بنا،" اجتاز "بنا" كل ما اجتازه لأجلنا. الكلمة المُتجسد – الإله المتأنس – هو مَن حزن حتى الموت في بستان جثسيماني، والكلمة المتجسد هو مَن صُلب على صليب الجلجثة، والكلمة المتجسد هو هو مَن قام ساحقًا الموت وأوجاعه في القيامة. صنع كل هذا لأجلنا و"بنا،" ليضمن لنا تدفق الحياة فينا وليسترد لإنسانيتنا إمكانية استقبال قوة العبور والتجلي فوق الطبيعي. فيه عبرنا، إذ عبرت إنسانيتنا من الموت إلى الحياة، من الضعف إلى القوة. فيه أبُطلت قوة الفساد، لكي تملك حياته فينا. اجتاز الرب، الكلمة المتجسد، بكامل طبيعتنا الإنسانية، الصلب والموت والدفن– " عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ" (رو٦: ٦) – وقام من بين الأموات غالبًا، وصعد إلى السماوات بإنسانيتنا المُجدَّدَة وجلس وأجلسنا معه في السماويات- "وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف ٢: ٦). فعبور الرب واجتيازه بنصرةٍ كل ما اجتازه لم يكن فقط لأجلنا، لكنه كان أيضًا "بنا،" إذ كنا فيه، أو كما يقول البابا كيرلس عمود الدين، من القرن الرابع، "لأنه قام من بين الأموات حاملاً الجميع في نفسه." وهذا المعنى هام جدًا لما أريد أن أشارك به في هذا المقال. 

ففي هذا الأسبوع، أسبوع الآلام، وما يعقبه من فترة زمنية تمتد من موت الرب ودفنه، وحتى قيامته المجيدة فجر الأحد، صنع الرب "لنا" و"بنا" "اجتيازًا" و"عبورًا" من شأنه أن يقلب، رأسًا على عقب، حياة كل من يقبله إيمانيًا ويتذوقه اختباريًا. فاجتياز الرب لأحداث جثسيماني والمحاكمة والصلب والدفن ونصرته وقيامته، لم يكن فقط اجتيازًا بدليًا (أي بدلاً عنا)، لكنه كان إجتيازًا وعبورًا كيانيًا "بنا،" بإنسانيتنا نحو النصرة والقيامة التي لنا فيه – في يسوع.

ابن الله المُتجسد، يسوع المسيح، الله الظاهر في الجسد، أخذ إنسانيتنا وعبر بها في اتحادٍ كاملٍ بلاهوته، الذي لم يفارق ناسوته، من الموت والفساد، نحو الحياة والنصرة والقيامة وعدم الفساد – لذا يؤكد الكتاب المقدس أنّ "مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ... أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ" (٢تي١: ١٠). إدراكنا أنّ الرب عبر "بنا" وليس فقط "عبر لأجلنا،" وانفتاحنا وتعاوننا مع النعمة العاملة فينا بالروح القدس لتطعيم وتسكين قوة عبور الرب فينا، يمكن أن يُغير كيانيًا جوهر وشكل اختبارنا الإيماني اليومي، فتتشكل أعماقنا وحياتنا وأيامنا بقوة حياة مُتجددة تكفي لعبورنا مختلف اختبارات الحياة وامتحاناتها وأوديتها بمجد ونور ولمعان ونصرة كاملة، بحياة المسيح القائم لأجلنا وبنا، لأجل تحقيق دعوة الله العليا في حياتنا وإتمام القصد والمشيئة الإلهية الكاملة.

اجتياز الرب يسوع لأجلنا وبنا آلام هذا الأسبوع، وصلبه وقيامته ونصرته المجيدة التي حملت انفجار للحياة ابتلع الموت إلى نهاية، أضاف لإنسانيتنا – وجوديًا – إمكانيات لم تكن موجودة من قبل في الإنسانية غير المُجدَدة، والتي إذا انفتحنا عليها (على هذه الإمكانيات) في اختبار ذاتي تحقُقي بالروح القدس، لتغير شكل وجوهر حياتنا اليومية بالتمام. بكلمات أخرى، العبور الذي أتمّه الرب "بنا" يُشكِل تغييرًا وجوديًا في إنسانيتنا وطبيعتنا، ومن شأنه أن يُشكِل، عند قبوله إيمانيًا واستقباله اختباريًا، بناءًا كيانيًا فينا يُمكِّن المؤمنين من عبور مشقات وأودية الحياة بمجد ونور ونصرة يقينية. وعندئذ تتحول أودية الحياة إلى أودية مضيئة بفعل الكيانات النورانية العابرة فيها، والمُتجلِي في خلايا طبيعتها الجديدة كيانيًا قوة عبور وقيامة الرب. ويمكننا القول أنّه إذا كان تجسد الكلمة قد شكَّل الأساس الوجودي الساكن (الاستاتيكي) لخلاصنا، وإذا كان موت المسيح على الصليب وقيامته قد شكَّلا الأساس القانوني لهذا الخلاص، فإن اجتياز المسيح وعبوره للآلام بنصرة يُشكِل الأساس الوجودي المتحرك (الديناميكي) لاستعلان هذا الخلاص في حياتنا اليومية، والروح القدس هو المسؤول عن ترجمة هذه الأسس الخلاصية (الوجودية بنوعيها، والقانونية) لاختبار ذاتي يظهر في حياتنا عندما نتعاون معه – مع الروح القدس – في ثنائية النعمة والاجتهاد لأجل استعلان عبور الرب القائم من الأموات في عبورٍ شخصي يختبره كلٌ منا في حياته الشخصية.

فعبور المسيح "بنا" صار عربون عبورنا الذي يستعلن "فينا" بالروح القدس من خلال اتحادنا بالمسيح القائم. واتحادنا بالمسيح لا يتم إلا بتخلِينا عن الطبيعي وإلتصاقنا بالمسيح في كل تفاصيل صغيرة وكبيرة في حياتنا. عبور المسيح لنا وبنا هو ضمان انسكاب مسحة (قوة) العبور والاجتياز في حياتنا، هو ضمان تشكيلنا جوهريًا لنتحول لتلك الكيانات العابرة، التي يمكنها العبور لامتلاك مواعيد الله في هذه الحياة، لأجل إتمام القصد والدعوة العليا في حياة كلٍ منا. ولأجل الإيضاح، أود أن أُذكِّر القاريء بنماذج كتابية من الكنيسة الأولى؛ بطرس وبولس ويوحنا مرقس، وغيرهم ممن تتجلى في حياتهم قوة العبور. بطرس الذي أنكر ولعن وحلف أنه لا يعرف يسوع (مت٢٦: ٧٤)، صار بطرس الذي "كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ" (أع٥: ١٥) فيُشفى!! بولس الذي كان "قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا" (١تي١: ١٣)، صار بولس الذي يصنع الله على يده "قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ، حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ" (أع١٩: ١١، ١٢). هؤلاء وغيرهم اختبروا كيانيًا استعلان قوة قيامة وعبور الرب، اتحدوا بالرب القائم من الأموات، الذي عبر لأجلنا وبنا، فعبروا أودية حياتهم واجتازوا الجبال والإعاقات بقوة القيامة ومسحة العبور المُنسكبة فيهم، فأتموا مشيئة الرب الكاملة المرضية ودعوته العليا في حياتهم، وفاضت منهم قوة قيامة الرب وتجلت مسحة العبور لتُمكِّن آخرين من تذوق أبعاد الحياة فوق الطبيعية.

لذا عزيزي القاريء، فإن الاختبار الذاتي والتذوق الكياني التقدُمي لقوة ومسحة العبور هذه ليس مجرد موضوعًا للتأمل، لكنه احتياج مُلِح لمواجهة كل جبال وأودية في الحياة الروحية تحتاج إلى عبور واجتياز. وهو احتياج مُلِح لإتمام قصد الرب ودعوته العليا في حياتنا خاصةً في هذه الأيام الأخيرة التي تمتليء بالأزمنة الصعبة. فأحد الأسباب الكامنة وراء توقف الكثير من المؤمنين عند مستوى معين من الحياة الروحية، وعدم قدرتهم على العبور إلى مستويات أعلى أو أعمق، هو عدم استقبالهم كيانيًا أو عدم اختبارهم ذاتيًا لقوة ومسحة عبور المسيح بنا، فصحنا المسيح (عبورنا) الذي ذُبِح لأجلنا، وهو الذي يود بلهفة حقيقية أن يتحد بنا بحياته وقيامته، فينقلنا من الحياة الطبيعية (الطبيعي لا يفهم ما لروح الله) إلى الحياة فوق الطبيعية التي تذهب من مجد إلى مجد وتخترق وتعبر الحدود لتحقيق مشيئات الرب الكاملة المرضية.

لهذا، عزيزي القاريء، في الجزء الباقي من هذا المقال، أود أن أتكلم أكثر عن ماهية ومَقْصِد هذه الحياة العابرة، موضحًا بعض مفردات هذه الحياة المُثَبَّتَة في قوة عبور المسيح، والتي تختبر مسحة العبور والاجتياز، عبور الأودية والامتحانات الحياتية، بنصرة ومجد وقداسة وقوة لتحقيق مشيئة الرب الكاملة المرضية.

ما وراء الحجاب – إنفجار الحياة!

"وَتَصْنَعُ حِجَابًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ. وَتَجْعَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ مُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. وَتَجْعَلُ الْحِجَابَ تَحْتَ الأَشِظَّةِ. وَتُدْخِلُ إِلَى هُنَاكَ دَاخِلَ الْحِجَابِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ، فَيَفْصِلُ لَكُمُ الْحِجَابُ بَيْنَ الْقُدْسِ وَقُدْسِ الأَقْدَاسِ." (خر٢٦: ٣١- ٣٣). الحجاب في خيمة الإجتماع هو الفاصل ما بين القدس وقدس الأقداس، الذي يُعلن أن ما وراء القدس منطقة غير مسموح لأي شخص أن يعبر إليها أو يدخلها (فيما عدا رئيس الكهنة في الأوقات المعينة له). وكان الحجاب مرسومًا عليه كاروبيم، إذ كان مساويًا في التقليد لمنع آدم من دخول الجنة وحَجْبْ شجرة الحياة عنه بواسطة الكاروبيم. واستمر الحجاب موجودًا في كل هياكل أورشليم فيما بعد، بدءًا من هيكل سليمان وانتهاءًا بهيكل هيرودس في زمن الرب يسوع. وحجاب هيكل هيرودس هو ذلك الحجاب الذي انشق عندما أسلم الرب الروح.. "فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ.." (مر١٥: ٣٧، ٣٨). فعلى الرغم من خلو قدس الأقداس من مفرادته الطبيعية (تابوت العهد وكل ما يحمله) في هيكل هيرودس هذا، إلا أنّ وجود الحجاب في حد ذاته كان لتذكير الشعب بأنَّ هذا المكان – ما وراء الحجاب – قدس الأقداس – وما يمثله من نموذج حقيقي في السماويات، كان مغلقًا أمام الشعب.

هذا وينقل لنا سفر العدد، والإصحاح السابع عشر، حادثة واقعية تحمل لنا صورة تعبيرية قوية عما وراء الحجاب. ففي هذا الوقت، تذمر الشعب على كهنوت هارون وقيادة موسى، وأراد الرب أن يُثبِت للشعب تأييده لهارون وموسى. فطلب من موسى أن يأتي باثنتي عشرة عصا (مجرد عُصِي لا حياة فيها)، عصا لكل سبط، ويضعها في قدس الأقداس أمام تابوت العهد. والكتاب يخبرنا بأمرٍ مثير جدًا حدث لعصا هارون، إذ يقول: "فَوَضَعَ مُوسَى الْعِصِيَّ أَمَامَ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْغَدِ دَخَلَ مُوسَى إِلَى خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا عَصَا هَارُونَ لِبَيْتِ لاَوِي قَدْ أَفْرَخَتْ. أَخْرَجَتْ فُرُوخًا وَأَزْهَرَتْ زَهْرًا وَأَنْضَجَتْ لَوْزًا" (عد١٧: ٧، ٨). من الواضح أنّ مفردات هذه الحادثة الشيقة، تشير ضمنًا، إلى أنّ ما وراء الحجاب (وهنا أود التركيز على ما وراء الحجاب الحقيقي في السماويات) هو مجال حياة. فالعصا التي لا حياة فيها، دبّت فيها الحياة فيما وراء الحجاب! بل وأخرجت براعم وزهور وثمر – فيما يُمكِن أن يُنظَر إليه على أنه نمو وتغيُر لا يُمكن أن يحدث لنبات طبيعي مُثّبت في تربة خصبة إلا عبر شهور فصل الربيع كله! أي أن النمو والتغيُر الحادث، فيما وراء الحجاب، في عصا في الأصل ميتة، خلال ليلة واحدة، يساوي وقد يفوق التغيُر الحادث في نبات طبيعي ينمو في تربة خصبة لعدة أشهر! فيما وراء الحجاب يوجد انفجار للحياة.. فيما وراء الحجاب، حيث الحياة، هو المكان الطبيعي االذي صُمَّم الإنسان ليحيا فيه، لكنه فقده بالسقوط، وصار في احتياج مُلِح لطريق جديد يحمله ويدخل به إلى ما وراء الحجاب، حيث الحياة.. المسيح صار لنا هذا الطريق. صار "هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ" (عب٦: ١٩)، حيث الحياة. 

والعجيب أن المسيح صنع لنا هذا الطريق بأحد مفردات إنسانيتنا التي مُجِدت فيه، ألا وهي جسده. "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ." (عب١٠: ١٩، ٢٠). صار جسده، الذي يحملنا فيه لأننا "من لحمه ومن عظامه" (أف٥: ٣٠)، هو الطريق الحديث الحي الذي نختبيء فيه – لذا دُعِيّ "حجاب" – فنوجد في قدس الأقداس السماوي حيث إنفجار الحياة وتثبيت البعد فوق الطبيعي في الحياة المسيحية. فجسد الرب صار لنا حجابًا للوصل، غلبنا به حجاب الفصل العتيق، لذا شُقّ هذا الحجاب القديم عندما أكمل الرب العمل على الصليب! فحجابنا الجديد الذي يدخل بنا لنعاين ونختبر ونتذوق المجد – جسد الرب – قد استُعلِن، وتثبت لنا كحقٍ أصيل يضمن لنا تجلي إنسانيتنا وعبورها الجديد نحو الحياة الفائقة.

الاختبار التَحَقُقِي الذاتي لاستعلان قوة عبور المسيح فينا

مما لا شك فيه أنّ "الإيمان" بالحقائق السابق ذكرها، يُشكل ركيزة أساسية لتَحقُق عبور المسيح فينا، وأساس لا غنى عنه لاختبار هذا العبور بشكل ذاتي، مما يضمن تحقيق دعوة الرب العليا في حياة كلٍ منا. ولكن، ما أود أن ألفت إليه النظر، هو أنّ "الإيمان" هنا لابد أن يُفهَم كإطار متحرك حياتيًا (بشكل ديناميكي) نحو تحقيق الهدف. فالعبور لا يتحقق ذاتيًا، فقط، بترديد أساسيات الإيمان واللهج بها (الذي هو جيد في حد ذاته). لكن"العبور" في جوهره هو حركة ديناميكية تقدمية، مُشبَّعة بهذا الإيمان، تستند على عبور المسيح بنا كنقطة إنطلاق كيانية (أساس وجودي) للعبور الذاتي الشخصي الذي لابد أن يُتَمم بالاتحاد بالمسيح الذي عبر بإنسانيتنا -بنا- في جسده نحو الحياة والخلود. بكلمات أخرى، على الرغم من أنّ عبور المسيح لأجلنا يحمل بداخله بعدًا بدليًا مؤكدًا (أي اجتيازه لأمور بدلاً عنا، كي لا نجتاز نحن فيها)، إلا أنّ أيضًا عبور المسيح "بنا" – وهذا ما أود التركيز عليه هنا – يحمل لنا، كما سبق وأشرت في الجزء الأول من هذا المقال، قوة كامنة لعبورنا الشخصي، لابد أن تُفعَّل في حياتنا من خلال اختبارات واقعية ذاتية نجتاز فيها، وتُستعلَن فينا من خلالها قوة عبوره التي انسكبت فينا، بإيماننا به، واتحادنا معه (هو الحياة) فيما وراء الحجاب. فعبور الرب "بنا،" الذي أتمّه الرب منذ أكثر من ألفي عام، يُشكِل قوة مُذخرة لنا في الروح، ما أن ندركها وننفتح لاستقبالها في أعماقنا، حتى نجد أنفسنا وقد تغيرنا تغييرًا جوهريًا (كالدودة التي تصير فراشة)، من أناسٍ طبيعيين إلى أناسٍ مقدسين، النور الذي يشع منهم يُشكِل طاقة في الروح تمكنهم من اجتياز التحديات، وتجعلهم قادرين على العبور بنصرة حتى أصعب مواقف الحياة لأجل إتمام مشيئات الرب وقصده في الحياة. عدم فهم "عبورنا" بهذا المنظور الذاتي التحقُقِي، أدى بالبعض إلى تلخيص الأمر في بعد قانوني، يركز فقط على ما صنعه المسيح لأجلنا، "كبديل" لما ينبغي ان نجتازه نحن. وهذا السجال يظهر جليًا في بعض حقب تاريخ الكنيسة، ومن أبرزها حقب النهضات التي تخللت تاريخ تقاليد القداسة في الغرب بدءًا من القرن الثامن عشر. فعلى سبيل المثال، بينما فهم جون وسلي ميراث الخلاص بشِقيْه؛ الشِقْ القانوني الموضوعي، والشِقْ الذاتي التحقُقي - سواء تدريجيًا تقدميًا أو فوريًا معجزيًا، فإنّ كثير من أتباعه بعده فضلوا التركيز على الجانب القانوني، الذي يتحقق ذاتيًا من خلال المعجزة الفورية استنادًا إلى البدلية الكفارية، ولم يعطوا إنتباهًا كافيًا لإجتياز المسيح "بنا،" الذي يوفر أساسًا وجوديًا لاختبار التجلي التدريجي والنصرة التقدمية في الاختبار الشخصي. وأود أن أكرر مرة أخرى، أنه على الرغم من أنّ البعد البدلي موجود في عبور المسيح لأجلنا، إلا أنّ هذا البعد لا يُشكِل كل أبعاد عبورنا.

ولإيضاح هذه الحقيقة، سأركز على معركة الرب في بستان جثسيماني، كمثال، وسأتعامل تفسيريًا مع هذه الحادثة على أنها شكّلت تحديًا كان على الرب أن يجتازه – وقد اجتازه بنصرة – لأجل إتمام دعوته بالوصول إلى الصليب والموت والقيامة والصعود. إجتاز الرب في جثسيماني معركة ضارية مع الحزن والمعاناة. قال الرب لتلاميذه واصفًا ما كان يجتازه في تلك الليلة: "نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ" (مر١٤: ٣٤). ويسجل لنا البشير لوقا، واصفًا معركة جثسيماني، أنّ الرب "إِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ." (لو٢٢: ٤٤). والكلمة المُترجمة هنا "جهاد" تأتي في الأصل اليوناني (γωνί)، وتُترجم في الإنجليزية (agony) ومعناها "معاناة شديدة." ويخبرنا دارسي اللغة أن هذه الكلمة، في تركيبتها اليونانية هذه، لم تستخدم في الكتاب المقدس إلا في هذا الموضع فقط، إذ استخدمها لوقا "الطبيب" – بالروح القدس – لوصف معاناة الرب التي عبرت كل حدود طبيعية في بستان جثسيماني، حتى اختلط دمه بعرقه النازل على الأرض. الرب في بستان جثسيماني كان عابرًا بنا في إنسانيته عبورًا نحو تتميم الغرض والقصد. فشل آدم الأول في إتمام قصد خَلقِه عندما هُزِم في الجنة (في بستان)، وجاء آدم الأخير، الرب يسوع، حاملاً إيانا في إنسانيته، ليجتاز آلام جثسيماني -بستانًا آخر- بنصرة، ويُصر على الذهاب إلى الصليب لإتمام دعوته بالصلب والموت والقيامة والصعود.

والآن، أريد أن أوضح فارقًا دقيقًا جدًا بين ما اجتازه الرب في جثسيماني كبديلٍ عنا (أي لكي لا نحمله أو نتحمله نحن فيما بعد)، وما اجتازه الرب في جثسيماني كسابق لأجلنا، لكي يُعِد إنسانيتنا لاستقباله واختباره ذاتيًا في حياتنا. اجتاز الرب المعاناة التي لا توصف، ال (agony أو γωνί)، انسحاق النفسية الذي يصل لدرجة أن عرقه يصير كقطرات دم نازلة على الأرض، كبديل عنا، لكي لا تنسحق نفسياتنا نحن في الأوقات الصعبة والامتحانات الروحية، اجتاز هذه الآلام لأجلنا، لكي لا تأتي علينا وتسحقنا. بينما اتحد في جثسيماني بمشيئة الآب واستقبل معونة الملائكة، وقوة الروح، بإنسانيته كالكلمة المُتجسد، فتمَكَّن من عبور آلام جثسيماني، لكي يفتح لنا طريقًا في الروح لاستقبال نفس نوعية النصرة في اختباراتنا الحياتية، ولكي يُمَكِّن إنسانيتنا من استقبال ما صنعه لنا في جسده من نصرة وعبور. فالمسيح عبر بإنسانيتنا، ليتيح لي ولك استقبال قوة العبور، في كل عبور شخصي لأودية حياتنا، بدون الانسحاق النفسي. ولكن هذا في حد ذاته يشير إلى أنّ اختبارات الأودية، أو امتحانات الإيمان، هي جزء من النمو الروحي في حياة المؤمن. نعم المعجزات الفورية هي أحد أدوات الرب ليُمَكنُنا من اجتياز الأودية، لكن أيضًا "تفعيل قوة العبور في كياناتنا" هي أداة أخرى استخدامها حَتمِي لتنقلنا إلى إدراك ذاتي لقوة ومجد المسيح القائم فينا! فأن تنفتح أبواب السجن بقوة معجزية أمام بولس وسيلا هي معجزة عظيمة، جميعنا يتشوق لها. لكن أيضًا أن يكتب بولس من السجن "افْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوَا" (في٤: ٤)، وأن يعبُر بولس كل إضطهادات وإعاقات وصعوبات في خدمته ممتلئًا بالروح وغير خائرًا، ليُتم سعيه والخدمة التي تسلمها من الرب، هو إعلان عن قوة العبور الإلهية العاملة في بولس، والتي مَكّنَّتْهُ من اختبار حرية مجد أولاد الله حتى في أصعب الظروف.

فهم واستيعاب أن أحد مفردات مشيئة الله هي أن يُشكِل فينا كيانات عابرة بمجد وفرح ونصرة ونور، وأنّ المسيح يريد أن ما صنعه "لنا" يتصور "فينا"، يُمكِن أن يُفسِر لنا مَغزى أن يقضي الإنسان سنوات من عمره يواجه تحديات أكبر من إمكانياته ويتعامل مع ظروف حياة تحتاج لمعجزة دائمة، وهو في نفس الوقت مُوقِن أنه في ملء مشيئة الله!! الذهن الطبيعي يرى في هذه التحديات سببًا كافيًا للفشل، وينظر للظروف الصعبة على كونها فقط تُشكِل تحديًا لما صنعه المسيح لأجلنا وحاجزًا أمام التحقُق القانوني لميراث الفداء.. بينما الذهن المُجدَد يُمكنه أن يرى في أوقات التحديات فرص عظيمة لاستقبال نعمة الرب وقوة العبور المُذخرة لنا فيه كيانيًا لأجل الاجتياز بنصرة. فالتشكيل الكامل في حياة مَن يحيون في ملء المشيئة الإلهية، بالتأكيد لا يريده الرب أن يحدث من خلال خبرات فشل، إنما يريده الرب أن يحدث من خلال استقبالات متتالية مستمرة للنعمة ولقوة العبور الذي أتمَّه الرب بنا في آلامه وموته وقيامته. هذه الاستقبالات المتوالية لقوة العبور تحدث في أوقات عبادة وصلاة يتحقق فيها اتحادًا ذاتيًا مع الرب وتثبيتًا كيانيًا لنا في المسيح الكرمة، حيث تنساب عصارة الكرمة، عمل الروح الذي يشمل قوة العبور المُذخرة لنا في الروح، فنستقبل ونتيقن إختباريًا من القوة المُنسكبة فينا، والتي  تُمكِّنُنَا أن نخرج للتعامُل مع التحديات وتخطيها بنجاح، والإكمال في المشيئة بفهم ونور وقوة. وعندئذ تتحول التحديات إلى محطات لاستقبال قوة العبور وللنمو في استقبال نعمة ربنا يسوع المسيح، وهو الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَنا غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفنا أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ.

   بقلم دكتور/ ثروت ماهر

دكتوراه في اللاهوت (PhD) - جامعة ريجينت، فرجينيا

عيد القيامة - إبريل ٢٠١٧
 

------------------------------

هَويتُنا كتلَامِيذ وكَأغْصَان فِي الكَرْمَة، والعِلاقْة بَينهُمَا
مقال لاهوتي بقلم دكتور/ ثروت ماهر
عندما تكلم المسيح عن المؤمن مُستخدمًا طرق وتشبيهات مختلفة، لم يكن المسيح يوضح لنا نفس الفكرة من خلال مترادفات، لكنه كان يتحدث عن زوايا مختلفة من حياة المؤمن، لكنها مُكملة بعضها لبعض، أي مُتكاملات، أمور تكاملية لوصف الأبعاد المختلفة لحياة المؤمن. بكلمات أخرى، المسيح لم يكن يصف ذات الأمر -أو ذات البعد في حياة المؤمن- بتشبيهات مختلفة، لكنه كان يصف أبعاد "تكاملية" "مختلفة" في حياة وتكوين المؤمن، من خلال تشبيهات تكاملية مختلفة.
فمثلاً، وصف المؤمن بكونه تلميذ لا يترادف مع وصف المؤمن بكونه غصن في الكرمة. ولكن، ومع كونهما بُعدَان غير مترادفين، هما في نفس الوقت مرتبطان بعضهما ببعض، وغير منفصلين، بل ويكمل كلٌ منهما الآخر.
فبشكلٍ عام، التشبيهات العملية (تلميذ-جندي-متسابق؛ إلخ) لا يمكن فهمها بمعزل عن التشبيهات المستيكية/السرائرية (غصن-نور؛ إلخ).
فالتشبيهات العملية تعطي "آليات" الحياة المسيحية، بينما التشبيهات المستيكية/السرائرية تشير إلى "الطاقة" اللازمة لتفعيل هذه الآليات.
فعلى سبيل المثال، التلمذة (أمر عملي) لا يمكن أن يُتَمَم بدون تدفق عصارة الكرمة (أمر سرائري/مستيكي). لذا نجد ذكر (التلمذة) في قلب حديث الرب عن كونه الكرمة ونحن الأغصان.. "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا... بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي." (يو١٥: ٥، ٨)
والأمر هنا يشبه ماكينة تعمل بالكهرباء، هذه الماكينة لها آلية محددة في العمل، بمعنى أن التروس تدور معًا بشكل معين في اتجاهات محددة بزوايا محددة لإنتاج منتج محدد، ولكن هذه الآلية بكاملها لا يمكن أن تعمل بدون أن تكون الماكينة موصلة بالتيار الكهربائي..
ورجوعًا إلى مثالنا، التلمذة بآلياتها هي الماكينة بتروسها، وتدفق عصارة الكرمة هنا يشير إلى توصيل الطاقة الكهربائية.
مفردات التلمذة – كالتوجيه الممنهج وتقديم المثال والتشجيع، إلخ.. – لا يمكن أن تُتَمِم القصد وحدها؛ بدون تدفق عصارة الكرمة – التي هي قوة الحياة الإلهية المتدفقة من خلال الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي والثبات فيه. أي أن فاعلية مفردات التلمذة تتوقف على تدفُق الحياة الإلهية في كيان التلميذ.
ليس فقط لأن عصارة الكرمة هي "الطاقة" اللازمة للتلمذة، لكن لأن أيضًا عصارة الكرمة هي المُحدِد الأساسي لنوعية التلميذ الناتج عن عملية التلمذة، بكلمات أخرى، فإن العصارة المُتدفقة هي التي تُحدد "جوهر" المنتج النهائي للتلمذة، بينما آليات التلمذة هي التي تُحدِد "صلابة وتشكيل واتساق واتجاه" هذا المنتج النهائي.
ولفهم هذه النقطة، يمكننا ببساطة التذكير بأن الكثير من الديانات (الشرقية والغربية) لديها فكرة التلمذة من خلال آليات ومناهج مختلفة، ولكل منها منتجها النهائي الذي يشير بشكل ما، إلى منهج تكوينه والقوة الكامنة وراء تشكيله بالطريقة التي تشكل بها.
لكن، ما يميز التلميذ المسيحي، ليس أنه فقط تلميذ يتبع منهج أو آليات تلمذة محددة، لكن أنه غصن مُثبت في الكرمة الإلهية! أي أن هذه الصلة الكيانية القائمة بين الكرمة وأغصانها والمُفَعلة بعصارة متدفقة في الأغصان، هي الجوهر الحي الأساسي الذي يعطي عملية التلمذة المسيحية ليس فقط طاقتها، لكن أيضًا يحدد اتجاهها وجوهر منتجها النهائي (التلميذ)! ولأجل الإيضاح بشكل أبسط، على سبيل المثال، فإن محبة الأعداء هي أحد مفردات التلمذة المسيحية، والمسيح هو مثالها. وعلى الرغم من أن كثيرون يعرفون عن المبدأ والمثال، إلا أن هذه المعرفة لا تكفي لتلمذتهم لكي يحيوْا هذا المبدأ! ما يُمكِن التلميذ المسيحي حقًا أن يحيا هذا المبدأ هو قوة العصارة (عمل الروح القدس) المتدفقة في كيان هذا التلميذ لكونه غصن متصل بالكرمة.
وهنا يظهر جليًا أن الوجود والثبات الكياني في الكرمة (الرب يسوع) واستقبال العصارة بشكل كياني مستمر (من خلال تكرار اختبارات الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي) هو جوهر تفعيل عملية التلمذة وضمان نتائجها. إذ أن التلمذة المسيحية ليست فقط تلمذة لأجل الالتزام بنمط حياة، لكنها تلمذة لأجل تشكيل كيان حي يحيا ملتزمًا بنمط حياة – أي تشكيل كياني يتم بقوة الروح (العصارة المُتدفقة في الأغصان) لأجل تمكين التلميذ (الكيان المُشكَل) من إتمام مفردات حياة التلمذة اليومية.

   بقلم دكتور/ ثروت ماهر

دكتوراه في اللاهوت (PhD) - جامعة ريجينت، فرجينيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق