الخميس، 25 يناير 2018

هَويتُنا كتلَامِيذ وكَأغْصَان فِي الكَرْمَة، والعِلاقْة بَينهُمَا




هَويتُنا كتلَامِيذ وكَأغْصَان فِي الكَرْمَة، والعِلاقْة بَينهُمَا

مقال لاهوتي بقلم دكتور/ ثروت ماهر

عندما تكلم المسيح عن المؤمن مُستخدمًا طرق وتشبيهات مختلفة، لم يكن المسيح يوضح لنا نفس الفكرة من خلال مترادفات، لكنه كان يتحدث عن زوايا مختلفة من حياة المؤمن، لكنها مُكملة بعضها لبعض، أي مُتكاملات، أمور تكاملية لوصف الأبعاد المختلفة لحياة المؤمن. بكلمات أخرى، المسيح لم يكن يصف ذات الأمر -أو ذات البعد في حياة المؤمن- بتشبيهات مختلفة، لكنه كان يصف أبعاد "تكاملية" "مختلفة" في حياة وتكوين المؤمن، من خلال تشبيهات تكاملية مختلفة.

فمثلاً، وصف المؤمن بكونه تلميذ لا يترادف مع وصف المؤمن بكونه غصن في الكرمة. ولكن، ومع كونهما بُعدَان غير مترادفين، هما في نفس الوقت مرتبطان بعضهما ببعض، وغير منفصلين، بل ويكمل كلٌ منهما الآخر.

فبشكلٍ عام، التشبيهات العملية (تلميذ-جندي-متسابق؛ إلخ) لا يمكن فهمها بمعزل عن التشبيهات المستيكية/السرائرية (غصن-نور؛ إلخ).

فالتشبيهات العملية تعطي "آليات" الحياة المسيحية، بينما التشبيهات المستيكية/السرائرية تشير إلى "الطاقة" اللازمة لتفعيل هذه الآليات.

فعلى سبيل المثال، التلمذة (أمر عملي) لا يمكن أن يُتَمَم بدون تدفق عصارة الكرمة (أمر سرائري/مستيكي). لذا نجد ذكر (التلمذة) في قلب حديث الرب عن كونه الكرمة ونحن الأغصان.. "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا... بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي." (يو١٥: ٥، ٨)

والأمر هنا يشبه ماكينة تعمل بالكهرباء، هذه الماكينة لها آلية محددة في العمل، بمعنى أن التروس تدور معًا بشكل معين في اتجاهات محددة بزوايا محددة لإنتاج منتج محدد، ولكن هذه الآلية بكاملها لا يمكن أن تعمل بدون أن تكون الماكينة موصلة بالتيار الكهربائي..

ورجوعًا إلى مثالنا، التلمذة بآلياتها هي الماكينة بتروسها، وتدفق عصارة الكرمة هنا يشير إلى توصيل الطاقة الكهربائية.

مفردات التلمذة – كالتوجيه الممنهج وتقديم المثال والتشجيع، إلخ.. – لا يمكن أن تُتَمِم القصد وحدها؛ بدون تدفق عصارة الكرمة – التي هي قوة الحياة الإلهية المتدفقة من خلال الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي والثبات فيه. أي أن فاعلية مفردات التلمذة تتوقف على تدفُق الحياة الإلهية في كيان التلميذ.

ليس فقط لأن عصارة الكرمة هي "الطاقة" اللازمة للتلمذة، لكن لأن أيضًا عصارة الكرمة هي المُحدِد الأساسي لنوعية التلميذ الناتج عن عملية التلمذة، بكلمات أخرى، فإن العصارة المُتدفقة هي التي تُحدد "جوهر" المنتج النهائي للتلمذة، بينما آليات التلمذة هي التي تُحدِد "صلابة وتشكيل واتساق واتجاه" هذا المنتج النهائي.

ولفهم هذه النقطة، يمكننا ببساطة التذكير بأن الكثير من الديانات (الشرقية والغربية) لديها فكرة التلمذة من خلال آليات ومناهج مختلفة، ولكل منها منتجها النهائي الذي يشير بشكل ما، إلى منهج تكوينه والقوة الكامنة وراء تشكيله بالطريقة التي تشكل بها.

لكن، ما يميز التلميذ المسيحي، ليس أنه فقط تلميذ يتبع منهج أو آليات تلمذة محددة، لكن أنه غصن مُثبت في الكرمة الإلهية! أي أن هذه الصلة الكيانية القائمة بين الكرمة وأغصانها والمُفَعلة بعصارة متدفقة في الأغصان، هي الجوهر الحي الأساسي الذي يعطي عملية التلمذة المسيحية ليس فقط طاقتها، لكن أيضًا يحدد اتجاهها وجوهر منتجها النهائي (التلميذ)! ولأجل الإيضاح بشكل أبسط، على سبيل المثال، فإن محبة الأعداء هي أحد مفردات التلمذة المسيحية، والمسيح هو مثالها. وعلى الرغم من أن كثيرون يعرفون عن المبدأ والمثال، إلا أن هذه المعرفة لا تكفي لتلمذتهم لكي يحيوْا هذا المبدأ! ما يُمكِن التلميذ المسيحي حقًا أن يحيا هذا المبدأ هو قوة العصارة (عمل الروح القدس) المتدفقة في كيان هذا التلميذ لكونه غصن متصل بالكرمة.

وهنا يظهر جليًا أن الوجود والثبات الكياني في الكرمة (الرب يسوع) واستقبال العصارة بشكل كياني مستمر (من خلال تكرار اختبارات الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي) هو جوهر تفعيل عملية التلمذة وضمان نتائجها. إذ أن التلمذة المسيحية ليست فقط تلمذة لأجل الالتزام بنمط حياة، لكنها تلمذة لأجل تشكيل كيان حي يحيا ملتزمًا بنمط حياة – أي تشكيل كياني يتم بقوة الروح (العصارة المُتدفقة في الأغصان) لأجل تمكين التلميذ (الكيان المُشكَل) من إتمام مفردات حياة التلمذة اليومية.

دكتور ثروت ماهر – يناير ٢٠١۸


الثلاثاء، 23 يناير 2018

نوح ودلالة الرقم "ثمانية" - كلمة نبوية لعام ٢٠١٨


 

نوح ودلالة الرقم "ثمانية" - ۸

كلمة نبوية لعام ٢٠١٨

الأخ/ ثروت ماهر


أعطاني الرب نواة هذا التأمل منذ ما يقرب من العام، لكني شعرت هذه الأيام أن هذه الكلمات تحمل بعدًا نبويًا خاصًا لهذا العام الجديد ٢٠١٨، وبالفعل أضاف الروح القدس في أعماقي أبعادًا جديدة أضفتها إلى الرسالة التأملية الأصلية لتُشكل ما أؤمن أنه كلمة نبوية بسيطة من الرب لنا لهذا العام.

إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ. ٢بط٢: ٥

... but saved Noah the eighth person, a preacher of righteousness, bringing in the flood upon the world of the ungodly   

 يقول الروح القدس في هذا الشاهد: إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ.

والمُلاحظ هو استخدام الوحي لكلمة (ثامنًا) وهي كلمة تدل على أن نوح، كما هو معروف، لم يكن وحده في الفلك، لكن كان معه سبعة آخرون؛ زوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم..

الروح القدس يريد أن يلفت انتباهنا في هذا العام - عام ٢٠١٨ إلى:

١  - الإشارة إلى أن نوح كان (ثامنًا) تُسلِط الضوء على أن نوح بإيمانه لم يُنقَذ وحده، لكنه أعلن ما وضعه الرب في قلبه للآخرين.. آمن نوح ونطق بإيمانه، وشرح ما أؤتمن عليه من الرب لمَن هم حوله، وهذا قاد الآخرين إلى أن يؤمنوا، ويُنقٓذوا..

في هذا العام، يريد الرب أن يقودك لمواقف تكلم أشخاص فيها بكلمات الرب التي وضعها في قلبك، قد تكون هذه الكلمات تعليم، صلوات، نبوة، إعلان.. أيًا كان ما يضعه الروح بداخلك، وتتأكد أنه حقيقي من الروح، ويريدك الرب أن تشارك به، شارك به الأشخاص الذين يشير لك الرب عليهم.. كلماتك ستصنع حياة وإنقاذ.. التعليم الذي يأتمنك عليه الروح لتُعلنه لمَن حولك، لا تتردد في إعلانِه وشرحه في الوقت المناسب الذي يقودك له الروح القدس.. التعليم الصحيح سيصنع إنقاذ لكثيرين في هذا العام.. النور المُعلَن في التعليم الصحيح سيقود أشخاص إلى مستوى جديد من التقديس وهذا سيصنع شفاء عميق في علاقة كثيرين مع الرب.. أثناء أحاديثك مع بعض الأشخاص في هذا العام، سيذكرك الروح بأجزاء من تعاليم روحية محددة، شاركها بدون تردد عندما تشعر بقيادة إلهية.. هذا يمكن أن يُسمى تعليم نبوي.. أي تعليم روحي يُطلَق في وقتِه الصحيح تمامًا، ويتناسب مع احتياج أعماق الشخص الذي تتحدث معه، وهذا سيأتي بثمر كثير..

٢  - بعض الدارسين يرون أن كلمة (ثامنًا) تشير إلى الترتيب الذي كان لنوح في دخولهم جميعًا للفلك، أي أن نوح كان آخر واحد دخل الفلك - الشخص رقم ثمانية - وأنا أميل لهذا التفسير، لأنه يتناسب مع كون نوح "أب" حقيقي يطمئن على زوجته وأولاده أنهم دخلوا الفلك، ثم يدخل هو ويغلق الباب..

والآن ماذا يعني أن الروح يهتم بذكر هذا الأمر البسيط أن نوح كان (ثامنًا)؟

أرى أن هذا يشير إلى ثلاثة أبعاد يريد الروح القدس أن يلمعها لنا:

البعد الأول: تلميع بُعد "الأبوة" - الرعاية الأبوية والاهتمام الأبوي - يريد الروح القدس أن يُفجِر أبوة حقيقية في وسط جسد المسيح في هذا العام- يريد الروح القدس أن يقيم آباء وأمهات روحيين يرعوا رعية الله، بقلب الله، بلا اضطرار وبلا ربح قبيح (إشباع نفسي أو مادي) - جاء الوقت لخدمة رعوية نبوية نقية، لرد قلوب الآباء على الأبناء، والأبناء على الآباء - جاء الوقت لهزيمة ساحقة لروح اليُتم في جسد المسيح..

وكما أنه وقت لاستعلان صورة المسيح في عروسه بدون رتوش، هو أيضًا وقت لاستعلان أبوة الآب السماوي من خلال آباء روحيين في كنيسة المسيح كملهم الرب لإعلان قلبه لأولاده بنماذج حية ممتلئة بنضوج الأبوة ومُعلنة للثقة التي ينبغي أن تسود وسط عائلة الرب - "أهل بيت الله"!

البعد الثاني: تأكيد أن الرب مُهتم بأدق تفاصيل أفعالك وقيامك بالأشياء، مُهتم الرب بتوقيت وكيفية عملك للأشياء، والتكليفات التي يعطيها لك، يصف الوحي باهتمام أنَّ نوح كان (ثامنًا)! حرص الروح القدس على ذكر الترتيب الذي أخذه نوح لنفسه!  كان الرب يرى الترتيب الذي أخذه نوح عند دخوله الفلك ويوافق عليه!! كان نوح في المكان والزمان الصحيح يفعل الشيء الصحيح! أخذ لنفسه المكان الأخير، وهكذا كان في مشيئة الرب!! أصلي أن الرب يمسك بيد كل شخص فينا لنكون مثل نوح، في الترتيب الصحيح الذي يراه الرب ويُسر به.. لنكون في هذا العام ٢٠١٨ تحت المسحة بكل التفاصيل - الرسول توما لم يكن مع التلاميذ عند ظهور الرب الأول لهم مجتمعين بعد قيامته. غياب توما عن المكان الصحيح جعله يتأخر عن موجة الإيمان التي صنعتها زيارة الرب للتلاميذ وهم مجتمعين معًا.. ظل توما ثمانية أيام متأخرًا ومحاط بالشك إلى أن ظهر الرب له وللتلاميذ مرة أخرى!! في ٢٠١٨ وجودنا في المكان الصحيح والزمان الصحيح له علاقة بطاقة الإيمان المنفجرة بداخلنا لأجل تحقيق تكليفات الرب لنا!

البعد الثالث: أمر آخر يخبرنا به كون نوح (ثامنًا)، وهو أن نوح كان يفعل الأمور بمحبة حقيقية للآخرين وتقديم لهم عن نفسه، وأيضًا بثقة حقيقية أن الرب معه، ولن يسمح أنه في تضحيته يخسر أو يُضَر.. نوح أدخل زوجته وأبناءه بمحبة وثقة حقيقية في الرب.. قدمهم في الدخول وهو مُستند على ذراع الرب القوية.. في بداية هذا العام، يذكرنا الرب أن نكرم ونقدم بعضنا بعضًا، بلا خوف ولا تردد، واثقين أنه هو يحملنا ويسدد احتياجاتنا بحسب غناه في المجد..

لا للشك.. لا لعدم تقديم الآخرين وإكرامهم.. لا للعلاقات المُشوهة.. لا للكلمات والنصائح والعبارات لخارجة من جذر مرارة.. لا لأي مرارة داخلية.. تنقية لمياه مارة.. تنقية للعلاقات، التي من عند الرب، من كل مشاكل وسوء فهم.. نعم للمحبة.. نعم للإكرام.. نعم لكلمات الثقة.. نعم لكلمات الأبوة الدافئة التي تطلق أجيالاً للرب مُحررين من التبعية السطحية ومفكوكين من الشك والبرودة وعدم الآمان.. نعم لبدايات جديدة قوية ثابتة في هذا العام ٢٠١٨.. نعم لعمل الروح الذي يفوق كل حدود – في اسم الرب يسوع المسيح رئيس ملوك الأرض – له المجد في الكنيسة إلى أبد الآبدين.

الأخ / ثروت ماهر

يناير ٢٠١٨ – فريق خدمة السماء على الأرض