الجمعة، 14 يناير 2011

أبيجايل.. قلب يرى الملك..




أبيجايل... قلب يرى الملك..

جلست أبيجايل في مشغلها تغزل بيديها على النول اليدوي سجادة زاهية الألوان... وأسرعت أصابعها تداعب النول بكل رقة ومهارة، وعيناها تتأمل الألوان لتضع كل لون في مكانه.. فها الأحمر القرمزي يسبق الأرجواني الملوكي ويتداخل معه، ليصنعا لوحةً مشرقةً بالأصالة والفخامة!! وبينما تُحرك أبيجايل قاعدة النول بقدميها،  وأصابعها تجري على مشط النول ببراعة وانسيابية هادئة، إذ بصوت ضجيج يخترق الشرفة الخارجية، ويقترب بطرقات منزعجة على باب المشغل!!

فتحت أبيجايل الباب لتجد أمامها مجموعة من غلمان زوجها نابال، وأسرع أحد الغلمان لاهثًا يقول لأبيجايل أن داود أتيًا مع أربعمائة رجل من رجاله ليحارب نابال زوجها، ويقضي عليه وعلى بيته!! وإذ ارتسمت علامات الذهول على وجه أبيجايل، بدأ الغلام بكلمات سريعة يروي كيف أن داود ورجاله كانوا في الشهور السابقة نعم الأصدقاء لهم... لم يؤذوهم أبدًا، بل على العكس عملوا على حمايتهم وحماية ممتلكاتهم... إلى أن أرسل داود إلى نابال، زوج أبيجابل، يسأله أن يعط بعضًا من أغنامه المذبوحة لغلمانه، وخصوصًا أن غلمان داود في هذا الوقت كانوا مطاردين مع داود ومشغولين بالهرب من شاول، ولم يكن عندهم وقت لرعي الأغنام أو ذبحها... وإذ أتى رسل داود إلى نابال، ثار عليهم نابال ورفض أن يعطيهم شيئًا، وتكلم على داود كلمات غير لائقة.. وعلم داود بهذا كله، فثار جدًا، وقرر أن يخرج هو ورجاله لمحاربة نابال، وها داود آتيًا مع رجاله للقضاء على نابال وبيته..!!

سمعت أبيجايل كلمات الغلام باهتمام شديد.. ثم أدارت وجهها بصمت لتركز عيناها على خيوط النول القرمزية والاسمانجونية المتتابعة.. قالت لنفسها بصوت خافت: "داود الملك آت..!! نعم.. داود الملك آت..!!"

سمعها الغلام رغم خفوت صوتها، وقال بدهشة معترضًا: "سيدتي، إن داود هو بالحق رجل قوي وقائد شجاع، ولكنه ليس الملك، في الحقيقة هو هارب من وجه الملك شاول!!"

نظرت أبيجايل إلى الغلام ورفقائه في ثبات، وقالت: "لا.. أنا أعني ما قلته تمامًا.. داود الملك آت.. إن داود ليس مجرد قائد شجاع!! إنه الملك الآتي على كل إسرائيل.. إن الرب صنع به انتصارات عجيبة، وبداخلي يقينًا أنه هو الملك الحقيقي. وحتى إن كانت الظروف لا تشير إلى أنه الملك الآن، والأحداث لا تؤكد هذا تمامًا، إلا أنّ قلبي يؤكد لي أن داود هو الملك الحقيقي!!.. نعم داود هو الملك الحقيقي..!!"

نظر الغلمان بذهول إلى سيدتهم، وقبل أن ينطقوا بكلمة أمرتهم أبيجايل أن يجهزوا لها "مئتي رغيف خبز، وزقيّ خمر، وخمسة خرفان مهيأة، وخمس كيلات من الفريك، ومئتيّ عنقود من الزبيب، ومئتي قرص من التين" (١صم ٢٥׃‏١٨). ثم قالت لهم "اعبروا قدامي. هأنذا جائية وراءكم" (١صم ٢٥׃ ١٩)

وذهبت أبيجايل لمقابلة داود، وأعطته الهدايا، واستحلفته أن يصفح عن ذنب زوجها، وألا يسكب دمه هو أو أي شخص من غلمانه.. وطلبت أبيجايل من داود أن يذكرها عندما يُستعلن ملكه على كل إسرائيل..!! وقَبل داود هدايا أبيجايل، وباركها قائلاً: "مبارك الرب إله إسرائيل الذي أرسلك هذا اليوم لاستقبالي، ومبارك عقلك، ومباركة أنت... اصعدي بسلام إلى بيتك. انظري. قد سمعت لصوتك ورفعت وجهك". (١صم٢٥׃ ٣٥).

ورجعت أبيجايل بسلام إلى بيتها، واخبرت زوجها نابال في اليوم التالي عما حدث، "فمات قلبه داخله وصار كحجر" (١صم٢٥׃ ٣٧). وبعد عدة أيام، ضرب الرب نابال فمات. ولما سمع داود أن نابال مات، طلب من أبيجايل أن تكون زوجة له. وبالفعل، وافقت أبيجايل وصارت زوجة لداود، داود الملك الذي بالفعل استعلن ملكه بعد موت شاول ملكًا على كل الشعب وعلى كل مملكة إسرائيل... وبذلك أصبحت أبيجايل، المرأة الحكيمة، هي زوجة الملك!!

عزيزي القاريء... هل أعجبتك قصة أبيجايل؟! في الحقيقة، هي إحدى القصص المُشوقَة في الكتاب المقدس، وقد رويتها لك مع إضافة بعد التفاصيل الروائية... ولكن صديقي، هي ليست قصة عادية. لكنها، مثلها مثل الكثير من قصص العهد القديم، تحمل لي ولك بُعدًا نبويًا هامًا لعلاقتنا مع حبيبنا وملكنا شخص الرب يسوع. لذا أشجعك قبل أن تواصل قراءة هذا المقال أن تفتح كتابك المقدس وتقرأ القصة بالكامل في سفر صموئيل الأول والإصحاح الخامس والعشرين، كما أشجعك أن ترفع قلبك للحظات، وتدعو الرب أن يأتي ويسكب إيمان جديد وفرح جديد وأنت تقرأ باقي هذا المقال...
نعم أيها الرب...تعال بروحك الآن..
املأ وقت القراءة هذا بأجواء حضورك...
أجواء سلطان الملك... لمسات الشفاء والتحرير من الخوف..
لمسات المعجزات وسكيب الإيمان.. بإسم الرب يسوع..

والآن عزيزي القاريء، أحب أن أشاركك بثلاث أبعاد هامة لعلاقتنا مع الرب في هذا العام، من خلال تأملنا في قصة أبيجايل...


أولاً: أبيجايل.. قلب يرى الملك بالإيمان، ولا يتأثر بالعيان..

صديقي، هل لاحظت أن أكثر شيء مميز في قصة أبيجايل، أنها رأت داود ملكًا، قبل أن يكون مُلكه قد استعلن بالفعل!! عندما قابلت أبيجايل داود، قالت له هذه الكلمات: "عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من أجلك، ويقيمك رئيسًا على إسرائيل... اذكر أمتك" (١صم٢٥׃ ٣٠). نعم.. أيقنت أبيجايل بقلبها أن داود هو الملك، حتى وإن كان العيان يقول عكس هذا.. وأعلنت بكلماتها ما صدقته بقلبها... وعلى العكس تمامًا كان زوجها نابال، الذي معنى اسمه أحمق، لا يرى إلا العيان، فلم يرى في داود سوى شخص مُطارد (١صم٢٥׃ ١٠،‏١١)..

والآن صديقي... الروح القدس يريد أن يفتح عيوننا في هذا العام، لنرى الملك.. يريد الروح أن يُكحل عيوننا لننظر في وسط أحداث حياتنا، ونرى يسوع ملكًا.. رأت أبيجايل داود ملكًا، فربحت حياتها، وأنقذت كثيرين.. نعم، في رؤية الملك حياة.. في نور وجه الملك حياة (أم١٦׃ ١٥)...

صديقي.. وأنت تحيا أيامك.. بأي عينان ترى؟! أترى بعيني لابان الذي لا يرى إلا العيان؟!! أم ترى بعيني أبيجايل التي تمتليء برؤية الملك؟! لقد امتلأت أبيجايل برؤية داود ملكًا، فاستطاعت أن تعبر العيان وتصدق الآتي... وأنا وأنت.. ألا نمتليء برؤية داود الحقيقي ملكًا، الرب يسوع هو الملك الحقيقي.. الذي رؤيته ملكًا على حياتنا تفتح أجواءنا للإيمان لكي يتدفق، وتفتح أجواءنا للمعجزات كي تحدث بغزارة في وسطنا.. يسوع ملك... نعم وهو رئيس وباديء الإيمان وأيضًا مكمله... رؤيته ملكًا، رغم أي صعاب تجتاز فيها، تجعل الإيمان ينتعش بداخلك... رؤيته ملكًا، تجعل الصعاب والتحديات تظهر على حقيقتها.. صغيرة جدًا أمام الملك القدير.. هلليلويا... يسوع أعطِي اسمًا فوق كل اسم.. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممّن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض.. هلليلويا.. تذوب الجبال قدام الملك.. تتزلزل أساسات السجون أمام جلاله المهوب.. تشفى أصعب الأمراض، وتختفي الأورام أمام سلطان الملك.. يرسل كلمته، فيشفي.. لأن حيث كلمة الملك، فهناك سلطان...

عزيزي القاريء.. لنراه ملكًا... لنتوجه ملكًا بإيمان... لنكون مثل أبيجايل التي رأته بقلبها ملكًا.. صديقي، أيًا كان ما تعبر به.. الروح القدس يرسل لك هذه الكلمات، ليفجر بداخلك صورة وإعلان يسوع الملك.. الروح يريد أن يعطيك معجزتك.. ورؤيتك ليسوع ملكًا، هي مفتاح لمعجزتك ولإنقاذك خلال هذه الأيام...


ثانيًا: لنقدم للملك الهدايا.. لأنه مستحق..

قدمت أبيجايل هدايا لداود لأنها فهمت أنه الملك، مع أنّ مُلكه لم يكن قد استعلن بعد. وقدم المجوس الهدايا ليسوع لأنه الملك، مع أنه كان مُضجعًا في مذود!!... والآن.. أنا وأنت عزيزي القاريء لدينا نفس الفرصة، لنمارس الإيمان ونقدم هدايانا ليسوع وسط أي صعاب نعبر بها، ووسط أي عيان يريد أن يشكك في أنّ يسوع ملك... لنقدم له تسبيحنا.. تسبيح الملك.. لنقدم ثمر شفاه معترفة باسمه (عب ١٣׃‏ ١٥)... لنهتف له أمام الجبال في حياتنا.. ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض (مز ١٠٧׃ ٢٦).. نعم ونؤمن أن الجبال ستذوب ونحن نسبحه.. نعم ونؤمن أن الرب يحرك ذراعه القديرة، ويصنع عجبًا.. نعم.. نؤمن أنّ في وجه الملك حياة.. وأنّ حياته لنا.. سنسبحه رغم الصعاب.. وسَيُحول كل شيء لخيرنا.. فهو الملك... وهو ملكنا.. عزيزي، سبح الرب.. اعلنه ملكًا.. اعلن أنّ مجده ملء كل الأرض.. مجده سيملأ أرض حياتك.. واعلن أنّ مشيئة الملك ستجري سريعًا في حياتك.. بإسم الرب يسوع..

ثالثًا: أبيجايل.. حياة تفيض بالفرح..

عزيزي القاريء... أسماء الشخصيات في قصتنا لها مغزى هام.. فمثلاً نابال، الذي معنى اسمه حماقة وجهل، تصرف بالفعل مع داود بحماقة! وقالت عنه أبيجايل لداود أنه "كأسمه هكذا هو. نابال اسمه والحماقة عنده." (١صم٢٥׃ ٢٥)..

ولكن عزيزي، هل تعلم أن أبيجايل أيضًا، اسمها يعبر عن شخصيتها وعن نتائج أفعالها الحكيمة التي ترى الأمور الآتية، ولا تعتمد فقط على العيان!!... إن "أبيجايل" اسم يعني في لغته الأصلية "أب للفرح" أو "مصدر للفرح"... وكم كانت أبيجايل بالحق مصدر للفرح لداود!!... أما فرِح داود بمقابلة أبيجايل..! أما فرِح بكلماتها الحكيمة له التي رأته ملكًا، وصدقته وأعلنته ملكًا رغم الظروف المحيطة..! بالتأكيد فَرح داود بأبيجايل، ولهذا بارك الرب الذي أرسلها له، وأيضًا باركها. وبعد تغير ظروفها، طلبها للزواج، وبالفعل صارت عروسًا له.. عروس للملك!!...

عزيزي القاريء... إيماننا يُفرح قلب الرب.. إيماننا يفرح قلب داود الحقيقي.. الرب يسوع.. ملك الملوك، ورب الأرباب... بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب١١׃ ٦)... ولكن بالإيمان نُشبع قلب الرب.. نُفرح الروح الذي يتحرك لأجلنا، فتعمل كل الأشياء معًا للخير.. ويتحرك الروح القدس في حياتنا بقوة.. ويملأنا بثماره.. ويفيض علينا بمواهبه.. ويملأ أجواءنا بمعجزاته، فنفرح أكثر وأكثر.. وفرحنا يُزيد قوتنا، لأن فرح الرب هو قوتنا.. فنسلك بالإيمان في تخوم أوسع.. ونرى الرب ملك لاتساعات أعظم.. ونعلنه ملك.. وبالإيمان نراه يملك... يملك على نفوس أكثر.. يغير بسلطانه أجواء بلادنا.. يصنع بنا شوق قلبه...

نعم عزيزي القاريء... هيا.. هيا.. هيا لنعلنه ملكًا.. هيا لنطرد كل عدم إيمان.. ونمتليء بالثقة أنّ يسوع هو الملك الحقيقي.. هيا لنعلن هذا بكلماتنا.. لتتغير كلمات شفاهنا.. وعوضًا عن الكلمات السلبية، لتخرج كلمات الإيمان.. وتسبيح الإيمان الذي يرى ما لا يَُرى.. هيا لنكون مثل أبيجايل، نتوجه ملكًا.. ونقدم له هدايانا ملكًا.. ننتظره ملكًا.. إلى أن يُخضَع الكلَ له.. هيا ليفرح قلبه بنا.. هيا ليفرح قلب الملك بعروسه المجيدة.. هيا لنكون مثل أبيجايل والخمس فتيات اللاتي أخذتهن معها عند ذهابها كعروس لداود (١صم٢٥׃ ٤٢).. هيا لنكون كالخمس عذارى الحكيمات اللاتي امتلأت أوانيهن بالزيت.. لنُفرح قلب الملك.. ليفرح الملك بنا.. بكنيسته التي اشتراها بدمه.. لنبتهج جدًا جدًا.. لأنه ها هو آتٍ سريعًا.. الملك آتٍ.. لنسمع للصوت الخارج من العرش، كصوت مياه كثيرة ورعود شديدة، يعلن "قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد، لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها." (رؤ١٩׃‏٧)... هلليويا..

نعم أيها الرب.. أنت هو الملك الحقيقي..
ملك الملوك ورب الأرباب...
المس قلوبنا بسلطانك.. لتصير قلوبنا قلوب ترى الملك..
المس عيوننا، لنراك في كل ظروف حياتنا.. ملكًا متوجًا..
المس أجواء بلادنا بسلطانك.. لتمتلأ أجواءنا بإعلان مُلك يسوع..
وليُرعب تسبيحنا العدو.. فيهرب من أمامنا..
نعم، وليرتفع تسبيحنا: "الملك ببهائه يشرق في وسطنا بمجده.."
يشرق بالشفاء.. بالحرية.. بالغنى..بالمجد..
له المجد في الكنيسة إلى أبد الآبدين.. آمين..
ثروت ماهر/ يناير ٢٠١١

هناك 3 تعليقات:

  1. بجد مش قادره اقول المقال ده اثر فيا ازاي بجد الرب يباركك كتير يباركك بركه من السماء تهطل بركه من السماء الرب يمسحك اكتر مجدا ليسوع الملك المتوج مجدا ليسوع مايصنع بااولاده مبارك اسم الرب

    ردحذف