السبت، 18 ديسمبر 2010

العصفور وجد بيتا



العصفور وجد بيتًا...

"العصفور أيضًا وجد بيتًا، والسنونة عشًا لنفسها حيث تضع أفراخها، مذابحك يا رب الجنود، ملكي وإلهي.." (مز٨٤׃ ٣)

العصفور أيضًا وجد بيتًا.. يا لها من كلمات مشجعة يرسلها لنا الرب في نهاية هذا العام!!

العصفور وجد بيتًا.. تحدث الرب يسوع عن العصافير في أكثر من مناسبة. في إحدى المناسبات قال أنّ عصفوران يباعان بفلس (مت١٠׃‏٢٩). وفي مناسبة أخرى قال أن الخمس عصافير تباع بفلسين (لو١٢׃ ٦)... وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أنّ العصفور ثمنه زهيد جدًا.. رخيص جدًا.. بل إنه في بعض الأحيان عند شراء عصفوران بفلس مع عصفوران بفلس آخر، يعطي البائع عصفورًا خامسًا كهدية للمشتري، أو كما نسميه عصفورًا (على البيعة)، فيصبح "الفلسين" ثمنًا لخمسة عصافير بدلاً من أربعة!!

تخيل معي عزيزي القاريء، إنّ هذا العصفور الذي (على البيعة)، الله في محبته ورحمته لا ولن ينساه!! الله يعتني به!! نعم عزيزي.. وهذه ليست كلماتي أو أفكاري الشخصية!! إنها كلمات الرب يسوع شخصيًا.. إسمعه وهو يقول "أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسيًا أمام الله؟" (لو١٢׃ ٦)...

هلليلويا.. العصفور الصغير، الضعيف، الوحيد، الذي يوضع "على البيعة".. الذي لا يفكر فيه أحد، الله يفكر فيه.. الله لا ينساه وسط زحام الحياة... عزيزي، إن كان هذا هو قلب الله تجاه العصفور الذي ليس له اسم، الذي لا يتعدى أن يكون مجرد عصفور... فكم بالحري يكون قلب الله تجاهي وتجاهك؟!!

عزيزي، هل تعبر بوقت تشعر فيه أن الله بعيد عنك؟! هل تقول "قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقي إلهي.." ؟ (إش٤٠׃‏٢٧). صديقي.. كلا وألف كلا... الله لا ولم ينساك.. الله عينه عليك من أول السنة إلى آخرها (تث١١׃‏١٢).. كل ما تعبر به هو يعرفه جيدًا.. بل أنه يعرف أبعاده أكثر منك... كل صلواتك وتنهداتك هو يسمعها.. فهو الإله العظيم في محبته وفي قدرته... يا لعظمة الرب، لا ينسى عصفورًا قد نُسي من جميع الناس!! فكيف ينساني أو ينساك ؟؟

ليس هذا فقط عزيزي.. بل اسمع معي كلمات الآية العظيمة التي بدأت لك بها هذا المقال.. "العصفور أيضًا وجد بيتًا.." . هل تتخيل معي عزيزي، هذا العصفور الوحيد الذي لا يفكر فيه أحد... بعد رحلة طيران شاقة.. وبحث متواصل، نهار وراء نهار... أخيرًا وجد بيتًا!! وأين وجد هذا البيت؟ "مذابحك يا رب الجنود"... لقد وجد العصفور بيته في حضور الرب.. في الحضور الإلهي.. في ظلال مساكن رب الجنود.. ما أحلى مساكنك يا رب الجنود؟!
ويا لفرحة العصفور الصغير ببيته الجديد!!.. العصفور المنزعج يجد مسكنه في الحضور الإلهي!! بل وأيضًا السنونة، وهي طائر صغير جدًا في حجم العصفور وأصغر، وجدت لنفسها عشًا حيث تُسكِن أفراخها الصغيرة، وتطمئن عليهم.. العصفور والسنونة وجدا راحتهما وأمانهما في حضور الرب... العصفور والسنونة اللذان لا ثمن لهما، يرتب لهما الرب أمان وراحة وطمأنينة في حضوره.

عزيزي القاريء.. والآن ماذا عنك أنت؟!! هل مازلت مضطربًا.. منزعجًا؟!..
ألا تبتهج معي وأنت تقرأ هذه الكلمات؟! ألا تطمئن وتهدأ؟!.. ألا تفرح بإلهك العظيم، القدير، الرقيق القلب جدًا.. الذي عينه على كل تفاصيل حياتك؟!!

صديقي هل مازلت تفتقر للأمان؟ هل تشعر بالوحدة في أوقات رغم وجودك وسط بيتك وعائلتك؟!.. هيا صديقي.. هيا إلى حضوره، فالعصفور وجد بيته هناك، وأنا وأنت سنجد أماننا وراحتنا الحقيقية هناك.. هيا إلى حضور الرب الدافيء.. هيا إلى جلسات تنفرد فيها بالإله العظيم الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك.. هناك في حضوره الدفء.. هناك الراحة والحرية من القلق.. في حضوره الشفاء من التيه.. في حضوره البيت الآمن المستقر.. والعش الدافيء الذي يسع الأفراخ الصغيرة.. يا لمجد غنى نعمته التي ترتب لي ولك أوقات خاصة لنجلس فيها معه، يقابلنا ويكلمنا ويشفينا بيده...

هل لاحظت معي عزيزي كيف استخدم الروح القدس تعبير "رب الجنود" وهو يتكلم عن الله ويقول "مذابحك يا رب الجنود"... لقد وجد العصفور بيتًا في مذابح رب الجنود.. في مسكن حضور رب الجنود.. ولقد وضعت السنونة عشها حيث تضع أفراخها في مسكن رب الجنود.. ولماذا استخدم الوحي هذا التعبير "رب الجنود" خصيصًا هنا؟! مع أنه تعبير يصلح للحديث عن المعارك والحروب، والحديث هنا هو حديث رقيق عن عصفور وسنونة؟!... صديقي، عظم معي الرب لأجل حكمته!!... يريد الروح القدس أن يقول لنا أنّ العصفور والسنونة قد وجدا الراحة حيث الإله القوي، رب الجنود، يهوه صباؤوت، الاسم الذي يشير إلى الرب في قوته وانتصاره في الحروب على أعداءه... عظم معي الرب مرة أخرى عزيزي القاريء... فالرب الذي يهتم بي وبك، الرب الذي بيده كل أموري وأمورك، الرب الذي عينه علينا من أول العام إلى آخره.. هو هو بذاته "رب الجنود".. الإله القدير الجبار في القتال (مز٢٤׃ ٨).. الإله الذي له القلب الرقيق الذي يهتم بالعصفور، ولا ينساه، وبالتأكيد عزيزي لا ينساك ولا ينسى أصغر تفاصيل حياتك، هو هو ذاته الإله الذي جرد الرياسات والسلاطين.. هو هو ذاته الإله الذي سحق العدو في معركة الصليب لأجلك ولأجلي...

هيا صديقي... ابتهج.. وقل معي في نهاية هذا العام.. إلهي عظيم في حبه لي.. وإلهي جبار في انتصاره لأجلي.. لا ولن استسلم للقلق.. لن أحيا عبدًا للمخاوف.. فالإله الذي يحيطني بحضوره الرقيق هو هو رب الجنود..

نعم عزيزي القاريء، العصفور الذي يباع بلا ثمن وجد بيتًا، والسنونة الصغيرة الضعيفة وجدت مكانًا آمنًا تبني فيه بيتها!!... والآن.. الروح القدس يشجعك ويسألك ماذا عنك أنت؟!! الرب يوجه لك هذه الكلمات في نهاية عام وبداية عام جديد... لا تعبر من عام لعام بمخاوفك!!.. هيا إلى حضوره.. هيا إلى حضوره.. أترك مشغولياتك وروتينك اليومي وكرس أوقات طويلة للتواجد في محضره.. كرس أوقات تقضيها جاثيًا علي ركبتيك أمامه.. في حضوره.. هناك حيث تنتزع أفكار القلق والتشويش.. هناك حيث تستقر الطمأنينة والسكون، حيث سلام الله الذي يفوق كل عقل.. عزيزي أدخل للمقادس.. اركع حيث تتحد مع إلهك الحي الذي يفرد مظلة حضوره حولك، فتجد بيتك.. مسكنك.. وتفرح وتبتهج مع العصفور والسنونة...

صديقي.. بقيت كلمات قليلة وينتهي هذا المقال، لكن لا تدع نهاية الكلمات تكون هي الخاتمة.. بل اجعلها بداية لوقت تقضيه مع الرب.. عندما تنتهي من قراءة هذا المقال.. ارفع قلبك للرب وابدأ في الحديث معه.. إن كنت في بيتك، اختلي به سريعًا وقل له اشتاق إلى حضورك... احكي له عن أمور كثيرة مررت بها في هذا العام ولا تريد أن تعبر إلى العام الجديد بآثارها، هيا عزيزي لتخبر إلهك عن اشتياقاتك للعام الجديد... وإن كنت عزيزي في مكان العمل أو أي مكان آخر وأنت تقرأ هذا المقال.. ارفع قلبك في ثوان وقل له أريد أن أختلي بك اليوم.. أطلب أن يعطيك الرب قوة ونعمة ويجذبك بروحه للقاء معه في خلوة عميقة قبل أن ينتهي يومك هذا.. ولا تتردد صديقي أن تسهر أوقاتًا في الليل أمام إلهك.. هو سينعشك بحضوره وسيعوض لك بقدرته الإلهية عن ساعات النوم التي استيقظتها لتجلس معه!! نعم.. آمن وتعال لمحضره.. وستجده في انتظارك.. يشتاق إليك كما تشتاق أنت له بل وأكثر جدًا...

عزيزي... العصفور وجد بيتًا..فهل تجد بيتك الحقيقي اليوم؟!! أصلي لأجل قوة الروح القدس الذي يقودنا لمحضر الملك لنقضي أوقاتًا طويلة مشبعة لقلبه ولقلوبنا قبل نهاية هذا العام.. أصلي أن نعبر للعام الجديد ونحن في حضوره ناظرين مجده كما بوجه مكشوف.. لنتهلل مع العصفور والسنونة.. هلليلويا...

إلهي .. كم أحبك.. العصفور وجد بيتًا..
حضورك هو بيتي.. هو حصني وأماني..
حضورك يجعل الأماكن حولي حلوة.. مريحة..
حضورك لي هو الحياة..
يعطي لكل شيء في حياتي حياة..
حضـــــــورك هو كفايتي..
في حضورك لا أخشى.. كيف أخاف ورب الجنود معي؟!
نوري وخلاصي... إلهي يظللني بحضوره..
حضـــــــورك هو كفايتي..
أنت كنزي.. ومعك لا أريد شيئًا
أحبك يا رب يا قوتي...

ثروت ماهر
ديسمبر/ ٢٠١٠

السبت، 11 ديسمبر 2010

آدم.. والبحث عن الحرية


خطــوات نــحو الحــرية...

استيقظ آدم على صوت صراخ أمه الهستيري، وهي تحاول أن توقظه من النوم ليذهب إلى المدرسة. صرخت الأم "حرام..حرام.. لا أستطيع احتمال هذا كل يوم..!!" جاء صوت الأب غاضبًا من غرفة المعيشة "كفى صراخ.. كفى صراخ.. شيء لا يُحتمل..!!" استشاطت الأم غضبًا وارتفع صوتها أكثر صارخة في وجه آدم واخوته وأبيهم أيضًا.. لم يحتمل الأب ارتفاع صراخ زوجته، غضب أكثر.. اشتعل الشجار بين الأب والأم..

آدم جالسًا وحيدًا على سريره، يراقب أخته الصغيرة ذات الأعوام الثلاثة وهي باكية... أخوه الأكبر قرر متضجرًا أن يستكمل واجباته المدرسية المتأخرة إلى أن ينتهي الشجار بين الأب والأم.. آدم جالسًا في طرف سريره متأملا الصراخ.. متألمًا جدًا وخــائفًا... ليس بسبب الصراخ والشجار الدائر في البيت.. وإنما بسبب الضربات التي يتوقع أن تنهال عليه من مدرس النظام، عندما يذهب للمدرسة متأخرًا..!!

قام آدم ليرتدي ملابسه.. تزاحمت الأفكار بداخل رأسه الصغير...
كان الشجار الصباحي شيء معتاد في بيت آدم. تعود آدم، ذو السبعة أعوام، على صوت الصراخ والغضب والبكاء. باتت هذه الأصوات لا تزعجه!! كان دائمًا منزعجًا من صوت آخر.. صوت داخلي.. يقيده ويؤلمه جدًا.. إنه صوت الخوف!! كان آدم دائمًا خائفًا!! خائفًا من وقوفه في طابور المتأخرين.. كان شكل الطابور الطويل بالقرب من بوابة المدرسة يرعبه.. كانت ملامح التلاميذ الذين يُضرَبون أمامه تجعله ينهار من الداخل مرتعبًا.. كان يبدو في أحيان كثيرة رابطًا لجأشه، غير متوتر، فهكذا كانت طبيعة ملامح وجهه.. لكنه داخليًا كان دائمًا خائفًا..

في الحقيقة كان بداخل آدم، دائمًا، شيئين متلازمين.. الخوف من العقاب، والرغبة في الحرية.. كان بداخله دائمًا إحساس عميق جدًا بالخوف من العقاب.. لكنه في نفس الوقت كان تواقًا للحرية.. كان يخاف أن يتأخر ويُضرَب، وفي نفس الوقت يشتاق جداً أن يكون حرًا.. حرًا من كل شيء.. من بيته.. من أمه.. أبيه.. مدرسته.. طابور الصباح.. العصا التي تضربه كل يوم.. آه لو ينتهي كل هذا..!!

أفاق آدم، فجأة، من وسط أفكاره على صوت أمه، ويدها التي تدفعه دفعًا لينزل سلالم المنزل.. تسارعت خطواتهما في الشارع بلا كلمات.. دقات الساعة تشير إلى الثامنة، وآدم وأمه لم يصلا بعد إلى المدرسة.. آدم خائف وأمه متوترة جدًا.. آدم خائف من طابور المتأخرين، وأمه متوترة من شعورها بالذنب لما سيحدث لابنها في طابور المتأخرين!! وصل آدم وأمه إلى باب المدرسة بعد الثامنة بعشر دقائق. ودعته أمه بلا كلمات مما زاد خوفه أكثر وأكثر.. رجعت الأم في طريقها.. وقف آدم في مكانه في طابور المذنبين.. تقدم في الطابور رغم شعوره بالغثيان.. جاء دوره.. مدّ يده.. تلقى ضرباته صامتًا.. انتهى آدم من تلقي ضرباته.. أطلِق سراحه ليذهب إلى فصله..

في طريقه إلى الفصل، شعر آدم أنّ الخوف قد مضى عنه.. على الأقل قد مضى خوف هذا الصباح.. كان يعلم أنه سيتقابل معه غدًا..!! وربما قبل غدًا، فمَن يعلم ما الذي سيحدث في يومه؟!! لكن على الأقل، لقد مضى الخوف في هذه اللحظات.. لكن مازال في داخله اشتياقه للحرية.. شعر آدم بالرضى لهذا، فقد كان مجرد شعوره بالاشتياق للحرية يشعره بالرضا!! كان اشتياقه للحرية يشعره بذاته.. يشعره أنه هو.. آدم!! كم يشتاق آدم للحرية.. كان صوت اشتياقه للحرية أعلى من صوت الخوف بداخله.. مضى آدم في طريقه.. مصممًا أن يرى يوم حريته.. اتسعت خطواته واتسعت...!!

تمر السنون زاحفة.. آدم في مدرسته الثانوية.. لم يعد طابور المتأخرين يزعجه.. صار يقفز سور المدرسة هاربًا من المدرسة إلى الشارع.. وأحيانًا.. من الشارع إلى المدرسة!! لم يعد مرتعبًا من الطابور.. لكنه مازال خائفًا!! خائفًا من أشياءٍ أخَر!!.. يقفز سور المدرسة ذهابًا وإيابًا.. لكنه مازال باحثًا عن حريته، فهو لم يجدها بعد!! رغم القفز من فوق الأسوار، إلا أنه مازال محتفظًا بخوفه، رفيقه القديم.. السخيف!! ومازال آدم باحثًا عن حريته.. فهو لم يجدها حتى الآن!!

وتمر السنون زاحفة.. آدم في الجامعة.. يبحث عن حريته بطرق متعددة.. ويخفي خوفه بأقنعة متعددة.. علاقات.. جنس.. تدخين.. خمر.. مازال آدم خائفًا!! بالطبع لم يعد خائفًا من طابور العقاب في المدرسة..لكنه مازال خائفًا من العقاب.. كل ما يفعله له عقاب!! كلها أشياء لو فُضِحَت سيعاقب آدم.. لكن آدم يبحث عن حريته.. والبحث عن الحرية يستحق المغامرة..!!

وتمر السنون زاحفة.. مع مرور السنين، يدرك آدم إدراكًا بطيئًا، أنه يسير في عكس الاتجاه.. في عكس اتجاه الحرية التي طالما بحث عنها.. مازال آدم لا يعرف طريق الحرية..مازال خائفًا!! لا يدري لماذا يشعر إلى الآن بالخوف؟! نفس الشعور الذي كان يشعره وهو طفل صغير!! الخوف من العقاب!! مع أنه مازال باحثًا عن الحرية، إلا أنّ بحثه لم يثمر إلا خوفًا أكثر وأكثر..

يحاول آدم جاهدًا أن يسلك طريقًا آخر.. طريق التدين!! يبدل آدم هندامه.. يرتدي هندامًا آخر!! يغير طريقة كلامه!! ينتظم في الصلوات والقراءات!! يريد أن يفعلها بأفضل طريقة.. لا يريد أن يظل مقيدًا بالخوف.. آدم يبحث عن حريته.. في وسط الصلوات والقراءات، يجد آدم نفسه خائفًا.. خائفًا من العقاب الذي سيواجهه، إذا أهمل الصلوات والقراءات!! يا لعذاب الخوف!! نفس الخوف الذي لازمه سنوات وسنوات.. الخوف من العقاب!! الخوف من العقاب!!

القفز من على الأسوار.. الأقنعة.. العلاقات.. الجنس.. التدخين.. تغيير الجلباب.. التدين.. تكرار الصلوات والقراءات.. كلها أشياء لم تعط آدم حريته.. ولم تخلصه من خوف العقاب..!!

وتمر السنون زاحفة.. ليلة من ليال الصيف الحارة.. آدم يُقلِب محطات المذياع.. فقد سئم التلفاز والفضائيات، فقرر أن يسمع لهذا الاختراع القديم.. المذياع..!! يأتيه صوت عميق من وراء شوشرة الإرسال..!! الصوت يقول: "عزيزي..إن كنت خائفًا من العقاب .. تبحث عن حريتك ولا تجدها.. تعال الآن ليسوع.. تعال للمصلوب لأجلك..!!" آدم لا يصدق أذنيه؟! هل هذا الرجل يكلمه هو؟! بالتأكيد نعم.. فهو آدم الخائف من العقاب، الباحث عن الحرية..!!

الصوت يواصل كلماته العميقة ذات النغمة المشجعة: "إن كنت خائفًا من العقاب، وتبحث عن حريتك، لن تجد الراحة والحرية إلا عند يسوع المصلوب لأجلك.. تأمله على الصليب.. مقيدًا.. متحملاً العقاب لأجلك..!!"
يتذكر آدم هذه الصورة.. كان قد رآها قبلاً.. صورة المصلوب.. يسوع المسيح.. إنه يعرف تلك الصورة جيدًا..
يتابع الصوت قائلاً: "إن الأخبار المفرحة التي أحملها لك اليوم عزيزي هي أن الله يحبك.. لقد صار الله جسدًا وأتى بيننا.. صار الله إنسانًا اسمه يسوع المسيح.. أتى على أرضنا.. شفى المرضى وأقام الموتى.. عاش على أرضنا لأنه يحبنا.. وأخيرًا ذهب إلى الصليب.. ليُقيَد، ويُصلَب، ويموت لأجلنا.. ليتحمل العقاب بدلاً من آدم.. بدلاً من كل بني آدم.. صُلب يسوع مقيدًا بمسامير على خشبة الصليب.. ليعطي الحرية لبني آدم.. مات حاملاً العقاب.. ليحرر بني آدم من عقاب خطاياهم.. ليحررهم للأبد..

سمع آدم الكلمات مذهولاً!! متسائلاً بداخله.. ماذا أفعل لأنال حريتي؟!! كيف ينتهي زمن عبوديتي؟! تابع الصوت قائلاً: "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك!! صدق أن يسوع حمل معاصيك وأخطائك، وتحمل عقابك.. ليطلقك أنت في حرية مجد أولاد الله..."

تتابعت المشاهد بداخل أدم.. مشهد طابور الصباح.. مشهد مشجارات أمه وأبيه.. ذهابه خائفًا للمدرسة.. صورته وهو يقفز سور المدرسة مع زملائه.. أسوار الجامعة.. حوارات الجامعة.. علاقات كثيرة.. الصلوات والقراءات.. مشهد وراء مشهد أمام عيني آدم.. يرى نفسه في كل هذا خائفًا.. باحثًا عن حريته..

صرخ آدم بداخله.. أريد حريتي.. أريد حريتي.. فجأة، لمسته يد المصلوب.. لمست يد المصلوب المجروحة قلب آدم.. فالمصلوب حيّ، وحتى إن مات على الصليب..!! لمست يد يسوع المجروحة قلب آدم.. احساس عميق بالراحة.. لم يختبره آدم من قبل!! يــا لعمــق الراحــة!! لا أشعر بالذنب.. لا أخاف العقاب!! فهو قد حمل عني العقاب!! أشعر بالحرية.. للمرة الأولى، يشعر آدم بالحرية.. يشعر بالحرية من الشعور بالذنب.. يشعر بالحرية من الخوف من العقاب..
للمرة الأولى يجد آدم نفسه فرحًا.. منطلقًا.. حرًا من الداخل.. غير خائف.. فقد حرره المصلوب.. الذي مات وقام من بين الأموات، لأجله.. لأجل آدم.. ولأجلي.. ولأجلك أنت...

نعم أيها المصلوب.. يا مَن ذاق الموت لأجلي.. يا مَن قام ساحقًا الموت والخوف.. يا مَن أطلق لي حرية أبدية.. آتي إليك.. آتي إليك بخوف السنين.. آتي إليك باشتياقاتي للحرية.. آتي إليك بآدميتي التي سلبها الخوف.. آتي إليك لترد لي حياتي.. أمني.. وأماني.. أسلمك الكل، واثقًا فيك يا مَن تحيني..
ثروت ماهر
                                                                                               القاهرة/ أبريل 2010