الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

مذكرات إناء خزفي...


مذكرات إناء خزفي

      ... نظر الإناء الخزفي بفرح إلى عصير الكرمة النقي وهو يُصَبْ بداخله...
 أنعشه تلامس أعماقه مع هذه العصارة النقية... سمع أصوات المحيطين به يعظمون دم الحمل العظيم المعروف سابقًا قبل تأسيس العالم...
رجع الإناء بذاكرته إلى أيام سابقة ...
متفكرًا وهامسًا لنفسه بذكرياته في هدوء ....

الإناء في يوم تشكيل:
      أتذكر ما مضى من حياتي ... كنت ولازلت وسوف أكون إناء ... هذا هو وصف الخزاف العظيم لي... وهناك آنية للكرامة وأخرى للهوان.... كنت في كل مرةٍ يحاول الفخاري أن يضعني على الدولاب تتفاوت ردود أفعالي. (الدولاب هو تلك الماكينة التي تدور ومعها الإناء، وأثناء دورانه يشكله الفخاري بأصبعه)
تارة كنت أنزلق من بين يديه بمجرد أن يلمسني... وتارة كنت أخضع وأركب البكرة الدوارة وأدور بسعادة على دولاب الفخاري، ولكن... ما أن يبدأ في تشكيلي حتى أقفز من على الدولاب... لأطرح نفسي أرضًا وأشوه انسيابيتي التي كنت قد أكتسبتها من دوران البكرة الدولابية....
تارة أخرى كنت أظل على الدولاب أدور خاضعًا ومتحملاً أولى ضغطات أصابع الفخاري... وقد أتحمل الثانية... والثالثة أيضًا... لكني فجأة أتضجر وأجدني قررت القفز، وفعلاً أقفز وأدمر مرة أخرى ما فعلته بي يد صانعي...
ويا للعجب !!! في كل مرة كنت أقرر القفز... ما كان الفخاري يجبرني أو يعنفني...كان يصلني منه شعور عميق بالحب... كان ينصحني و يرشدني... لكنه كان يحترم حريتي... يا لعجبي للمرة الأولى أجد فخاري يحترم إرادة الطين الذي يشكله بيديه!! وللمرة الأولى أجد فخاري يحب الطين الذي يشكله بيديه!! فها هو كل مرة يعود ليشكلني من جديد بكل صبر... وبكل حب... صوته يقول:"أحببتك... دعوتك باسمك... أنت لي"
 وذات مرة.... التقطتني يد الفخاري، ووضعتني على الدولاب.... التفت لأقفز، وفي التفاتتي فاجئتني مرآة....
مرآة وضعها الفخاري على جانب الدولاب.... يا للمفاجأة!!! أرى ذاتي للمرة الأولى... ما هذا ؟! ما أنا؟! تراب... أأنا تراب؟! وما هذا أيضًا؟! إن اليدان المجروحتان تشكلانني !! مجروحتان لأجلي ... لأجل قساوة هذا الطين... لتصنع منه إناء للكرامة... آه أيها الرب !! كم أنا عزيز في عينيك!! شعرت بكم يحبني الرب وأدركت كم هو غالٍ عمل السيد فيَّ ..... خضعت... الحب أخضعني .... آه يا رب ما أروع ضغطاتك! ما أروع همساتك! ما أروع عمل روحك فيَّ! ليس مثلك... هبني ألا أقفز من بين يديك مرة أخرى.....

الإناء في يوم مرض:
     قفزات بالإيمان ... اكتشفت مؤخرًا أني من اليوم الأول الذي بدأ الخزاف العظيم يشكلني فيه، وأنا مدعو أن أقفز في حياتي... ليس من فوق دولاب التشكيل، ولكني مدعو لكي أقفز قفزات بالإيمان...
الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله... كلمة الله تقول... وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا...تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا... وتقول أن كل من لمسوه نالوا الشفاء... يسوع يجول يصنع خيرًا ويشفي المتسلط عليهم إبليس... يشفي الأمراض الروحية و الجسدية.... أنا مدعو أن أقفز بالإيمان فوق مرضي... أيهما أصدق؟؟ مرضي أم يسوع؟؟ إن كان المرض قد سبق و انتصر على يسوع قبلاً، فلنصدقه!! لكن الحقيقة الأكيدة أنه في كل مرة وقف يسوع أمام المرض، فإن يسوع قد انتصر علي المرض انتصارًا ساحقًا... انتصر يسوع على العمي و على الصمم.... على البرص وعلى الخرس... انتصر يسوع على أمراض العظام... قوّم الانحناء و شفى المشلول والمفلوج...شفى يسوع المجنون... أعاد الأذن المقطوعة لعبد رئيس الكهنة ضاربًا مثالاً رائعًا على قدرته على شفاء عاهات الحوادث.... يسوع يشفي... هذه حقيقة... وليس هذا فقط بل أن يسوع يقيم من الأموات... ابن أرملة نايين... إبنة يايرس... لعازر ... يسوع هو الحياة يستطيع أن يشفي إناء صغير مثلي عندما يمرض... فيهتف الإناء مهللاً... أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية.... هو أخذ ما لي... وأعطاني ما له... هليلويا...

الإناء في يوم ضيق:
     إدعني في يوم الضيق... أنقذك... فتمجدني...
عند اختناق الأمور... في وسط الاختناق...وسط الضيق... أستطيع أن أميز تلك اللمسة القوية الحانية... قبلاً كنت أجد هذه اللمسة أحيانًا و أحيانًا أخرى لا أجدها... بعد الامتلاء بالروح القدس، روح الفخاري العظيم، اللمسة دائمًا تأتي، لا بل قل أن الروح دائمًا ما يصلني بها.... الأمور تختنق، ولكني لا أختنق...! الأمور تضيق، لكني لا أضيق...! كإناء خزفي، لا أحب أن أشهد عن صانعي في أشياء لم يصنعها، ولا أحب أن أشهد في أشياء صنع هو جزء منها والجزء الآخر صنعته أنا من خيالي الطيني..! لكني أحب أن أشهد عندما يخترقني... عندما تكون كل ميولي وخططي نحو اليأس.. وفجأة!! وبدون أي توقع أجده يأتي ويدخل و الأبواب مغلَّقة...! يأتي بقوته فيجذبني ... يحول كل أفكاري الترابية نحو الحق... نحو أفكاره الإلهية... لا تخف لأني فديتك... دعوتك باسمك... أنت لي... إنها كلمات المسيح التي لا تقبل الجدل..!!
سيدي.... أثق أنك تعمل بقوة في داخلي...
أثق أنك قائد لمشوار حياتي....
يدك تشكلني ... تضغطني... أبكي... ترفرف حولي...
تسيل دموعي حبًا.... ما أعظمك.... أشهد عنك حلو لي...
أقف مدهوشًا أمام حكمتك.... أمام تعاملاتك المحسوبة بالثانية... باللحظة....
إن توانت... انتظرها... تأتي إتيانًا ولا تتأخر...
قد تتأخر عن الموعد الذي وضعته بأفكاري الخزفية...
لكنها لا تتأخر عن الموعد الصحيح... موعدك أنت...
لما كان ملء الزمان... أرسل الله خلاصًا... يسوعًا....
في ملء كل زمان من أزمنة حياتي.... ترسل خلاصًا... يسوع الأزلي الأبدي....
الكائن والذي كان والذي يأتي... يسوع لي... رسالة خلاص كل يوم....
من مذكرات إناء خزفي....

ثروت ماهر
شتاء 2002
 
لقراءة الجزء الثاني من هذا المقال:

هناك 5 تعليقات:

  1. رائع، رائع فعلا

    ردحذف
  2. Yes, exactly I'm this man...God bless u

    ردحذف
  3. جميلة جدًا هذه المقالة

    ردحذف
  4. راااااااااااااائع ربنا يباركك

    ردحذف