السبت، 18 ديسمبر 2010

العصفور وجد بيتا



العصفور وجد بيتًا...

"العصفور أيضًا وجد بيتًا، والسنونة عشًا لنفسها حيث تضع أفراخها، مذابحك يا رب الجنود، ملكي وإلهي.." (مز٨٤׃ ٣)

العصفور أيضًا وجد بيتًا.. يا لها من كلمات مشجعة يرسلها لنا الرب في نهاية هذا العام!!

العصفور وجد بيتًا.. تحدث الرب يسوع عن العصافير في أكثر من مناسبة. في إحدى المناسبات قال أنّ عصفوران يباعان بفلس (مت١٠׃‏٢٩). وفي مناسبة أخرى قال أن الخمس عصافير تباع بفلسين (لو١٢׃ ٦)... وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أنّ العصفور ثمنه زهيد جدًا.. رخيص جدًا.. بل إنه في بعض الأحيان عند شراء عصفوران بفلس مع عصفوران بفلس آخر، يعطي البائع عصفورًا خامسًا كهدية للمشتري، أو كما نسميه عصفورًا (على البيعة)، فيصبح "الفلسين" ثمنًا لخمسة عصافير بدلاً من أربعة!!

تخيل معي عزيزي القاريء، إنّ هذا العصفور الذي (على البيعة)، الله في محبته ورحمته لا ولن ينساه!! الله يعتني به!! نعم عزيزي.. وهذه ليست كلماتي أو أفكاري الشخصية!! إنها كلمات الرب يسوع شخصيًا.. إسمعه وهو يقول "أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسيًا أمام الله؟" (لو١٢׃ ٦)...

هلليلويا.. العصفور الصغير، الضعيف، الوحيد، الذي يوضع "على البيعة".. الذي لا يفكر فيه أحد، الله يفكر فيه.. الله لا ينساه وسط زحام الحياة... عزيزي، إن كان هذا هو قلب الله تجاه العصفور الذي ليس له اسم، الذي لا يتعدى أن يكون مجرد عصفور... فكم بالحري يكون قلب الله تجاهي وتجاهك؟!!

عزيزي، هل تعبر بوقت تشعر فيه أن الله بعيد عنك؟! هل تقول "قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقي إلهي.." ؟ (إش٤٠׃‏٢٧). صديقي.. كلا وألف كلا... الله لا ولم ينساك.. الله عينه عليك من أول السنة إلى آخرها (تث١١׃‏١٢).. كل ما تعبر به هو يعرفه جيدًا.. بل أنه يعرف أبعاده أكثر منك... كل صلواتك وتنهداتك هو يسمعها.. فهو الإله العظيم في محبته وفي قدرته... يا لعظمة الرب، لا ينسى عصفورًا قد نُسي من جميع الناس!! فكيف ينساني أو ينساك ؟؟

ليس هذا فقط عزيزي.. بل اسمع معي كلمات الآية العظيمة التي بدأت لك بها هذا المقال.. "العصفور أيضًا وجد بيتًا.." . هل تتخيل معي عزيزي، هذا العصفور الوحيد الذي لا يفكر فيه أحد... بعد رحلة طيران شاقة.. وبحث متواصل، نهار وراء نهار... أخيرًا وجد بيتًا!! وأين وجد هذا البيت؟ "مذابحك يا رب الجنود"... لقد وجد العصفور بيته في حضور الرب.. في الحضور الإلهي.. في ظلال مساكن رب الجنود.. ما أحلى مساكنك يا رب الجنود؟!
ويا لفرحة العصفور الصغير ببيته الجديد!!.. العصفور المنزعج يجد مسكنه في الحضور الإلهي!! بل وأيضًا السنونة، وهي طائر صغير جدًا في حجم العصفور وأصغر، وجدت لنفسها عشًا حيث تُسكِن أفراخها الصغيرة، وتطمئن عليهم.. العصفور والسنونة وجدا راحتهما وأمانهما في حضور الرب... العصفور والسنونة اللذان لا ثمن لهما، يرتب لهما الرب أمان وراحة وطمأنينة في حضوره.

عزيزي القاريء.. والآن ماذا عنك أنت؟!! هل مازلت مضطربًا.. منزعجًا؟!..
ألا تبتهج معي وأنت تقرأ هذه الكلمات؟! ألا تطمئن وتهدأ؟!.. ألا تفرح بإلهك العظيم، القدير، الرقيق القلب جدًا.. الذي عينه على كل تفاصيل حياتك؟!!

صديقي هل مازلت تفتقر للأمان؟ هل تشعر بالوحدة في أوقات رغم وجودك وسط بيتك وعائلتك؟!.. هيا صديقي.. هيا إلى حضوره، فالعصفور وجد بيته هناك، وأنا وأنت سنجد أماننا وراحتنا الحقيقية هناك.. هيا إلى حضور الرب الدافيء.. هيا إلى جلسات تنفرد فيها بالإله العظيم الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك.. هناك في حضوره الدفء.. هناك الراحة والحرية من القلق.. في حضوره الشفاء من التيه.. في حضوره البيت الآمن المستقر.. والعش الدافيء الذي يسع الأفراخ الصغيرة.. يا لمجد غنى نعمته التي ترتب لي ولك أوقات خاصة لنجلس فيها معه، يقابلنا ويكلمنا ويشفينا بيده...

هل لاحظت معي عزيزي كيف استخدم الروح القدس تعبير "رب الجنود" وهو يتكلم عن الله ويقول "مذابحك يا رب الجنود"... لقد وجد العصفور بيتًا في مذابح رب الجنود.. في مسكن حضور رب الجنود.. ولقد وضعت السنونة عشها حيث تضع أفراخها في مسكن رب الجنود.. ولماذا استخدم الوحي هذا التعبير "رب الجنود" خصيصًا هنا؟! مع أنه تعبير يصلح للحديث عن المعارك والحروب، والحديث هنا هو حديث رقيق عن عصفور وسنونة؟!... صديقي، عظم معي الرب لأجل حكمته!!... يريد الروح القدس أن يقول لنا أنّ العصفور والسنونة قد وجدا الراحة حيث الإله القوي، رب الجنود، يهوه صباؤوت، الاسم الذي يشير إلى الرب في قوته وانتصاره في الحروب على أعداءه... عظم معي الرب مرة أخرى عزيزي القاريء... فالرب الذي يهتم بي وبك، الرب الذي بيده كل أموري وأمورك، الرب الذي عينه علينا من أول العام إلى آخره.. هو هو بذاته "رب الجنود".. الإله القدير الجبار في القتال (مز٢٤׃ ٨).. الإله الذي له القلب الرقيق الذي يهتم بالعصفور، ولا ينساه، وبالتأكيد عزيزي لا ينساك ولا ينسى أصغر تفاصيل حياتك، هو هو ذاته الإله الذي جرد الرياسات والسلاطين.. هو هو ذاته الإله الذي سحق العدو في معركة الصليب لأجلك ولأجلي...

هيا صديقي... ابتهج.. وقل معي في نهاية هذا العام.. إلهي عظيم في حبه لي.. وإلهي جبار في انتصاره لأجلي.. لا ولن استسلم للقلق.. لن أحيا عبدًا للمخاوف.. فالإله الذي يحيطني بحضوره الرقيق هو هو رب الجنود..

نعم عزيزي القاريء، العصفور الذي يباع بلا ثمن وجد بيتًا، والسنونة الصغيرة الضعيفة وجدت مكانًا آمنًا تبني فيه بيتها!!... والآن.. الروح القدس يشجعك ويسألك ماذا عنك أنت؟!! الرب يوجه لك هذه الكلمات في نهاية عام وبداية عام جديد... لا تعبر من عام لعام بمخاوفك!!.. هيا إلى حضوره.. هيا إلى حضوره.. أترك مشغولياتك وروتينك اليومي وكرس أوقات طويلة للتواجد في محضره.. كرس أوقات تقضيها جاثيًا علي ركبتيك أمامه.. في حضوره.. هناك حيث تنتزع أفكار القلق والتشويش.. هناك حيث تستقر الطمأنينة والسكون، حيث سلام الله الذي يفوق كل عقل.. عزيزي أدخل للمقادس.. اركع حيث تتحد مع إلهك الحي الذي يفرد مظلة حضوره حولك، فتجد بيتك.. مسكنك.. وتفرح وتبتهج مع العصفور والسنونة...

صديقي.. بقيت كلمات قليلة وينتهي هذا المقال، لكن لا تدع نهاية الكلمات تكون هي الخاتمة.. بل اجعلها بداية لوقت تقضيه مع الرب.. عندما تنتهي من قراءة هذا المقال.. ارفع قلبك للرب وابدأ في الحديث معه.. إن كنت في بيتك، اختلي به سريعًا وقل له اشتاق إلى حضورك... احكي له عن أمور كثيرة مررت بها في هذا العام ولا تريد أن تعبر إلى العام الجديد بآثارها، هيا عزيزي لتخبر إلهك عن اشتياقاتك للعام الجديد... وإن كنت عزيزي في مكان العمل أو أي مكان آخر وأنت تقرأ هذا المقال.. ارفع قلبك في ثوان وقل له أريد أن أختلي بك اليوم.. أطلب أن يعطيك الرب قوة ونعمة ويجذبك بروحه للقاء معه في خلوة عميقة قبل أن ينتهي يومك هذا.. ولا تتردد صديقي أن تسهر أوقاتًا في الليل أمام إلهك.. هو سينعشك بحضوره وسيعوض لك بقدرته الإلهية عن ساعات النوم التي استيقظتها لتجلس معه!! نعم.. آمن وتعال لمحضره.. وستجده في انتظارك.. يشتاق إليك كما تشتاق أنت له بل وأكثر جدًا...

عزيزي... العصفور وجد بيتًا..فهل تجد بيتك الحقيقي اليوم؟!! أصلي لأجل قوة الروح القدس الذي يقودنا لمحضر الملك لنقضي أوقاتًا طويلة مشبعة لقلبه ولقلوبنا قبل نهاية هذا العام.. أصلي أن نعبر للعام الجديد ونحن في حضوره ناظرين مجده كما بوجه مكشوف.. لنتهلل مع العصفور والسنونة.. هلليلويا...

إلهي .. كم أحبك.. العصفور وجد بيتًا..
حضورك هو بيتي.. هو حصني وأماني..
حضورك يجعل الأماكن حولي حلوة.. مريحة..
حضورك لي هو الحياة..
يعطي لكل شيء في حياتي حياة..
حضـــــــورك هو كفايتي..
في حضورك لا أخشى.. كيف أخاف ورب الجنود معي؟!
نوري وخلاصي... إلهي يظللني بحضوره..
حضـــــــورك هو كفايتي..
أنت كنزي.. ومعك لا أريد شيئًا
أحبك يا رب يا قوتي...

ثروت ماهر
ديسمبر/ ٢٠١٠

السبت، 11 ديسمبر 2010

آدم.. والبحث عن الحرية


خطــوات نــحو الحــرية...

استيقظ آدم على صوت صراخ أمه الهستيري، وهي تحاول أن توقظه من النوم ليذهب إلى المدرسة. صرخت الأم "حرام..حرام.. لا أستطيع احتمال هذا كل يوم..!!" جاء صوت الأب غاضبًا من غرفة المعيشة "كفى صراخ.. كفى صراخ.. شيء لا يُحتمل..!!" استشاطت الأم غضبًا وارتفع صوتها أكثر صارخة في وجه آدم واخوته وأبيهم أيضًا.. لم يحتمل الأب ارتفاع صراخ زوجته، غضب أكثر.. اشتعل الشجار بين الأب والأم..

آدم جالسًا وحيدًا على سريره، يراقب أخته الصغيرة ذات الأعوام الثلاثة وهي باكية... أخوه الأكبر قرر متضجرًا أن يستكمل واجباته المدرسية المتأخرة إلى أن ينتهي الشجار بين الأب والأم.. آدم جالسًا في طرف سريره متأملا الصراخ.. متألمًا جدًا وخــائفًا... ليس بسبب الصراخ والشجار الدائر في البيت.. وإنما بسبب الضربات التي يتوقع أن تنهال عليه من مدرس النظام، عندما يذهب للمدرسة متأخرًا..!!

قام آدم ليرتدي ملابسه.. تزاحمت الأفكار بداخل رأسه الصغير...
كان الشجار الصباحي شيء معتاد في بيت آدم. تعود آدم، ذو السبعة أعوام، على صوت الصراخ والغضب والبكاء. باتت هذه الأصوات لا تزعجه!! كان دائمًا منزعجًا من صوت آخر.. صوت داخلي.. يقيده ويؤلمه جدًا.. إنه صوت الخوف!! كان آدم دائمًا خائفًا!! خائفًا من وقوفه في طابور المتأخرين.. كان شكل الطابور الطويل بالقرب من بوابة المدرسة يرعبه.. كانت ملامح التلاميذ الذين يُضرَبون أمامه تجعله ينهار من الداخل مرتعبًا.. كان يبدو في أحيان كثيرة رابطًا لجأشه، غير متوتر، فهكذا كانت طبيعة ملامح وجهه.. لكنه داخليًا كان دائمًا خائفًا..

في الحقيقة كان بداخل آدم، دائمًا، شيئين متلازمين.. الخوف من العقاب، والرغبة في الحرية.. كان بداخله دائمًا إحساس عميق جدًا بالخوف من العقاب.. لكنه في نفس الوقت كان تواقًا للحرية.. كان يخاف أن يتأخر ويُضرَب، وفي نفس الوقت يشتاق جداً أن يكون حرًا.. حرًا من كل شيء.. من بيته.. من أمه.. أبيه.. مدرسته.. طابور الصباح.. العصا التي تضربه كل يوم.. آه لو ينتهي كل هذا..!!

أفاق آدم، فجأة، من وسط أفكاره على صوت أمه، ويدها التي تدفعه دفعًا لينزل سلالم المنزل.. تسارعت خطواتهما في الشارع بلا كلمات.. دقات الساعة تشير إلى الثامنة، وآدم وأمه لم يصلا بعد إلى المدرسة.. آدم خائف وأمه متوترة جدًا.. آدم خائف من طابور المتأخرين، وأمه متوترة من شعورها بالذنب لما سيحدث لابنها في طابور المتأخرين!! وصل آدم وأمه إلى باب المدرسة بعد الثامنة بعشر دقائق. ودعته أمه بلا كلمات مما زاد خوفه أكثر وأكثر.. رجعت الأم في طريقها.. وقف آدم في مكانه في طابور المذنبين.. تقدم في الطابور رغم شعوره بالغثيان.. جاء دوره.. مدّ يده.. تلقى ضرباته صامتًا.. انتهى آدم من تلقي ضرباته.. أطلِق سراحه ليذهب إلى فصله..

في طريقه إلى الفصل، شعر آدم أنّ الخوف قد مضى عنه.. على الأقل قد مضى خوف هذا الصباح.. كان يعلم أنه سيتقابل معه غدًا..!! وربما قبل غدًا، فمَن يعلم ما الذي سيحدث في يومه؟!! لكن على الأقل، لقد مضى الخوف في هذه اللحظات.. لكن مازال في داخله اشتياقه للحرية.. شعر آدم بالرضى لهذا، فقد كان مجرد شعوره بالاشتياق للحرية يشعره بالرضا!! كان اشتياقه للحرية يشعره بذاته.. يشعره أنه هو.. آدم!! كم يشتاق آدم للحرية.. كان صوت اشتياقه للحرية أعلى من صوت الخوف بداخله.. مضى آدم في طريقه.. مصممًا أن يرى يوم حريته.. اتسعت خطواته واتسعت...!!

تمر السنون زاحفة.. آدم في مدرسته الثانوية.. لم يعد طابور المتأخرين يزعجه.. صار يقفز سور المدرسة هاربًا من المدرسة إلى الشارع.. وأحيانًا.. من الشارع إلى المدرسة!! لم يعد مرتعبًا من الطابور.. لكنه مازال خائفًا!! خائفًا من أشياءٍ أخَر!!.. يقفز سور المدرسة ذهابًا وإيابًا.. لكنه مازال باحثًا عن حريته، فهو لم يجدها بعد!! رغم القفز من فوق الأسوار، إلا أنه مازال محتفظًا بخوفه، رفيقه القديم.. السخيف!! ومازال آدم باحثًا عن حريته.. فهو لم يجدها حتى الآن!!

وتمر السنون زاحفة.. آدم في الجامعة.. يبحث عن حريته بطرق متعددة.. ويخفي خوفه بأقنعة متعددة.. علاقات.. جنس.. تدخين.. خمر.. مازال آدم خائفًا!! بالطبع لم يعد خائفًا من طابور العقاب في المدرسة..لكنه مازال خائفًا من العقاب.. كل ما يفعله له عقاب!! كلها أشياء لو فُضِحَت سيعاقب آدم.. لكن آدم يبحث عن حريته.. والبحث عن الحرية يستحق المغامرة..!!

وتمر السنون زاحفة.. مع مرور السنين، يدرك آدم إدراكًا بطيئًا، أنه يسير في عكس الاتجاه.. في عكس اتجاه الحرية التي طالما بحث عنها.. مازال آدم لا يعرف طريق الحرية..مازال خائفًا!! لا يدري لماذا يشعر إلى الآن بالخوف؟! نفس الشعور الذي كان يشعره وهو طفل صغير!! الخوف من العقاب!! مع أنه مازال باحثًا عن الحرية، إلا أنّ بحثه لم يثمر إلا خوفًا أكثر وأكثر..

يحاول آدم جاهدًا أن يسلك طريقًا آخر.. طريق التدين!! يبدل آدم هندامه.. يرتدي هندامًا آخر!! يغير طريقة كلامه!! ينتظم في الصلوات والقراءات!! يريد أن يفعلها بأفضل طريقة.. لا يريد أن يظل مقيدًا بالخوف.. آدم يبحث عن حريته.. في وسط الصلوات والقراءات، يجد آدم نفسه خائفًا.. خائفًا من العقاب الذي سيواجهه، إذا أهمل الصلوات والقراءات!! يا لعذاب الخوف!! نفس الخوف الذي لازمه سنوات وسنوات.. الخوف من العقاب!! الخوف من العقاب!!

القفز من على الأسوار.. الأقنعة.. العلاقات.. الجنس.. التدخين.. تغيير الجلباب.. التدين.. تكرار الصلوات والقراءات.. كلها أشياء لم تعط آدم حريته.. ولم تخلصه من خوف العقاب..!!

وتمر السنون زاحفة.. ليلة من ليال الصيف الحارة.. آدم يُقلِب محطات المذياع.. فقد سئم التلفاز والفضائيات، فقرر أن يسمع لهذا الاختراع القديم.. المذياع..!! يأتيه صوت عميق من وراء شوشرة الإرسال..!! الصوت يقول: "عزيزي..إن كنت خائفًا من العقاب .. تبحث عن حريتك ولا تجدها.. تعال الآن ليسوع.. تعال للمصلوب لأجلك..!!" آدم لا يصدق أذنيه؟! هل هذا الرجل يكلمه هو؟! بالتأكيد نعم.. فهو آدم الخائف من العقاب، الباحث عن الحرية..!!

الصوت يواصل كلماته العميقة ذات النغمة المشجعة: "إن كنت خائفًا من العقاب، وتبحث عن حريتك، لن تجد الراحة والحرية إلا عند يسوع المصلوب لأجلك.. تأمله على الصليب.. مقيدًا.. متحملاً العقاب لأجلك..!!"
يتذكر آدم هذه الصورة.. كان قد رآها قبلاً.. صورة المصلوب.. يسوع المسيح.. إنه يعرف تلك الصورة جيدًا..
يتابع الصوت قائلاً: "إن الأخبار المفرحة التي أحملها لك اليوم عزيزي هي أن الله يحبك.. لقد صار الله جسدًا وأتى بيننا.. صار الله إنسانًا اسمه يسوع المسيح.. أتى على أرضنا.. شفى المرضى وأقام الموتى.. عاش على أرضنا لأنه يحبنا.. وأخيرًا ذهب إلى الصليب.. ليُقيَد، ويُصلَب، ويموت لأجلنا.. ليتحمل العقاب بدلاً من آدم.. بدلاً من كل بني آدم.. صُلب يسوع مقيدًا بمسامير على خشبة الصليب.. ليعطي الحرية لبني آدم.. مات حاملاً العقاب.. ليحرر بني آدم من عقاب خطاياهم.. ليحررهم للأبد..

سمع آدم الكلمات مذهولاً!! متسائلاً بداخله.. ماذا أفعل لأنال حريتي؟!! كيف ينتهي زمن عبوديتي؟! تابع الصوت قائلاً: "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك!! صدق أن يسوع حمل معاصيك وأخطائك، وتحمل عقابك.. ليطلقك أنت في حرية مجد أولاد الله..."

تتابعت المشاهد بداخل أدم.. مشهد طابور الصباح.. مشهد مشجارات أمه وأبيه.. ذهابه خائفًا للمدرسة.. صورته وهو يقفز سور المدرسة مع زملائه.. أسوار الجامعة.. حوارات الجامعة.. علاقات كثيرة.. الصلوات والقراءات.. مشهد وراء مشهد أمام عيني آدم.. يرى نفسه في كل هذا خائفًا.. باحثًا عن حريته..

صرخ آدم بداخله.. أريد حريتي.. أريد حريتي.. فجأة، لمسته يد المصلوب.. لمست يد المصلوب المجروحة قلب آدم.. فالمصلوب حيّ، وحتى إن مات على الصليب..!! لمست يد يسوع المجروحة قلب آدم.. احساس عميق بالراحة.. لم يختبره آدم من قبل!! يــا لعمــق الراحــة!! لا أشعر بالذنب.. لا أخاف العقاب!! فهو قد حمل عني العقاب!! أشعر بالحرية.. للمرة الأولى، يشعر آدم بالحرية.. يشعر بالحرية من الشعور بالذنب.. يشعر بالحرية من الخوف من العقاب..
للمرة الأولى يجد آدم نفسه فرحًا.. منطلقًا.. حرًا من الداخل.. غير خائف.. فقد حرره المصلوب.. الذي مات وقام من بين الأموات، لأجله.. لأجل آدم.. ولأجلي.. ولأجلك أنت...

نعم أيها المصلوب.. يا مَن ذاق الموت لأجلي.. يا مَن قام ساحقًا الموت والخوف.. يا مَن أطلق لي حرية أبدية.. آتي إليك.. آتي إليك بخوف السنين.. آتي إليك باشتياقاتي للحرية.. آتي إليك بآدميتي التي سلبها الخوف.. آتي إليك لترد لي حياتي.. أمني.. وأماني.. أسلمك الكل، واثقًا فيك يا مَن تحيني..
ثروت ماهر
                                                                                               القاهرة/ أبريل 2010

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

مذكرات إناء خزفي / الجزء الثاني (جديد)


Art by: Tamer ElSharouni

لقراءة الجزء الأول: http://khwaterro7ya.blogspot.com/2010/10/blog-post_7928.html

مذكرات إناء خزفي
(الجزء الثاني)


      ... نظر الإناء الخزفي بفرح إلى عصير الكرمة النقي وهو يُصَبْ بداخله ...
 أنعشه تلامس أعماقه مع هذه العصارة النقية... سمع أصوات المحيطين به يعظمون
 دم الحمل العظيم المعروف سابقًا قبل تأسيس العالم... رجع الإناء بذاكرته إلى أيام سابقة ...
متفكرًا وهامسًا لنفسه بذكرياته في هدوء ...

- الإناء في يوم إحباط / بك ترتفع يدي              

"لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (٢تي١: ٧).... هلليويا للرب... هلليلويا للرب الذي يرفع يدي أمامه رغم الإحباط ورغم حروب الفشل... هلليويا للرب الروح (١كو٣: ١٧) الذي يعطي قوة ليدي لترتفع أمامه... هو قوة ليديّ.. روحه هو القوة التي ترفع يداي عاليًا...

باركوا الرب يا جميع عبيد الرب، الواقفين في بيت الرب بالليالي. ارفعوا أيديكم نحو القدس، وباركوا الرب (مز١٣٤: ١، ٢)... نعم يا رب هذه هي كلماتك... لكن أين لي بالقوة، وأنا إناء خزفي؟! أين لي بالقوة وسط الضغوط والإحباط؟! العدو يريد أن يخفض يديّ، وأنت تريدها مرتفعة عالية...

وسط تسبيح الجماعة... وأنا واقف بين أوان الكرامة نسبح معًا، رغم شعوري بثقل الخزف في إنائي... أسمع روحه يشجعني، يهمس لي.. الكنز آت... استمر في تسبيحي... استمر في محضري... لا تلتفت يمينًا ولا يسارًا.. الكنز آت.. الكنز لك.. والكنز يُسكب بالإيمان، وسترتفع يدك!!...

يستمر التسبيح وتتواصل العبادة.... ثقل الخزف يخف!! يتناقص!! يتوارى!!...
وثقل المجد يحل... يزداد... يلمع... روح المجد يحل علينا... ترتفع مياه الروح... نـهرٌ سواقيه تفرح أوانينا... نـهرٌ سواقيه تأتي بمياه الروح... لتملأنا.. وتصبغنا.. تعمدنا... تملأ مياه الروح المنعشة الإناءَ من الداخل... وتحيط بالخزفِ من الخارج... يفقد الخزف ثقله مع ارتفاع المياه، يتحرك عكس قوانين الخزف الطبيعية، وعكس قوانين الجاذبية،  وترتفع يداي... فالمياه مياه حية... وكل من يأتي إليه النهر يحيا...

التفِتُ بهدوء لأراني في محضره.. هو لفت انتباهي، ونبه روحي لأراني في محضره... فهو يعرف أني في محضره، إدراكي لإنائي يكون بحسب قلبه... لذا نبه روحي لأرى معجزاته في إنائي الخزفي!!... لأرى عمل شدة قوته في الخزف.. في الإناء الضعيف...

هلليويا.. رأيت الخزف الممتليء بالروح يرفع يداه أمام الرب القدير.. إنّ يداي ترتفع أمامه.. ارتفعت يداي!! كيف هذا؟!.. يا لمجد غنى النعمة.. يداي ترتفع وإنائي يتذوق المجد.. الإناء الخزفي ينسى الخزف في محضر الملك.. وكيف أتذكر خزفي في محضره!! وكيف يستطيع الخزف أن يقوى عليّ في محضر الملك، أمام العرش.. عرش النعمة.. حيث أمتليء بالمجد، حيث أمتليء به... المسيح فيّ رجاء المجد... الخزف يُشَبَّع بالمجد.. بالقوة.. بالحضور الإلهي... الخزف يمتليء بالمجد.. بالكنز.. الحديد يوضع في النار، فيصير جمرات مشتعلة... لونها لون النار.. شكلها ناري... وترتفع يدي... بك ترتفع يدي... المسحة تتدفق... النور يشرق... القوة تملأ الأجواء... بك ترتفع يدي.. الضعف يوّلي... الاحباط يحترق... بك ترتفع يدي...

أنظر إلى اليد المرتفعة... أتذكر يدك المرتفعة... اسمع كلمات سفر الخروج: "إنّ اليد على كرسي الرب.. للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور." (خر١٧׃ ١٦)... هلليلويا... ها يدك مرتفعة لأجلي بالعهد... عهد أبدي.. فأنت شريك العهد.. وما يدي المرتفعة، إلا انعكاس لارتفاع يدك القوية القديرة... يدي المرتفعة ترعب العدو... يتراجع، لأنها انعكاس ليدك المرتفعة.. أعطيتني السلطان أن أدوس الحيات والعقارب.. أدوس ببأس... ترتفع النغمة... كارتفاع نغمات داود في مزامير المصاعد... "أعطيت خائفيك راية ترفع لأجل الحق." (مز٦٠׃‏٤)... هلليلويا... لنا هذا الكنز في أوان خزفية... وبك ترتفع يدي...

- في حضور الملك/ يفنى النقاب.. وبترنم النجاة تكتنفني

ترتفع النغمة أكثر وأكثر... ترتفع الرايات أكثر وأكثر... بك ترتفع يدي، وبك ترتفع أيادينا.. نعم، ترتفع أيادينا جميعًا، فالإناء الخزفي يمتليء وسط أواني كثيرة تمتليء... أمتليء وسط امتلاء إخواني، باقي الأواني... المجد يزيد بداخلي وحولي، والمجد يزيد ويزيد بداخل باقي الأواني وحولها... المجد يحل، يرتاح، يستقر، كاستقرار الشاكيناه في قدس الأقداس. تملأ السحابة المكان، وتغطيه.. الأذيال تملأ الهيكل.. وأجنحة الحضور تتحرك بدفء وانتعاش، بحيوية وبقوة.. ما أحلى حضورك... يفنى النقاب.. هلليلويا.. نعم، يفنى النقاب، ونزرع جنات.. صرنا جنة ريا.. سماؤنا أتت هنا.. وسطنا.. صرنا سماءً على الأرض.. مدينة ملجأ.. أنت ملجأ، وبحضورك فينا صرنا مدينة ملجأ.. أوان خزفية تمتليء بالكنز..

يدخل المكان مُعيي، إناءٌ ضعيف، يحمل بريته في داخله!! ينظر حوله.. يرى أوان مثله.. لكن يا لعجبه؟!.. يوجد قوة بالمكان.. مجال للحضور الشافي، يالبهاء أجنحة الشفاء التي تتحرك بخفة في المكان!!.. الأواني الخزفية ممتلئةً بالكنز.. والنغمة تعلو وتعلو.. ترنم النجاة يملأ المكان.. يوجد ملجأ.. مدينة ملجأ..

أذيال الحضور تلف صديقنا المعيي، الرب يبسط ذيله على الإناء الضعيف المحاصر بالبرية.. البرية تنكمش بداخله.. أمام أنهار الماء الحي، كل برية تتآكل، وتصير البرية بستانًا.. صديقنا بريته تؤكَل وسط جنة الرب.. تختفي، تتوارى.. يُلَفُ بالمجد.. يجد نفسه وجهًا لوجه أمام إله المجد.. الرب الحي في وسطنا.. هلليلويا..

صرنا نغمة عالية.. ومن أفواهنا يخرج ترنم النجاة.. ويفتح الإناء الضعيف شفتاه ويرنم.. الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن أرتعب؟!.. ما أعظم الجود الذي ذخرته لخائفيك وغناك وهبته.. رحمتك تحيط بي، وبترنم النجاة دومًا تكتنفني... نعم.. نعم.. بترنم النجاة تكتنفني.. هلليلويا.. ما أعذب ترنم النجاة!! ما أعظم رحمتك لي!! فاقت وفاقت وفاقت كل أفكاري... ها الأواني ممتلئة.. ومَن يدخل يمتليء.. نهر الحياة هنا.. مُعطي الكنز بيننا.. ومَن يعطش فليأت. ومن يُرد فليأخذ ماء حياة مجانًا.. ومَن يشرب من هذا الماء، لا يعطش أبدًا، بل تجري من بطنه أنهار ماء حيّ.. ويزرع جنات.. ويصير كجنة ريا.. هلليلويا.. كم نحب حضورك يا أبي؟!
من مذكرات إناء خزفي....
ثروت ماهر / ٢٠١٠

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

قوة للاستمرار


قوة للاستمرار....

صديقي.. ليس هذا وقتًا لتستسلم للإرهاق!! ليس وقتًا للإرهاق!!
إنه وقت لتستمر... إنه وقت للاستمرار!!
وحضور الرب يعطي قوة للاستمرار ...
     عزيزي القاريء... هذه هي الكلمات التي تملأني... حاولت أن أصيغها لك بعد مقدمة ما.. ولكني وجدتها بداخلي أقوى من أي مقدمة!!
صديقي.. قد تكون مُنهكًا.. قد تشعر بالإرهاق.. قد تكون مرهقًا بسبب ضعف ما في حياتك، قاومته كثيرًا، لكنك لم تتحرر منه بعد.. أو قد تكون مرهقًا من الانتظار.. أعطاك الرب وعود في بداية هذا العام، وأوشك العام على الانتهاء، ولكنك لم ترى تحقيق الوعود حتى الآن.. أو قد تكون عزيزي وحيدًا أو خائفًا، ولا تجد بداخلك قوة للاستمرار في مقاومة العدو وانتظار الرب بإيمان.. بل قد تكون خادمًا ولكنك تشعر أنك معيي وأن طاقتك الروحية أوشكت على النفاذ!!
صديقي.. أريد أن أشجعك.. الرب لم ولن يتركك.. الرب آت لك اليوم بهذه الكلمات كي يعطيك قوة جديدة للاستمرار.. اسمع معي هذه الكلمات العظيمة جدًا : "...منتظرو الرب يجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون..." (إش40: 31)
هليلويا.. نركض، نجري بسرعة شديدة، ولا نتعب! نمشي ونستمر ولا نعيي!! نستمر... نعم نستمر...
الاستمرار.. مفتاح هام جدًا للنصرة في الحياة الروحية، ولرؤية الوعود وهي تتحقق. مفتاح هام جدًا لابد أن يعرف كيف يمتلكه كل ابن للرب يريد أن يرى مجد الرب، ويريد أن يرى ثمارًا مضاعفة في حياته الشخصية وفي خدمته.

     ولكن كيف نستطيع الاستمرار رغم التعب والإرهاق!؟ أين نجد القوة للاستمرار؟؟
من أين لنا بهذا المفتاح.. الاستمرار؟!
عزيزي... إن مفتاح الاستمرار لا يمكنك أن تجده إلا في حضور الرب... سر الاستمرار في الإيمان وفي مقاومة العدو بإصرار، هو حضور الرب الذي يملأ حياتك، حضور الرب الذي يجدد قواك...اسمع معي ماذا يقول كاتب المزمور: "ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض" (مز104: 30) نعم هو حضور الرب الذي يجدد حيويتك، ويملأك بالطاقة اللازمة للاستمرار... إن كان الاستمرار هو أحد أهم مفاتيح الحياة الروحية القوية... فإن حضور الرب هو المكان الوحيد الذي يمكنك أن تجد فيه مفتاح الاستمرار الحقيقي... حضور الرب هو القوة اللازمة لك للاستمرار...
      لذا عزيزي القاريء... سوف أحدثك في هذا المقال من خلال مثالين من الكتاب المقدس. واحد من العهد القديم، وواحد من العهد الجديد. موقفان سنرى فيهما قوة الاستمرار.. الاستمرار الذي يتحدى العدو.. الاستمرار الذي يرى وعود الرب وهي تتحقق.. وسنرى صديقي  كيف أن مفتاح الاستمرار كان دائمًا يَكمُن في حضور الرب... لكن صديقي قبل أن تكمل القراءة، أرجوك أن ترفع قلبك معي لنطلب معًا حضور الرب ليرافق الكلمات..
أبي السماوي... كم أحتاجك
كم أحتاج لحضورك... لحضور روحك
روح الحكمة و الاعلان (أف1: 17)... روح القوة (2تي1: 7)
لترافقني في القراءة... لتحول كل ضعف فيَّ إلى قوة...أحبك يا رب يا قوتي. (مز18: 1)

أولاً: حضور الرب...
قوة للاستمرار حينما تطول مسيرة الإيمان.. ولا ترى نتائج سريعة!!

     "هل سيظل هؤلاء القوم يدورون هكذا حول أسوار مدينتنا كل يوم ؟! وما بالهم يُبوقون بهذه الأبواق؟!" هكذا تساءل أحد حراس أسوار مدينة أريحا، وهو يراقب هذا المشهد الفريد الذي ظل يتكرر لعدة أيام...
أجابه حارس آخر: "إنَّ اليوم هو اليوم السابع لدورانهم هذا... الأيام الستة السابقة داروا في كل يوم دورة واحدة, أما اليوم فهم مُستمِرون في الدوران ... ها هم يوشكون على الانتهاء من الطواف للمرة السابعة.. هل تظن أنه ينبغي علينا أن نُبلغ القيادة ؟" استعد الحارس الأول للإجابة على سؤال زميله... و لكنه، فجأة، وجد صوت كلماته يضيع وسط دوي هتاف علا فجأة كالرعد.. إن الشعب الطائف حول الأسوار يهتف معًا بصوتٍ واحد..!! "ما هذا الذي يحدث؟؟! إن الأسوار تهتز بنا!!" هكذا صرخ الحراس الذين تدافعوا في رعب بدون تفكير لينجوا بحياتهم... الأسوار الشامخة تهتز اهتزازًا عنيفًا!! لا..إنها لا تهتز فقط.. إنها تسقط.. الأسوار تسقط في مكانها!! سقطت أسوار أريحا الحصينة (التي كانت حصينة!!) أمام هتاف شعب الرب...

    عزيزي... إن هذا المشهد الذي تخيلته لك... هو مشهد يذكرنا جميعًا بحادثة سقوط أسوار أريحا... هذه الواقعة التي نعرف تفاصيلها من سفر يشوع و الإصحاح السادس... و يعلق كاتب العبرانيين بالروح القدس عليها قائلاً: "بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام.." (عب11: 30)
هل انتبهت عزيزي لحرص الروح القدس على أن يُذَكِرنا أن الأسوار سقطت "بعدما طيف حولها سبعة أيام" ؟
بالطبع إن "الإيمان" كان هو المفتاح في سقوط الأسوار... ولكن هل انتبهت أن مفتاح الإيمان لازمه مفتاح آخر هنا، وهو مفتاح الاستمرار في الدوران؟؟
تخيل معي الشعب يدور ويدور، ولم يحدث شيء !! دورة وراء دورة، ولم يحدث شيء...حتى لم تهتز الأسوار!! ولكنهم استمروا يدورون بدون يأس.. يضربون بالأبواق أمام تابوت عهد الرب.. وفجأة هتفوا فسقطت الأسوار!!

     صديقي... هل تعبت من الدوران حول أسوارٍ ما في حياتك؟ هل قاومت خطيةً ما أو ضعفًا ما كثيرًا، ولكنك تجده مرة أخرى في حياتك... تذكر صديقي... الاستمرار مفتاح هام... استمر مقاومًا للضعف... استمر مقاومًا للخطية... لا..لا تصدق كلمات العدو التي تقول لك..لن تنجح.. لا تصدقه إنه كاذب.. قل له انتهرك يا عدو الخير.. سأستمر وسيسقط كل ما تحاول بناءه في حياتي.. عزيزي القاريء..هل لفت انتباهك من قبل أن أحد الأسماء التي أُطلقت على إبليس هي "بعلزبوب" (2مل1: 2) وماذا يعني هذا الاسم؟! إنه يعني سيد الذباب!! إبليس يعرف قوة الاستمرار، لذا في مرات، يستمر في إرسال أرواحه الشريرة بنفس الأمر مرة تلو الأخرى، مثل الذباب الذي تقاومه، فيعود مرة أخرى.. لكن صديقي لا تخشى محاولات العدو المتكررة.. قاومه بإيمان مرة تلو الأخرى.. في كل مرة يأتي و تقاومه، سيهرب من أمامك.. قاوموا إبليس فيهرب منكم (يع4: 7)..
استمرارك سيفوق و يغلب استمرار العدو.. وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا (رو16: 20)
وفي كل مرة، صديقي، يأتي العدو وتقاومه.. أنت تُضعِف قوته.. هليلويا.. إلى أن تتحرر بالكامل، استمر صديقي في تعظيم الرب.. سقطت أسوار أريحا عندما استمر الشعب في الدوران... وأنت أيضًا ستسقط الأسوار التي تمنع حريتك، عندما تستمر في الدوران والهتاف حولها بإيمان..

     لكن هل لاحظت صديقي أن الشعب استمر في الدوران حول الأسوار في حضور الرب.. نعم فتابوت الرب هو رمز لحضور الرب في وسط شعبه.. لقد استمر الشعب في الدوران لأن حضور الرب كان يرافقهم.. في كل مرة ينظرون إلى التابوت، يتذكرون العجائب التي صنعها الرب معهم ومع آبائهم.. فيرتفع إيمانهم, وتتجدد قوتهم للاستمرار.. صديقي.. إن كنت مرهقًا من مسيرة إيمان.. لك شهور تدور وتدور حول الأسوار.. وتشعر أنك قد أرهقت.. تذكر.. ليس هذا وقتًا لتستسلم للإرهاق.. إنه وقت للاستمرار... وأنت تحتاج لحضور الرب لكي تتجدد قوتك للاستمرار..لذا أدعوك تعال إلى الرب الآن.. قل له:
أيها الآب السماوي.. أنا مُجهَد من الدوران حول الأسوار..
ولكني أريد أن أستمر.. أطلب حضورك الذي يغمرني..
يعطيني قوة للاستمرار إلى أن أرى الأسوار وهي تنهار أمامي.. أرى الأسوار وهي تنهار أمام حضورك..
إلمسني بسلطان روحك, لتجدد قوتي وإصراري على الحرية..
لأستمر مقاومًا متمسكًا بقوة حضورك معي دائمًا..بإسم إبنك يسوع..

ثانيًا: حضور الرب...
قوة للاستمرار حينما تكون وحيدًا.. والعدو يضغط عليك ليخيفك!!

     عزيزي القاريء.. تكلمنا في المثال السابق عن الاستمرار رغم طول المسيرة... والآن أريد أن أحدثك عن الاستمرار رغم الوحدة.. أن تستمر حتى حينما تكون وحيدًا، والعدو يحاول أن يخيفك!!

     اسمع معي هذه الكلمات التي كتبها الرسول العظيم بولس، في الرسالة الثانية إلى تلميذه تيموثاوس، وهي آخر رسالة كتبها الرسول من سجنه قبل استشهاده..
يقول الرسول بولس: "...في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني. لا يُحسب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقواني، لكي تتم بي الكرازة، ويسمع جميع الأمم، فأنقذت من فم الأسد. وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني لملكوته السماوي. الذي له المجد إلى دهر الدهور. آمين..." (2تي4: 16 - 18)

     صديقي.. هل تعرف أن الرسول بولس حينما كتب كلمات هذه الرسالة كان يمر بوقت من أصعب أوقات حياته!! يقول الدارسون أن الرسول كان مسجونًا في سجن يدعى "مامرتين" ولم يكن مسجونًا عاديًا.. بل لقد وضعوه في زنزانة تنخفض عن سطح الأرض بنحو اثني عشر قدمًا، تفوح من رطوبتها الروائح الكريهة.. كان مُتهمًا بتهم عديدة، لُفِقَت بالطبع له. في وقت أُلصِقَت بالمسيحيين تهمة إحراق روما، فكان يُقبض عليهم ويتم إعدامهم بأقسى الطرق.. وكان يُنظَر إلى بولس على أنه زعيم المسيحيين في روما!! كما يَتفِق الكثير من الدارسين على أن الاحتجاج الأول، أي المحاكمة الأولى، التي يتكلم عنها بولس هنا، كانت أمام نيرون شخصيًا، هذا الامبراطور القاسي الذي لا يعرف الرحمة. ويرى البعض في كلمات بولس "أنقدت من فم الأسد" تلميحًا لهذا!!

    ولكن صديقي..هل تتخيل أنَّ في وسط كل هذه الآلام الشديدة، وهذه الظروف المخيفة.. أيضًا لم يجد الرسول  بولس أي شخص يقف معه!! وهو الذي كرز لكثيرين, وتتلمذ على يده كثيرين.. نسمعه يقول: "الجميع تركوني" (2تي4: 16) وأيضًا يقول: "جميع الذين في آسيا ارتدوا عني" (2تي1: 15)
لكن صديقي.. يا لقوة عمل الروح القدس.. هذا الأسير الوحيد المُقَيد بسلاسل (2تي1: 16) المسجون في زنزانة كئيبة.. لم يكن مكتئبًا!! ولم يكن خائفًا!! بل كان فرحًا !! واثقًا !!.. لم يكن يائسًا، غير قادر على الاستمرار.. بل كان مُتشجعًا، ويشجع آخرين.. اسمعه وهو يقول لتيموثاوس في نفس الرسالة: "لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2تي1: 7).. لم يفقد بولس قدرته على الاستمرار في خدمة الرب.. بل على العكس لقد استمر وبقوة!! استمر يكرز حتى في وقت محاكمته!! استمر يتابع تلميذه تيموثاوس بالرسائل حتى وهو في السجن، ويشجعه على الكرازة والشهادة (2تي1: 8) ويحثه على الثبات (2تي3: 14)
لم يخف بولس!! لم يخشى من كل هيجان العدو رغم وحدته!!.. يقول : "أنقذت من فم الأسد.. و سينقذني الرب".. الرسول بولس لا يخشى الأسود المزيفة.. فهو يعلم يقينًا أن معه الأسد الحقيقي الغالب "الذي من سبط يهوذا" (رؤ5:5) نجده يقول بكل ثقة: "لأنني عالم بمَن آمنت، وموقنٌ أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (2تي1: 12) يا لقوة الإيمان!! يا لروعة الاستمرار الذي يهزم العدو ومحاولاته بالضغط سواء بالوحدة أو بالتخويف!!

     كيف استمر بولس؟؟ أين وجد هذه القوة للاستمرار مع كونه وحيدًا؟! كيف لم يخش؟!
الاجابة نجدها في كلماته!!..في وسط الكلمات التي كتبها تلمع أمامنا هذه الكلمات الذهبية...
"الرب وقف معي و قواني"(2تي4: 17)
حضور الرب.. نعم حضور الرب صديقي.. هو القوة التي دفعت الرسول بولس للاستمرار.. الرب وقف معه وقواه.. في الوقت الذي تركه الجميع, لم يتركه الرب.. في الوقت الذي يقول فيه المنطق الطبيعي أن بولس لابد أن يتوقف، فإنه مسجون و مقيد بسلاسل.. يقف منطق الروح ليقول: "كلمة الله لا تُقَيَد" (2تي2: 9)
وجد بولس القوة للاستمرار نتيجة حضور الرب معه. وأنت صديقي، إذا كنت تجد نفسك غير قادر على الاستمرار لأنك تشعر بأنك وحيد.. أنت تحتاج إلى حضور الرب.. ليست قوة الاستمرار في معونات الناس.. قوة الاستمرار في حضور الرب.. آه أيها الرب.. كم أشتاق لحضورك معي!! حضورك الذي يرفعني فوق الوحدة!! حضورك الذي يرفعني فوق الخوف!! حضورك الذي يعطني القوة للاستمرار حتى وإن كنت وحيدًا.. قد تكون عزيزي وحيدًا.. قد تكون وحيدًا في إيمانك بالرب في وسط عائلة لا تعرف الرب.. بل قد تكون وحيدًا في وسط مجتمع كامل أو مدينة لا تعرف الرب يسوع المخلص!! قد يكون العدو محاولاً باستمرار أن يخيفك!! محاولاً باستمرار أن يرمي على ذهنك مشاهد تجعلك قلقًا، أو أحلامًا مزعجة ليرعبك!! وقد ترى حولك أشياء تحدث لتزيد قلقك!! كيف تستمر في وسط كل هذا، ورغم الوحدة؟؟ أطلب حضور الرب.. حضور الرب الذي يحررك من الخوف.. ينعشك.. يشجعك.. يجعلك تتهلل مع بولس قائلاً: " أنقذت من فم الأسد. وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني لملكوته السماوي."..
نعم الرب يرسل لك هذه الكلمات الآن، لكي يشجعك على الاستمرار... يملأك بالروح القدس وأنت تقرأ هذه الكلمات.. فتطرد كل خوف، وترفض كل احساس بالوحدة.. قل معي "سأستمر.. نعم سأستمر.. بإسم الرب يسوع الأسد الحقيقي.. أطرد كل مخاوف و كل رثاء للنفس بسبب الوحدة.. الرب معي ليقويني..."

     وأنت عزيزي يا مَن تخدم الرب و تشعر أن طاقتك الروحية تنفُذ.. هيا.. هيا إلى لقاء مع الرب.. هيا إلى لقاء مع حضور الرب الذي يجدد الطاقة.. حضور الرب الذي يعطينا جميعًا قوة للاستمرار.
هيا.. اعترف للرب بضعفك...اطلب منه أن يأتي بحضوره الحقيقي إليك.. اشبع بحضوره، وستجد المسحة تتدفق إلى حياتك... تعطيك قوة للاستمرار...هليلويا..

سيدي الرب... كم أحب حضورك...
في حضورك أستطيع أن أهتف بكل ثقة
"حينما أنا ضعيف.. فحينئذ أنا قوي".. (2كو12: 10)
حضورك كفايتي.. شبعي.. قوتي..
أبي السماوي.. أحتاج قوة للاستمرار.. أراك معي.. تجدد قوتي.. تجدد شبابي..
كم أحتاجك سيدي.. كم أحبك سيدي..
حينما أنظر إلى الأسوار العالية.. لا أخاف !!
نعم.. لا ولن أخاف..
رب الجنود معي.. سأستمر في الدوران.. وستُهدَم الأسوار..
إذا حاول العدو أن يخيفني.. لن أخاف..
فالرب معي... الرب يقف معي ويقويني..
حتى إذا كنت وحيدًا.. لا أخاف..
الرب لي أعظم رفيق...
الأسد الغالب الخارج من سبط يهوذا...
يزأر.. يزمجر..
صوته يملأني بالإصرار.. بقوة الاستمرار...
لا.. للخوف...لا... للتراجع
هليلويا.. يعظم انتصارنا بالذي أحبنا...
ثروت ماهر




الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

لا يخزون في زمن السوء !!


لا يُخزَون في زمن السّوء...

      لقد ارتفعت الأسعار بطريقة جنونية!!! أين القمح؟!!!   أين الدقيق؟!!  
ما هذه السلع الغريبة الموجودة في السوق؟!!   كيف نستطيع أن نعيش وسط هذه الظروف الصعبة؟!!
تساؤلات... تساؤلات... تساؤلات...
ولكن عزيزي القاريء ... انتبه... فهذه التساؤلات على الرغم من تشابهها مع ما نسمعه اليوم، إلا أني لا أنقلها لك من الواقع الحالي أو من عناوين أحد الصحف اليومية..!! ولكني أنقلها لك من وسط أحداث و ظروف، تبعد عن يومنا الحالي بحوالي 2850 سنة!!!
      فهناك في السامرة، أحد المدن الأساسية في الجزء الشمالي من مملكة إسرائيل، والعام بالتقريب هو 850 قبل الميلاد... المدينة محاصرة من الآراميين بقيادة بنهدد الملك الآرامي، الذي قطع كل الامدادات الغذائية عن السامرة مما تسبب في مجاعة ثقيلة جدًا...

     ووسط هذه المجاعة، نزل الملك يهورام ملك إسرائيل ليرى الأحوال في السوق، وقد هالّه ما رآه وسمعه... فها هو  أحد الباعة في السوق ينادي على بضاعته.... هيا هيا... رأس الحمار بثمانين من الفضة... رأس الحمار بثمانين من الفضة..!! وها هو صوت بائع آخر....هيا هيا... قاب زبل الحمام بعشرين من الفضة و ربع القاب بخمس من الفضة!!.. ( القاب يساوي 1.2 لتر بينما وزنة الفضة تساوي حوالي 10 -12 جرام و تسمى شاقل ).
إرتاع الملك مما يسمعه... ما هذه الأشياء التي تُباع ؟! وما هذه الأسعار ؟! ألهذا الحد وصلت المجاعة بين الشعب؟؟
وبينما هو غارقًا في أفكاره، إذ بامرأة تأتي إليه صارخةً له أن يخلصها وينصفها من ظلم امرأة أخرى، وإذ تساءل الملك عن الأمر، علم أن السيدتين كان بينهما اتفاق أن يطبخا ابن الأولى ليأكلاه بالأمس، على أن يطبخا ابن الثانية ويأكلاه اليوم !!! وقد سلقتا بالفعل ابن السيدة التي تصرخ إلى الملك وأكلتاه بالأمس !!! والمرأة الأولى صارخة إلى الملك الآن لأن المرأة الأخرى ترفض أن تعطي إبنها ليؤكل اليوم !!!.... ولما سمع الملك هذا الكلام مزق ثيابه....

       نعم عزيزي القاريء ... إلى هذا الحد وصلت الظروف الصعبة في هذا الوقت !! تم حصار المدينة وتعاظمت المجاعة إلى هذه الدرجة !!! حتى أن الملك استشاط غضبه على أليشع رجل الله، إذ كان أليشع يحاول أن يجعله يثق في الله لفك الأزمات. وإذ رأى الملك هذه الأحوال الصعبة ظن أن أليشع يخدعه، وظن أن الله يرسل الشر ولا يستطيع أن يتدخل وينقذ شعبه، وقرر أن يقطع رأس أليشع ويتوقف عن انتظار الله...
     
     ولكن.... انتظر قارئي العزيز... هل أرهقتك هذه الصورة القاتمة.. مهلاً.. ليست هذه كل الصورة..!!
فوسط هذه الأحوال الصعبة، الله ليس صامتًا... الله يرى و يدبر خلاصًا لشعبه.. يهوه القدير رب السماء والأرض يرى الاحتياج ويسدد بطرق معجزية... جاء النبأ إلى أليشع النبي أن الملك يريد قتله، ولكن أليشع لم يرتعب من هذا النبأ، إذ كان يحمل نبأ آخر، فقد أجاب بكلمات تحمل أخبارًا طيبة وإن ظهرت وكأنها جنون في هذا الوقت ... قال أليشع النبي: "في مثل هذا الوقت غدًا تكون كيلة الدقيق بشاقل، و كيلتا الشعير بشاقل في باب السامرة" 2مل7: 1 ( الكيل يساوي 7.3 لتر تقريبًا)
نعم... هذا ما أعلنه الله لأليشع، على الرغم من صعوبته... ففي الوقت الذي كان ربع قاب زبل الحمام يباع بخمس من الفضة ( أي أن ثلث لتر من زبل الحمام ثمنه حوالي خمسين جرامًا من الفضة ) قال له الله أن غدًا ستكون كيلة الدقيق بشاقل (أي أن السبع لترات و ثلث من الدقيق سيكون ثمنها عشر جرامات فقط من الفضة) وكيلتا الشعير بشاقل (أي أن حوالي 14.5 لترًا من الشعير سيكون ثمنها أيضًا عشر جرامات من الفضة).
هل يمكن تصديق هذا ؟! في وسط هذا الواقع و هذه المجاعة؟! و كيف سيكون ؟! هل سيفتح الله السماء ويمطر دقيقًا و شعيرًا ؟؟ هكذا تساءل أحد جنود الملك متهكمًا..
ولكن صديقي... لم يفعل الله هذا، مع أنه كان يستطيع إذا أراد، ولكن حدثت أحداث عجيبة جدًا سنعرفها بعد قليل... ولكن قبل أن نعرفها أريد أن أهمس في أذنك بكلمات قليلة...

     هل تشعر صديقي أنك في زمن يشبه هذا الزمن السيء الذي تدور أحداث قصتنا فيه؟؟ هل تسمع كل يوم أخبار سيئة تقول أن الأسعار في ازدياد مستمر وأن سعر القمح ارتفع ارتفاعًا عالميًا؟؟
هل أنت في طريقك للارتباط و تتسائل كيف تستطيع أن تجد مكانًا للسكن، وسط ارتفاع أسعار العقارات الذي هو بسبب ارتفاع أسعار خامات البناء الذي هو بسبب الارتفاع العالمي لأسعار البترول الذي هو بسبب .... و بسبب.... وبسبب...
هل أنت أب و تفكر في مستقبل أطفالك، كيف سيكون في وسط هذا الغلاء ؟ هل تفكر كيف تستطيع أن تلحقهم بمدارس و تدفع مصروفاتهم و تدبر احتياجاتهم ؟ هل تئن بداخلك و تخاف في بعض الأوقات و تتساءل ؟؟ هل تحسب فواتير الكهرباء و الغاز و التليفون و طعام الشهر و... و... و.... و تتساءل إذا كان دخلك سيسدد كل هذا أم لا...؟؟
صديقي... عندي لك أخبار طيبة... تستطيع أن تُدخِل الله معك في الحساب.... فهو وعد بأن يسد كل احتياجاتك.....

     اطمئن صديقي... فإن الله يعرف احتياجاتك... اطمئن فإن الله يعرف أيضًا هذا الزمن الذي نحيا فيه... نعم... الله يعرف و يرى... يعرف صعوبة الأيام.... اسمع معي هذه الكلمات المشجعة التي يعطيها الله لأولاده... لك و لي.... يقول الرب عني و عنك...
"لا يخزون في زمن السوء, و في أيام الجوع يشبعون" مز 37: 19...
هليلويا للرب يسوع المسيح... يعدنا بأن لا نخزى في أيام السوء....
هليلويا لفادينا مخلصنا الرب يسوع... يشبعنا في أيام الجوع....
هل يصنع الرب هذا ؟؟ هل يستطيع الرب أن يشبعني في وقت الجوع هل يرفع رأسي و لا يخجلني في زمن السوء؟؟
نعم... نعم الرب يستطيع أن يفعل هذا و يريد أن يفعل هذا... يريد أن يسدد احتياجاتك و سيصنع معجزات لو تطلب الأمر معجزات... إن كنت ابن حقيقي للرب سلمت حياتك له و تعيش في خوفه و تحبه بكل القلب، فإن الرب سيصنع معك بحسب أمانته... وسيجعلك أيضًا مثمرًا جدًا.. "جعل شعبه مثمرًا جدًا، و أعزه على أعدائه" مز105: 24 ... فإن الرب "لا يمنع خيرًا عن السالكين بالكمال" مز84: 11... وقد شهد عنه داود بعدما مرت به السنون و قال بالروح القدس:" أيضًا كنت فتى و فد شخت، و لم أر صِديقًا تخلي عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزًا" مز 37: 25  هليلويا للرب... كم أحبك أيها الرب فأنت معي... وسط أحداث حياتي أنت معي... لم تكتف بأن تخلصني... و تتركني بعد هذا فريسة للظروف و للأيام السيئة!! و لكنك معي اليوم كما كنت معي بالأمس... أستطيع أن أثق بك لأنك أيضًا معي غدًا... أنت هو أمس و اليوم و إلى الأبد... تحملني بيدك... كم أحبك سيدي..

     والآن صديقي... نعود إلى قصتنا... ماذا حدث في السامرة ؟
أعلن أليشع كلام الرب الذي يعلن أن الفرج آت.... وها الذين سمعوا هذا الكلام يتساءلون هل هذا الكلام حقيقي؟؟ هل يستيقظون غدًا فيجدوا الأزمة و قد مضت ؟! كيف هذا ؟! يتساءلون ويتساءلون، وربما تذكر بعضهم بعض القصص التي سمعها عن إله أبائه، إله ابراهيم و اسحق ويعقوب، وكيف أنه الإله الصانع العجائب.. كيف أنه شق البحر الأحمر وكيف أطعم آباءهم المن في الصحراء وكيف أتى بالماء من الصخرة... كيف و كيف و كيف؟
ولكن صديقي لنترك الذكريات ههنا، وننطلق لنرى ما يحدث في معسكر جيش الآراميين، الذين يحاصرون اسرائيل و يتسببون في المجاعة....لننطلق لنرى رب الجنود الإله الحي و هو يتدخل ليأتي بأزمنة الفرج إلى شعبه...
هناك... وسط معسكر الجيش الآرامي... كان الرب يرسل ملائكته ليرعب الآراميين....نعم كانت ومازالت يد الرب تتحرك بعجائب... فجأة وسط السكون عند وقت العشاء، سمع الآراميين صوت خيل و مركبات... سمع الآراميين صوت جيش عظيم (2مل7: 6) وظنوا أن اسرائيل تحالف مع المصريين والحثيين و قد أتوا بالثلاث جيوش ليقضوا علي آرام...! ياللعجب !! في الواقع لم يكن هناك أي جيوش !!! ولكن سقط على الآراميين رعب رب الجنود... أرسل الرب و أرعب آرام وأسمعهم تلك الأصوات.... فارتعب الآراميين و هربوا هروبًا سريعًا جدًا... لدرجة أنهم تركوا وراءهم كل شيء يخصهم.... الأمتعة و الأكل و الفضة و الذهب و الثياب... بل لقد تركوا خيلهم وحميرهم أيضًا، مع أنه كان من الطبيعي أن يستخدموا الخيل في الهرب, و لكن واضح أنه من كثرة رعبهم تشوشت أذهانهم و فقدوا القدرة على التفكبر السليم... و فروا هاربين مذعورين...
و بعد قليل كان هناك أربعة رجال اسرائيليين ولكنهم بُرص معزولين خارج مدينة السامرة، بلغ الجوع مبلغه منهم...فقرروا أن يدخلوا معسكر الآراميين بحثًا عن الطعام... وقالوا " هلم نسقط إلى محلة الآراميين، فإن استحيونا حيينا، و إن قتلونا متنا" و قاموا و دخلوا.... فإذا بمعسكر الآراميين ليس فيه آرامي واحد!!! فالكل قد هرب....وقع رعب رب الجنود عليهم... هليلويا..هليلويا للرب...أكل الأربعة رجال و شبعوا... وذهبوا أخبروا السامرة التي خرج الاسرائيليين منها وذهبوا ونهبوا محلة الآراميين و يقول لنا الكتاب " فكانت كيلة الدقيق بشاقل، و كيلتا الشعير بشاقل حسب كلام الرب" ( 2مل7: 16)

     نعم صديقي... لقد صنع الرب معجزة لأجل شعبه... أرعب الأعداء.... وسط المجاعة صنع عجبًا...
وهو يستطيع أن يصنع معك أنت أيضًا معجزة... هل تؤمن أن الرب يستطيع أن يسدد احتياجاتك وسط هذه الأيام الصعبة والظروف التي يشتكي منها الجميع ؟.... هل تؤمن بحب الرب الذي يكفي ليعتني بك تمامًا ؟...
هل تؤمن أن الرب يرتب الأحداث والعلاقات والأوقات ليسدد جميع احتياجاتك، و إذا حاول إبليس أن يعوق هذا، سيعطيك الرب أن تنتصر عليه وسيُضرب العدو بالتشويش ويهرب أمامك... وسيتحول هجومه إلى ازدياد خيرك و ثبات عمل الرب في حياتك..!
     صديقي... نحتاج الإيمان... فالإيمان هو المفتاح الذي يأتي ببركات الرب لحياتك وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله... هل تذكر جندي الملك الذي تهكم من أليشع عندما تنبأ بالفرج... هذا الجندي لم يكن عنده إيمان... على الرغم من أنه سمع الكلمات من فم أليشع نفسه... هل تعرف ما حدث له في نهاية قصتنا ؟! لقد سقط وسط اندفاع الشعب الخارج من السامرة متجهًا لمحلة الآراميين... ويا للأسف لقد داس عليه الشعب ومات....نعم مات في الوقت الذي ذهب فيه الشعب ليتمتع بالمعجزة. لقد نجا هذا الرجل من المجاعة و لكنه مات لعدم الإيمان....
  صديقي.... لا تفقد بركات الله لك في زمن السوء... ثق في الرب و سبحه... وكن أمينًا في عشورك و تقدماتك للرب حتى رغم الاحتياج "هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام، وجربوني بهذا، قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع.و انتهر من أجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الأرض" (مل3: 10, 11)... أيضًا تكلم بكلمات البركة " الموت و الحياة في يد اللسان" (أم18: 21).. وارفض أفكار الخوف وانتهرها...  ثق أن الرب سيأمر بالبركة في خزائنك و في كل ما تمتد إليه يدك (تث28: 8) وتذكر قول الرب:
 "لا يخزون في زمن السوء, و في أيام الجوع يشبعون" مز 37: 19...

سيدي الرب... أحبك
أتبعك رغم صعوبة الأيام...رغم زمن السوء....
أنت تعلم ضعفي أيها الرب...
تعلم أني مرات أجد الإيمان بداخلي... و مرات أبحث عنه فلا أجده...
أشكرك مخلصي... لأنك رئيس الإيمان و مكمله (عب12: 2)
تستطيع أن تكمل ضعف إيماني
تملأني بالروح.. فأجد الإيمان قويًا بداخلي
أتشجع و أشجع آخرين...
أنطلق كالنسر لا يأسرني خوف
أثق فيك...أتكل عليك..أسكن الأرض و أرع الأمانة (مز37: 3)
فخلاصي من عندك... و أنت حصني في زمان الضيق (مز37: 39)
ساعدني لأحيا أمينًا لك كل أيام حياتي...
أحبك يا رب يا قوتي (مز18: 1)

ثروت ماهر
فبراير 2008